IMLebanon

الجمهورية: إستنفار عام لمواجهة “كورونا”.. وجواب صنـدوق النقد بعد أيام

 

همّان ثقيلان يزداد ضغطهما على مدار الساعة اللبنانية، ويسيران على خطين متوازيين. في الخط الاول، يكمن فيروس «كورونا» للبنانيين، مُحدثاً حالة غير مسبوقة من القلق والخوف في بلد يعاني الأمرّين على كل المستويات، وهذا يتطلب بالدرجة الأولى اتخاذ إجراءات وقائية شاملة، واعلان حالة طوارىء صحية أسوة بسائر الدول التي ابتليت بهذا الزائر الخبيث، وليس بالتحرّك تحت تأثير الصدمة، والاكتفاء بمحاولات رسمية متواضعة لاحتوائه ومنع تَفشّيه في الأرجاء اللبنانية. وأمّا في الخط الثاني فيبقى الهمّ الاقتصادي والمالي في مربع الخطر الشديد، والخطوات العلاجية والانقاذية الموعودة من الحكومة لم تظهر بعد، علماً انها لم تتلمّس بعد كيفية حسم مسألة سندات «اليوروبوندز»، التي يبدأ استحقاقها في الثلث الاول من آذار المقبل.

على صعيد أزمة الـ”كورونا”، فإنّ لبنان يسير بإمكانات واجراءات متواضعة في مواجهة هذا الفيروس. في المطار اجراءات وفحوصات احترازية، خصوصاً للوافدين من دول مثل ايران، وعلى الحدود مع سوريا اخضاع للعابرين في اتجاه الاراضي اللبنانية لفحوصات دقيقة.

 

وقد بقي تفشّي هذا الفيروس محصوراً بحالة وحيدة هي السيدة الآتية من مدينة قم الايرانية، والتي أعلنت اصابتها قبل ايام، فيما كرّر وزير الصحة حمد حسن دعوته المواطنين الى عدم الهلع، مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة، حيث لم تسجّل أي اصابة اخرى. وطمأن الى انّ “الاجراءات التي اتخذت في مطار رفيق الحريري الدولي سابقاً وحالياً ولاحقاً، مسؤولة وتتم بتنسيق مباشر مع منظمة الصحة العالمية وأثنت عليها المراجع المختصة. والاجراءات التي نتخذها مع الطائرة الايرانية والايطالية هي إضافية تضمن عدم انتشار الوباء اذا وُجد”.

 

هذا الامر سيكون محور جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية التي ستعقد اليوم لاتخاذ إجراءات مواجهة هذا الفيروس. وقالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” انّ من بين الافكار المطروحة لجلسة مجلس الوزراء، التشدد في استقبال الطائرات الآتية من مطارات دول منكوبة بالكورونا، الى حد الوقف المؤقت للسفر ذهاباً وإياباً الى تلك الدول.

 

صندوق النقد

في الجانب الآخر للأزمة، انتهت مهمة صندوق النقد الدولي في بيروت، وكان له نشاط مكثّف في الساعات الاربع العشرين الماضية، أبرزه غداء عمل جمعه مع رئيس الحكومة حسان دياب، وكذلك لقاء نيابي جمعه مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب النائب ياسين جابر ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان.

 

وقالت مصادر متابعة لمهمة وفد صندوق النقد إنّ الجواب عن الطلب اللبناني سيظهر في غضون ايام، حيث قرّر الصندوق تقديم اقتراحاته خلال اسبوع من اليوم بعدما اطّلع على كامل المعلومات التي كان يريدها من المعنيين ليبنى على الشيء مقتضاه. بحيث ستبدأ المرحلة الثانية من مهمة البعثة لجهة تحديد الخطوات التي من الواجب اتخاذها للخروج التدريجي من الأزمة القائمة كما يراها الصندوق.

 

إيجابيّات ولكن؟

وقالت مصادر السراي الحكومي لـ”الجمهورية”: انّ الاجواء العامة للنقاشات والمباحثات مع وفد صندوق النقد، لم تخرج عن السياق الايجابي، بل كانت صريحة بحثت فيها جملة أفكار كلها تصبّ نحو اتخاذ خيار يراعي مصلحة الجميع.

 

وأشارت المصادر الى انّ القرار النهائي لم يتبلور بعد، بل يتطلب اياماً عديدة، ليطرح الامر مجدداً في مجلس الوزراء لاتخاذ القرار الملائم في ما خَص سندات “اليوروبوندز”. وإذ أوحت المصادر انّ الاتجاه الغالب هو للاتفاق على تأخير تسديد السندات، الّا انها قالت انّ الأمر لم يحسم بعد، بل يتطلب بعض الدراسة.

 

في هذه الاثناء، نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر قريب من الحكومة اللبنانية قوله انّ لبنان سيعيّن كليري جوتليب ستين اند هاملتون لتقديم المشورة القانونية بخصوص سنداته الدولية.

