IMLebanon

عملية أمنية في خراج عرسال… و«نصيحة أخـــيرة» مِن برّي للسياسيين

 

يبقى الأمن في الواجهة، في ظلّ المحاولات الدؤوبة للمجموعات الإرهابية ضربَ الاستقرار الداخلي والإخلالَ بأمن لبنان واللبنانيين، فيما رفعَت المستويات السياسية والشعبية على اختلافها منسوبَ رهانِها على الجيش والأجهزة الأمنية، والالتفاف حولها في حربها المفتوحة مع هذا الإرهاب ومنعِه من تحقيق أهدافه. وفي غياب السياسة التي يبدو أنّها دخلت في عطلة مسبَقة قبل عطلة عيد الفطر، وجَّه رئيس مجلس النواب نبيه برّي «نصيحة أخيرة» إلى السياسيين بالقبول بسلّة الحلّ التي قدّمها، «فهذه آخِر خرطوشة، وإلّا سيَسبقُنا الوقت».

الاستنفار الأمني ظاهرٌ في كلّ البقاع اللبنانية، وغيّبت المستجدّات الأمنية الأخيرة في القاع، وما رافقَها من إجراءات وتدابير واستنفارات، كلَّ الحركة السياسية، فتراجعَت كلّ الملفات.

برّي: السلّة هي الحلّ

لكن يبدو أنّ برّي يحاول كسرَ الجمود الحالي، عبر دعوة القوى السياسية الى الشراكة في الحل، إذ إنّ يداً واحدة لا تصفّق. واستغربَ محاولات بعض السياسيين نسفَ «سلّة الحل» التي طرَحها للنِقاش في آب المقبل. وقال أمام زوّاره: «السلّة تبقى الحلَّ المتيسّر، وتشكّل المخرج الملائم من المشكلة التي نعاني منها».

وكتعبير عن عدم رضاه على أداء بعض الفرقاء، توجَّه بري إليهم قائلاً: «لقد طرحتُ السلّة، وهذا ما لديّ، وإن كانت لديكم اقتراحات حلول بديلة، فاطرَحوها الآن وبلا تأخير، وسنَبحثها بالتفصيل. فلم يعُد في الإمكان تحمُّل مزيد من المماطلة، والتعطيل، أقول للجميع، عليكم أن تستعجلوا، فتشرين لناظِره قريبُ، نحن في سباق مع الوقت، السلّة هي الحلّ، فتعالوا لنتّفق على هذا الحلّ قبل تشرين، فبَعده قد لا نستطيع أن نفعل شيئاً».

وانتقَد برّي من لا يقدّم حلولاً، بل يكتفي بانتقاد السلّة، والتحذير والتخويف من «المؤتمر التأسيسي»، وقال: «هؤلاء يَدفعون نحو المؤتمر التأسيسي، أنا أسألهم، ماذا لو غلبَنا الوقتُ وسبقَنا، واصطدمنا بأحد خيارَين: إمّا قانون الستّين أو التمديد، فقولوا لي ماذا ستَفعلون، وأنا اقول لكم إنّ التمديد مِن سابع المستحيلات، لذلك، كسباً للوقت وتجنّباً لكلّ ما يطرَأ من تعقيدات أو أزمات، هذه نصيحتي الأخيرة لكم قبل أن أقول أشهد أنّني قد بلّغت: فلنَمشِ بالسلّة، ولنُعجّل بالحلّ وإجراء الانتخابات».

الأمن .. إجراءات وإنجازات

في الجانب الأمني، بدأت بلدة القاع تلملِم جراحَها، وتحاول استعادةَ حياتها الطبيعية، فيما ركّز الجيش الرقابة على مخيّمات النازحين السوريين وأماكن تواجدهم خارجَها، وضبَط مناطق التماس على الحدود، وسدّ الثغرات التي يمكن أن يتسلّل منها الإرهابيون والانتحاريون. ولوحِظ أنّ إجراءات الجيش طاوَلت كلّ المناطق، وتكثّفَت خلالها التوقيفات لعشرات المشتبَه بهم بالتعامل مع الإرهابيين.

