IMLebanon

 لبنان ينتظر ردّ السعوديّة… و«حزب الله» يتمسَّك بالحكومة والحوار

ما زال لبنان يعيش تأثيرات وارتدادات توتّر العلاقات اللبنانية – السعوديّة، وسط مخاوف من استمرار الإجراءات الخليجيّة، في حين لم تأت المعالجات السريعة التي حاولت الحكومة القيام بها، بثمارها حتى الساعة في انتظار ردّ القيادة السعودية على رسالة رئيس الحكومة تمّام سلام. وفي هذه الأثناء، تطرح أسئلة كثيرة عن مصير الاستحقاقات الداخلية، من تفعيل عمل الحكومة التي ما زالت بعيدة عن تردّدات الأزمة الإقليمية، الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 2 آذار التي ستواجه مصير سابقاتها، وصولاً الى الهمّ الأمني الذي أطَلّ أمس مجدداً من بوّابة عودة مسلسل التفجيرات، بعد الحديث عن الاشتباه بسيارة مفخخة خرجت من بريتال واتجهت إلى الضاحية الجنوبية. وتبيّن، وفق تأكيد مراجع أمنيّة، أنها شائعات.

تتّجه الأزمة السياسيّة اللبنانية نحو مزيد من الجمود في ظلّ التوتّر الإقليمي السعودي – الإيراني، فيما يرتفع منسوب المخاوف من تأزّم الوضع الداخلي، وسط الحديث عن تصعيد وتصعيد مُضاد.

وإذا كانت معالجة العلاقات اللبنانية – السعوديّة تنتظر مزيداً من الوقت لمعرفة كيفية تعامل القيادة السعوديّة مع الأصوات اللبنانية، الرسميّة والسياسيّة والشعبية، الحريصة على مسار العلاقات الثنائيّة ومصيرها، فإنّ الملفّات الداخلية تنتظر انقشاع الغيوم الإقليمية للبدء بالحلول التي تبدو حتى الساعة غير متوافرة بسبب تقدّم ملفّات اليمن والعراق وسوريا على الملفّ اللبناني.

وفي حين دخل وَقف إطلاق النار في سوريا، بين النظام والمعارضة المعتدلة، حَيّز التنفيذ، تستمرّ الرياض في مواجهة المدّ الإيراني في المنطقة، وقد اتخذت أمس إجراءات جديدة ضدّ «حزب الله» حيث صنّفت أسماء أفراد وكيانات لارتباطهم بأنشطة «إرهابية» تابعة للحزب.

وقالت وزارة الداخلية السعودية إنّ «حزب الله» طالما يقوم بنَشر الفوضى وعدم الاستقرار، وشَنّ هجمات إرهابية وممارسة أنشطة إجرامية وغير مشروعة في أنحاء العالم، فإنّ المملكة ستواصِل تصنيف نشطاء وقيادات وكيانات تابعة لـ«حزب الله» وفَرض عقوبات عليهم نتيجة التصنيف». وفي هذا الوقت، اكّد «حزب الله» انّ ما حصل خلال الأسبوع الماضي يَتطلّب أن تعتذر السعودية من لبنان».

وقال نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم إنّ السعودية «هي التي اعتدَت، أمّا نحن فلم نعتدِ عليها، وكل ما في الأمر أننا وَصَّفنا أعمالها». واضاف: «ليفعلوا ما شاؤوا وليتصرّفوا كما يحلو لهم».

«14 آذار»

وفي هذا الوقت، يؤكدّ تيار «المستقبل» وقوى «14 آذار» استمرارهما في مواجهة محاولة وضع لبنان في محور العداء للدول العربية، وأوضح عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري لـ«الجمهورية» أنّ قوى «14 آذار» مستمرّة في التصدّي لمحاولة ضرب علاقات لبنان مع السعودية ودول الخليج، عبر التمسّك بالموقف الرافض أخذ لبنان الى صفّ الخارجين عن الإجماع العربي».