 

ولفت المصدر الى “أنّ المسؤولين (اللبنانيين) هم في المراحل الأخيرة لاختيار الشركة التي سيتقرر تعيينها بشكل منفصل كمستشار مالي”.

 

أجواء غامضة

الى ذلك، تبدو المعلومات، بعد انتهاء محادثات وفد صندوق النقد الدولي في بيروت، غامضة ومتضاربة. وقد تراجع منسوب التفاؤل الذي ساد قبل الاجتماعات، على اعتبار انّ التعاون مع صندوق النقد بما هو أبعد من مجرد استشارة تقنية قد لا يكون متاحاً كما أوحَت المواقف السابقة.

 

وما يثير القلق حالياً، هو انّ السلطة اللبنانية لم تحسم قرارها بعد في كيفية مواجهة استحقاق اليوروبوندز في 9 آذار المقبل، وقد تأخرت كثيراً في اختيار الشركات القانونية والمالية التي ستساعدها على وضع خطة التفاوض مع الدائنين بهدف تأجيل الدفع، بما يعني انّ فرضية التخلّف عن الدفع من دون موافقة الدائنين هي من الامور الواردة. هذا الوضع يقلق الاوساط المالية والاقتصادية التي تدرك خطورة الوصول الى هذه النقطة، في غياب خطة بديلة لمواجهة التداعيات.

 

جابر لـ”الجمهورية”

في السياق، قال النائب ياسين جابر لـ”الجمهورية”: انّ زيارة وفد صندوق النقد لا تأتي في إطار صياغة برنامج إنقاذ للبنان أو خطة سيضطرّ لبنان الى السير بها، بل انّ نصيحة صندوق النقد الدولي للبنان تتمثّل بإعداد خطة محلية تناسب أوضاعه وتحظى بصدقية المجتمع الدولي.

 

وشدّد جابر على انّ لبنان، بالإضافة الى الأزمات العديدة التي يعانيها، يعاني أزمة أكبر تشكّل العائق الاساس، هي أزمة الصدقية. “وبالتالي، فإنّ أي خطة سيعدّها لبنان يجب ان تبعث بمؤشرات عملانية من خلال تنفيذ خطوات جديّة، مثل تعيين الهيئات الناظمة بطريقة شفافة ومستقلّة، تعيين مجلس ادارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان، تطبيق قانون الشراكة بين القطاع الخاص والعام وغيرها من الإجراءات البسيطة التي تؤشر الى جدّية الحكومة ونيّتها في الشروع بالإصلاح”.

 

وأوضح “انّ برنامجاً للدعم المالي من قِبل صندوق النقد الدولي ليس أمراً مطروحاً اليوم، ولا يوجد قرار في هذا الاطار. والدليل انّ الحكومة لم تطلب دعماً مالياً من الصندوق بل فقط استشارة تقنية”.

واعتبر جابر ألا جدوى من معرفة حجم السيولة المتبقّي لدى مصرف لبنان، “فالمعلوم انّ عجز البنك المركزي يتراوح ما بين 40 الى 50 مليار دولار، وبالتالي يجب تغطيته عبر توزيع الخسائر بين سندات الخزينة واليوروبوندز والمصارف”.

 

تقييم

وفي تقييمها لحركة الموفدين الدوليين الماليين والقانونيين والخبراء، قالت أوساط سياسية رفيعة المستوى لـ”الجمهورية”: البحث مع الموفدين كان شاملاً. والخارج يدرك حجم أزمتنا أكثر منّا، وفي الخلاصة المحادثات جالت على كل التفاصيل، وتِبعاً لحجم ما نحن فيه لا استطيع أن اكون مطمئناً.

 

وبحسب الاوساط، فإنّ البحث مع الموفدين خَلص الى الآتي:

 

اولاً، لبنان بلغ مرحلة لم يعد يستطيع التراجع فيها، فإمّا ان يذهب الى انهيار وإفلاس، وإمّا أن يذهب الى خطوات علاجيّة، باتت اكثر من مُلحّة وفورية.

 

ثانياً، حكومة حسان دياب تشكّل فرصة ينبغي أن تستغلّ للشروع في الإصلاح السريع والملموس، وثمة إيجابية ملموسة تتجلى بتوجّه جميع القوى السياسية في لبنان الى منح الحكومة الفرصة لكي تعمل، وهذا يعكس “عقلانية” لدى السياسيين، وإدراكاً بأنّ صعوبة الازمة تعيق احتواءها بسهولة. وهذا يشجّع على التأكيد بأنّ الحكومة ينبغي أن تُحاط بتوافق سياسي واسع حول الخطوات الاصلاحية الكبرى والنوعية التي يتوجّب عليها أن تتخذها.