فيما فرَضت المعطيات المتوافرة لدى الأمنيين اتّخاذَ تدابير احترازية ووقائية، وكانت لافتةً للانتباه مبادرةُ «حزب الله» إلى إلغاء الاحتفال الجماهيري بـ«يوم القدس العالمي»، الذي كان مقرّراً أن يقيمه عصرَ اليوم في مجمع سيّد الشهداء ـ الرويس، واستُعيضَ عنه بكلمة متلفَزة للأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله عند الخامسة والنصف مساءً، يتناول فيها الوضع الأمني والتطوّرات الأخيرة.

إحباط مخطّط تفجير

وكشفَ الجيش عن إنجاز نوعيّ حقّقه في الفترة الأخيرة، وأعلن في بيان أمس «أنّ مديرية الاستخبارات أحبَطت عمليتين إرهابيتين على درجةٍ عالية من الخطورة، كان تنظيمُ «داعش» الإرهابي قد خطّط لتنفيذهما، ويقضيان باستهداف مرفَق سياحي كبير ومنطقة مكتظّة بالسكّان، حيث تمّ توقيف خمسة إرهابيين وعلى رأسِهم المخطّط، وقد اعترَف الموقوفون بتنفيذهم أعمالاً إرهابية ضدّ الجيش في أوقات سابقة»، وأشار البيان الى أنّ التحقيق «لا يزال مستمرّاً بإشراف القضاء المختص». (وكانت «الجمهورية» أول من كشف هذه المعطيات).

وقال مصدر أمني موثوق لـ«الجمهورية» إنّ «الكشف عن إحباط العمليتين الإرهابيتين لا يعني أنّ الأمور قد انتهت، فما تمَّ إنجازه هو جزء من ملفّ ضخم جدّاً في يد مخابرات الجيش، فهناك قضايا شديدة الخطورة قيد المتابعة، والأيام القليلة المقبلة ستشهَد الإعلان عن كلّ التفاصيل المتّصلة بالإرهابيين ونوعية عملياتهم والأهداف التي حدّدوها».

الأمن العام يوقف إرهابيّاً

مِن جهتها، أعلنَت المديرية العامة للأمن العام أنّه «بناءً على اعترافات أحد الإرهابيين الموقوفين لديها، وفي إطار عملِها الأمني، قامت المديرية العامة للأمن العام، بمؤازرة مِن الجيش اللبناني، بمداهمة أحدِ أوكار الإرهابيين في وادي عطا – خراج بلدة عرسال، وذلك في إطار عملية استباقية، حيث عثرَت على حزامٍ ناسف وأسلحة وأعتدة حربية مختلفة. وتمّ ضبط الموجودات، ولا تزال المتابعة مستمرّة لتوقيف باقي أعضاء الخليّة الإرهابية».

وقالت مصادر أمنية مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ «عملية الدهم التي نفّذتها وحدة خاصة مِن القوّة الضاربة في الأمن العام استندَت إلى مضمون التحقيق الذي أجريَ مع عبد الرحمن الفليطي، أحدِ الموقوفين من أبناء عرسال، والذي أوقِف أثناء محاولته الفرارَ مِن لبنان عبر مطار بيروت الدولي قبل أيام قليلة، وهو نفسُه صاحب المنزل المستهدَف في وادي عطا».

ملاحقة «إرهابيّي» الشائعات

وحذّرَت مصادر عسكرية من الشائعات التي توالت في الأيام الأخيرة، وقالت لـ»الجمهورية» إنّ وقعَها يكاد يفوق في خطورته العمليات الإرهابية، مؤكّدةً التحضيرَ لردع «إرهابيّي الشائعات» وإحالتِهم إلى القضاء المختص ومحاسبتِهم، خصوصاً أنّهم زرعوا بالروايات والسيناريوهات التي أطلقوها، القلقَ والخوف في نفوس اللبنانيين وتسبّبوا بالإرباك العام على مستوى البلد.

وعبَّر برّي عن تقديره للجهود التي تبذلها الأجهزة العسكرية والأمنية في ملاحقة الإرهابيين وإحباط مخطّطاتهم، وللحفاظ على أمن اللبنانيين، داعياً إلى مزيد من اليقظة في هذه المرحلة وتضافرِ كلّ الجهود، لمواجهة هذا الإرهاب الأعمى وكسرِه.