وأشار حوري الى أنّ «مسؤولية تصحيح العلاقات اللبنانية – السعودية تقع في الدرجة الأولى على الحكومة لأنّ ما يحصل يصيب لبنان كله، ويضرّ مصالح الشعب بأكمله، ولا يصيب فريقاً من دون الآخر. من هنا ندعو الى سرعة المعالجة، ونقول للفريق الذي يُسيء الى العلاقات مع الدول العربية إنّ عليه التراجع، ولا يمكنه الإستمرار بهذا الشكل».

رسالة سلام

وفي غضون ذلك، أشار السفير السعودي علي عواض عسيري الى «وجود خطأين متتاليين في محفلين عربيَّين تجاه المملكة، نتمنّى أن يُعالجا بحكمة وشجاعة»، كاشفاً أنه «أوصَل مضمون رسالة سلام الذي حَمّله إيّاه الى المسؤولين في الرياض، وهو مؤتمَن على المضمون، ومَن يريد أن يسأل عن مضمون هذه الرسالة عليه أن يوجّه السؤال الى سلام، «وناقِل الرسالة ليس من حقّه التصريح بمضمونها»، مؤكداً أنّ «الرَد سيكون قريباً بعد إجازة نهاية الأسبوع في المملكة».

درباس

وفي السياق، أكّد وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس لـ«الجمهوريّة» أنّ «الحكومة اللبنانية والرئيس سلام فعلا كل ما في وسعهما لتصحيح العلاقات اللبنانية – السعودية، وهما ماضيان بخطواتهما من اجل عودتها الى طبيعتها.

وقد أرسل سلام رسالة واضحة الى القيادة السعودية شَرح فيها موقف لبنان الرسمي من التطورات الأخيرة، وأكّد وقوفه الى جانب الإجماع العربي وضدّ الاعتداء على أمن المملكة أو ما يَمسّ بها»، لافتاً الى أنّ «سلام فَعل كل شيء حتى الساعة، وتصدّى لأيّ محاولة لخروج الوزير جبران باسيل عن البيان الحكومي، وعبّرَ عن موقف لبنان الرسمي الذي لا يحتمِل التأويل».

وأوضح درباس أنّ «الوضع كما يبدو ذاهِب نحو التصعيد، لكنّ ذلك لن يؤثر في عمل الحكومة، والدليل جلستها الأخيرة التي أقرّت بنوداً إنمائية»، لافتاً الى أنّ «مجلس الوزراء سيستمر بعمله ومعالجة الشؤون الحياتية والابتعاد عن الأزمات السياسية التي قد تفجّره». واستبعَد درباس أن «توقِف السعودية ودول الخليج تقديماتها الى لبنان في ما خَصّ ملفّ النازحين السوريين».

بريطانيا

ومع جولات القائم بأعمال السفارة الأميركية ريتشارد جونز على المسؤولين اللبنانيين لتأكيد الدعم وعدم ترك لبنان، والإستمرار بتسليح الجيش، أكدت بريطانيا دعمها القوي لاستقرار لبنان وأمنه واستقلاله.

وشدّد السفير البريطاني هيوغو شورتر، بعد زيارته سلام، على أنّ بلاده «ستستمر بالمضيّ قدماً في دعم الجيش اللبناني ومؤسسات الدولة، وفي عزمها على حماية سيادة لبنان داخلياً وعلى الحدود»، موضِحاً «انّ بلاده تبحث مع المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج في أفضل الطرق لدعم لبنان السيادي والقوي والحرص على حصوله على الدعم الذي يحتاجه في هذه الأوقات الصعبة».

لا إجراءات مالية

في هذا الوقت، ووسط المخاوف من تأثير الخطوات الخليجيّة على الوضع المالي، قال حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة لوكالة «رويترز»، إنّ «الأرقام التي نشرتها تقارير إعلامية عن الودائع السعودية في البنك المركزي مبالَغ فيها، ولا السعودية ولا الدول الخليجية الأخرى أجرَت اتصالات بشأن الودائع».