 

ثالثاً، أولى الخطوات الاصلاحية المطلوبة، يجب ان تنطلق من قطاع الكهرباء، على “أن تأتوا بالكهرباء الى لبنان” من دولة الى دولة، وليس عبر شركات او صفقات، وذلك حتى لا تكون هناك سمسرات وروائح نَتنة. فهناك دول معروف عنها انها خبيرة في مجال الكهرباء، وإنشاء المعامل وبسرعة قياسية فاستعينوا بها واستفيدوا من خبراتها لإنقاذ قطاع الكهرباء.

 

رابعاً، على المستوى القانوني، إنّ المؤسسات الدولية على استعداد لتقديم كل مساعدة للبنان، شرط ان يكون لبنان في موقع المُبادر الى مساعدة نفسه.

 

موقف فرنسي

الى ذلك، واستتباعاً للتصريحات التي أدلى به أمس الأول من الرياض، واصَل وزير المالية الفرنسي برونو لو مير أمس، إطلاق المواقف التي تؤكد نيّة فرنسا دعم لبنان.

 

ومن أبوظبي، حيث يقوم بزيارة الى دولة الامارات العربية المتحدة، قال لو مير إنّ بلاده “تدرس خيارات مختلفة لمساعدة لبنان على التعافي من أزمته المالية، ومن بينها برنامج لصندوق النقد الدولي، إذا سعت الحكومة اللبنانية إلى ذلك”.

وقال وزير المالية الفرنسي للصحافيين في أبوظبي إنه بحث الوضع في لبنان مع القيادة الإماراتية.

 

بري يقدّر

الى ذلك، أعرب رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن تقديره للموقف الفرنسي حيال لبنان، مشدداً أمام زوّاره على انّ المطلوب أن نسعى ما أوتينا في سبيل القيام بالاصلاحات واتخاذ الاجراءات المطلوبة لإنقاذ لبنان وإخراجه من الازمة. مُبدياً الاستعداد للقيام بأي عمل يُساعد في هذا المجال، إن من موقعه السياسي او من خلال مجلس النواب.

 

واكد بري انّ الشرط الاول لمعالجة الازمة، هو ان نقدّم الى أهلنا دولة حديثة وعادلة، وهذا ما تحققه الاصلاحات، والدولة المدنية.

 

إلتزام أوروبي

يتزامَن ذلك مع ما أكدته مصادر ديبلوماسية غربية لـ”الجمهورية” بأنّ “دول الاتحاد الاوروبي بشكل عام تدعم الاهداف الاصلاحية التي حدّدتها الحكومة اللبنانية. مع التزامها الكامل دعم لبنان وشعبه ووحدته وسيادته واستقراره واستقلاله السياسي وسلامة أراضيه، وكذلك الالتزام بالأهداف المتّفق عليها في مؤتمر “سيدر”.

 

وإذ عكست المصادر ارتياح الاتحاد الاوروبي “للمسار الذي بدأت تسلكه الحكومة اللبنانية وللجدية الملموسة في مقاربتها الأزمة”، أعربت عن أملها في ان تثمر استجابة الحكومة سريعاً للمطالب المشروعة للشعب اللبناني، نتائج ملموسة، ولاسيما لناحية مكافحة الفساد وتنفيذ الإصلاحات المُلحّة والتي طال انتظارها”.

 

تمايز

واللافت للانتباه انّ الموقف الاوروبي ما زال متمايزاً مع الموقف الاميركي الذي تعبّر عنه الديبلوماسية الاميركية، ومفاده “انّ الازمة في لبنان قد تصبح أشد صعوبة في فترة لاحقة، وبالتالي حكومة لبنان أمام اختبار صعب وهامش الوقت يضيق، وعلى الحكومة أن تُبادر الى إصلاحات مطلوبة ومكافحة الفساد، فبذلك فقط تفتح باب المساعدات الاميركية والدولية للبنان”.

 

لا ودائع

في سياق متصل، نقلت مصادر اقتصادية لبنانية عن مسؤولين خليجيين، تأكيدهم استعداد دول الخليج لتقديم المساعدة الى لبنان، ولكن ليس على ذات الطريقة التي كانت مُتّبعة في السابق.

 

ونَسبت المصادر الى أحد المسؤولين قوله: “انّ الدول الصديقة للبنان، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، تنوي مساعدة لبنان بطريقة مجدية لهذا البلد، وليس بطريقة تذهب فيها الاموال التي تدفع هباء كما كان يحصل.

 

وبحسب المصادر فإنّ هؤلاء المسؤولين الخليجيين يتجنّبون الحديث المباشر عن الحكومة اللبنانية، كما لم تبدر منهم إشارات سلبية او ايجابية تجاه رئيسها حسان دياب، بل على العكس، أبدوا استعدادهم للاستجابة الى ايّ مشروع استثماري مدروس وجدي يقدّم إليهم من قبل اللبنانيين، و”نحن مستعدون إمّا لتنفيذ هذا المشروع مباشرة أو تقديم المشورة حياله، ولكن أهم ما يجب ان يكون معلوماً لدى اللبنانيين هو الّا يوجد أي توجّه لوضع ودائع خليجية في مصرف لبنان”.