مرجع أمني كبير

وقال مرجع أمنيّ كبير لـ«الجمهورية»: «هذا الوقت هو وقتُ العمل وليس الكلام، فالجيش والقوى الأمنية على الحدود بجهوزية عالية، لأنّ فرضية هجوم الإرهابيين عبر الحدود قائمة. هناك صعوبة بالدخول وليس استحالة، والعمليات الاستباقية مهمّة لأنّها تخفّف من المخاطر».

وكشفَ المرجع أنّه «يَجري الحديث داخلَ الاجتماعات الأمنية حول إعادة التنسيق العسكري بين الجيشَين اللبناني والسوري، لِما لذلك من أثر يخفّف مِن الخروقات الأمنية، ونحن نعمل تحت فرضية أنّ كلّ الاحتمالات واردة. وممّا لا شكّ فيه أنّ العمليات الأخيرة في القاع هي استهداف مباشَر للمسيحيين، تندرج ضمن خطة «داعش» تهجيرَهم، كما فعلَ في العراق وسوريا».

أضاف: «على حدودنا مساحةٌ كبيرة من الجرد المحتلّ مِن «داعش» وسائر التنظيمات الإرهابية، ما جرى ليس ردّةَ فِعل، إنّما عمل منظّم. واضحٌ أنّ أمرَ العمليات من إمارة «داعش» قد صَدر لتفجير الوضع اللبناني، والأساليبُ الجديدة التي توقّعناها بين لحظةٍ وأخرى ما هي إلّا ضمن هذا المخطط.

ومع أنّه لم يتبنَّ أحدٌ العمليات الانتحارية في القاع، إلّا أنّ كلّ الخيوط لدينا تدلّ على أنّه أسلوب داعشيّ، وخصوصاً الطريقة الانغماسية، واستهدافُ المسيحيين لن يقتصر على الحدود وعلى الخواصر الرخوة، إنّما المعلومات لدينا أنّ كلّ المناطق اللبنانية والمسيحية منها، مستهدَفة».

وحذّرَ المرجع «من «تقريشِ» هذه الأعمال الأمنية بالسياسة، والاستثمارِ السياسي لها بشكل يَحرف النظرَ عن المواجهة الحقيقية، ويُحدِث إرباكاً لن يستفيد منه لبنان في عملية الصمود»، وقال: «السجالُ المقبل سيكون حول النازحين، لذلك يجب اتّخاذ إجراءات وتأمين المناخ الملائم في لبنان، كي لا ينزلق لبنان إلى مواجهة مفتوحة لا أحد يَعلم كيف تنتهي».

مجلس وزراء

إلى ذلك، تَحكّمَ الوضع في القاع بمجريات جلسة مجلس الوزراء أمس، حيث أعاد المجلس البحثَ بالوضع الأمنيّ برُمَّته، بَعد عرضٍ قدّمه رئيس الحكومة تمّام سلام وحذّر فيه من خطورة وضعِ اللبنانيين بمواجهة مع النازحين السوريين، وما لهذا الأمر من تداعيات سلبية على الاستقرار.

وشاطرَ معظمُ الوزراء سلام مخاوفَه، وكان إجماعٌ على ضرورة إعطاء الغطاء الكامل للجيش والأجهزة الأمنية لأخذِ كلّ التدابير. وانتقدَ سلام المواقفَ السياسية التي أطلِقت بعد التفجيرات، وتوظيفَ أحداث القاع في الصراع السياسي والمنافسة السياسية.

وعلمت «الجمهورية» أنّ النقاش تناولَ بشكل أساسيّ الأمنَ الذاتي والقرارَ السياسي لعمليات استباقية ضدّ «داعش» في الجرود، وعملَ اللجنة الأمنية، وما إذا كان مجلس الوزراء صاحبَ القرار الأمني.

وفي هذا الاطار، انتقَد بعضُ الوزراء التصريحَ الأخير للوزير الياس بوصعب لجهةِ قوله إنّ الوزراء ليس لديهم معطيات أمنية، فردَّ بوصعب «إنّ هذا الأمر صحيح، ونحن مِن حقّنا أن نتبلّغَ مِن الجهات المعنية المعطياتِ والإجراءات»، فكان تجاوبٌ مِن سلام الذي قال إنّه سيَدرس الأمرَ مع اللجنة المعنية.