واكّد سلامة أنه «لا يتوقّع مخاطر على الليرة اللبنانية، وانّ سياسة المصرف المركزي ما زالت تصبّ في المحافظة على استقرار العملة». وقال إنه لا يعلم بأيّ إجراءات أخذتها السعودية بحقّ القطاع المالي في لبنان. وطمأنَ سلامة الى ان «لا خطر على الليرة اللبنانية، والمصرف المركزي والمصارف التجارية تملك الأدوات لحماية استقرار الليرة اللبنانية».

«سيارة الضاحية»

وفي الملف الأمني، ووسط الخوف من عودة شَبح التفجيرات إلى الضاحية الجنوبية لبيروت في ظل الإجراءات والتدابير الأمنية المتخذة، نَفى مرجع أمني بارز، عبر «الجمهورية»، الروايات التي تحدثت عن دخول سيارة مفخخة الى الضاحية الجنوبية مصدرها بريتال، معتبراً انّ «في هذا الخبر خيالاً خصباً بمجرّد الإشارة الى أنّ مصدرها بريتال التي تخضع اليوم لرقابة أمنية مشددة من الجيش اللبناني إضافة الى الطرق المؤدية اليها من دون نسيان وجود قوى الأمر الواقع فيها وفي تلالها امتداداً الى منطقة القلمون السورية، وهي القوى نفسها التي تراقب منطقة الضاحية في آن».

وحذّر المرجع من الشائعات والروايات المفبركة التي تتحدث عن استنفار لمجموعات من «حزب الله»، وعن النية بتكرار تجارب «القمصان السود»، والتي كثرت في الأيام القليلة الماضية، تجاه مناطق أخرى في بيروت وغيرها ذات حساسية طائفية ومذهبية كما بالنسبة الى استهداف المخيمات الفلسطينية.

وقال المرجع: «ليس في التدابير الداخلية التي يتخذها «حزب الله» داخل الضاحية الجنوبية سِرّ غائب عن أذهان سكان المنطقة ومحيطها، بالإضافة الى وحدات الجيش التي تُمسِك بمختلف مداخل الضاحية الجنوبية وفق خطة أمنية قائمة منذ زمن، وما زالت سارية المفعول».

واعتبر أنّ «ما شَهدته الضاحية أمس من تدابير، حيث شوهِدت الكلاب البوليسية تفتش بعض الأحياء والشوارع، روتينية للغاية ولا جديد فيها سوى التوسّع في مخيّلات البعض بحثاً عن أسباب لزرع الخوف والهلع ورفع نسبة القلق في قلوب المواطنين الذين عليهم عدم الأخذ بها. والتي في حال وجدت، فإنّ القوى الأمنية لن تقصّر بإبلاغ المواطنين بأيّ تدابير جديدة احترازية في أيّ منطقة من لبنان.

«حزب الله»

من جهتها، اكدت مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» لـ «الجمهورية» انّ هذه الإجراءات «ليست مرتبطة بالتصعيد السياسي القائم في البلد، بل هي اجراءات امنية احتياطية ومحدودة نأخذها من فترة الى اخرى، بحسب الظروف وبناء على تقارير أمنية موثقة».

ولفتت المصادر نفسها الى وجود كمية كبيرة من الشائعات في البلد لإرباك الناس وضرب الاستقرار الامني القائم. وأدرجت المناشير المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في الفترة الاخيرة، في هذا الاطار.

وقالت المصادر لـ«الجمهورية» انّ الضغوط بدأت أولاً بأخذ إجراءات إعلامية ضد الحزب (المنارـ الميادين) ولم تنفع، ثم تدرّجَت الى ممارسة ضغط على رجال الاعمال والمصارف، وهذه الضغوط لن تؤثر كثيراً، ووصلت الى إبعاد لبنانيين وهي ليست المرة الاولى التي يُبعد فيها لبنانيون، إذ سبق أن أُبعد البعض ظلماً بسبب مواقفهم السياسية، وكلّ ما يحصل نوع من الابتزاز لن نقبَل به. واليوم، بدأت الشائعات الامنية لضرب الاستقرار الامني، اإلّا انّ هذا الاستقرار مَطلب الجميع، وكل الاطراف ترفض المَسّ به».