وتوجَّه وزيرا «التكتّل» جبران باسيل وبوصعب إلى وزير الدفاع سمير مقبل بالسؤال عن مصير الأراضي المحتلّة مِن «داعش»، وما الذي يَمنع من تكرار ما حصَل في عرسال في أماكن أخرى؟ وسألا عن القرار السياسي الذي أعطيَ للجيش في عرسال ولم يقُم بعملية تحرير الأرض والأعمال الاستباقية. فردَّ مقبل أنّ هذا الأمر لا يحتاج إلى قرار، والجيش يقوم بالإجراءات اللازمة.

فنَيش لـ«الجمهورية»

وقال الوزير محمّد فنَيش لـ«الجمهورية»: «النقاش حول سلاح المقاومة هو خارج المكان والزمان، والاختلاف معنا لا يعطي الحقّ لأحد باختلاق وقائع غير موجودة. فالجيش والأجهزة الأمنية والأمن العام واتّحاد البلديات موجودون في كلّ شبرٍ مِن الضاحية، ولم يعُد يختلف اثنان على أنّ المنطقة مفتوحة على الدولة، فلماذا الإصرار دائماً على اختلاق القصَص؟

نحن لم نلُم أحداً مِن أهالي القاع على حملِ السلاح، إنّما كانت انتقاداتٌ للتصريحات التي دعَت إلى جعلِ هذا الأمر منظّماً على طريقة سلطة أو أمن ذاتي إلى جانب الدولة.

لا يوجد منزل في لبنان خالٍ من السلاح، إنّما يجب الفصلُ بين هذا الأمر والمقاومة، وهناك وقائع غير موجودة إلّا في مخيّلة البعض. من حقّ مجلس الوزراء استدعاء قادة الأجهزة الأمنية والسَماع منها عن المخاوف والتوجّهات والإجراءات، ثمّ أخذُ القرار المناسب».

شهيّب

وقال الوزير أكرم شهيّب لـ«الجمهورية»: «أنا لستُ مع الأمن الذاتي، لأنّ هذا الأمر سيَستيقظ في كلّ المناطق، وهذا خطيرٌ جداً على البلد، لدينا جيشٌ ليحميَنا، وقوى أمنية فاعلة»

حنّاوي لـ«الجمهورية»

وقال الوزير عبد المطلب حنّاوي لـ«الجمهورية»: «لا أحدَ يَحمي الحدود إلّا الجيش اللبناني، وغيرُ صحيح ما يقال عن ثغرات أمنية، إنّما لدينا حدود مساحتُها طويلة، ونحتاج جيوشاً لحمايتها. لنَدع الجيشَ اللبناني يعمل ضمن استراتيجيتنا، ولدينا ملءُ الثقة فيه».

أمّا باسيل فقال: «نحن ضدّ الأمن الذاتي، وطلبنا أن يتسلّم الجيش وقوى الأمن زمامَ الأمور في الجرود، ولم نحصل على جواب».

بدوره، قال بوصعب: «إنّ النقاش تمحوَر حول تنظيف المناطق اللبنانية المحتلّة مِن « داعش»، لافتاً إلى أنّه تمّت المطالبة باجتماع اللجنة الأمنية لدرس الملفّ واتّخاذ القرارات المناسبة، لا سيّما وأنّ «داعش» بدأ بدخول القرى اللبنانية، مشدّداً على أنّه من غير المقبول وقوف المسؤولين مكتوفي الأيدي، فعلى القوى الأمنية التحرّك. وأوضَح أنّه تمّ تذكير وزير الدفاع بأنّه تمّ اتّخاذ قرار واضح بخصوص تنظيف عرسال، الأمر الذي يجب اتّخاذه اليوم أيضاً لتحرير الأراضي اللبنانية الأخرى».

فرعون

وأوضح الوزير ميشال فرعون أنّه تحدّثَ عن الإشاعات التي تُشاع، وضرورة أن تكون هناك إجراءات قضائية أمنية لمعرفة مَن وراء التسريب وأسبابه، وأن تكون هناك معالجة، لأنّها تصرّفات ليست مسؤولة، وغير مسموحة.