الحكومة والحوار

وتعليقاً على كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق ودعوته الى تعليق الحوار بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، قالت المصادر المطّلعة على موقف «حزب الله» لـ«الجمهورية»: «لا يدركون ما يريدون، ساعة يريدون تعليق الحوار، وساعة يريدون تعليق مشاركتهم في جلسات مجلس الوزراء، وساعة يلوّحون بالاستقالة.

انها إجراءات ضدهم وليست ضدنا، فنحن نريد البقاء في الحكومة والاستمرار في الحوار، ومستعدون لمَد اليد للتعاون والتفاهم. فالتصعيد يأتي من الفريق الآخر وليس منّا».

واعتبرت المصادر أنّ السعودية «تذرّعت بخطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الأخير، لتبرير اجراءاتها، لكنها ليست المرة الاولى التي يتحدث فيها الامين العام عن اليمن والبحرين والسعودية، بل أثار كل هذه المواضيع في عشرات الخطابات، فلماذا تذكروا اليوم خطابه الاخير»؟.

واكدت المصادر انّ «الفريق المُحرج بالإجراءات السعودية هو فريق 14 آذار وليس نحن». وقالت: «لن نخضع للتهويل ولن يؤثر كل ما يجري في مواقفنا السياسية، لا في لبنان ولا في سوريا أو في غيرها من البلدان».

واكدت المصادر حرص الجميع على بقاء الحكومة، موضحة: «كل القوى السياسية في البلاد والمجتمع الدولي متمسكون ببقائها وبعدم المَس بالاستقرار الامني في البلاد».

وزارة العدل

وفي ملف عمل الحكومة بعد استقالة وزير العدل اللواء أشرف ريفي، قالت مصادر عليمة لـ«الجمهورية» إنّ «وزيرة المهجّرين أليس شبطيني باشَرت تحمّل مسؤولياتها وزيرة للعدل بالوكالة من مكتبها في وزارة المهجرين، ولن تداوم في وزارة العدل تحت أي ظرف من الظروف».

وأكدت المصادر انّ «شبطيني سَبق لها أن زاولت مهامها وزيرة للعدل في أوقات سابقة كان فيها وزير العدل خارج لبنان، وقد وقّعت العديد من القرارات والمعاملات الضرورية التي لم تكن تنتظر عودة ريفي من الخارج.

فيما سبقَ لريفي أن زاوَل مهامه وزيراً للشباب والرياضة بالوكالة في أوقات سابقة أثناء غياب الوزير الأصيل عبد المطلب الحناوي». وأضافت المصادر أنّ شبطيني ستتمهَّل في مزاولة مهامها في الحقيبة الإضافية من مكتب وزير العدل لأسباب أدبية، لإعطاء فرصة لعودة ريفي عن استقالته.

وفي هذه الأجواء، كشفت مصادر حكومية مطلعة لـ«الجمهورية» أنّ لا داع لتوجيه الدعوة الى جلسة جديدة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل، فهناك 103 بنود متبقية من جدول الأعمال السابق الذي وُزّع على الوزراء منذ اربعة أسابيع عقب التفاهم على إحياء العمل الحكومي.

أهالي العسكريين يعتصمون

وفي إطار التحرّك لمتابعة قضية العسكريين المخطوفين لدى «داعش»، نفّذ أهالي العسكريين المخطوفين اعتصاماً بعد ظهر أمس عند المدخل الرئيس للطريق المؤدي الى كازينو لبنان، وَسط تعزيزات أمنية مشددة. وأكّد الاهالي «انّ هذه الخطوة تحذيرية وستتبعها خطوات تتخِذ طابع العنف»، مطالبين خلية الأزمة «بالاجتماع والتحرّك الفوري وصولاً الى نتيجة مرضية».

وطالبوا سلام بـ«إعلان الجهة او إسم المسؤول عن العرقلة»، مُحذّرين جميع المسؤولين: «لا تحوّلونا وحوشاً لأننا نريد حلاً لقضية أبنائنا». (التفاصيل ص 10)