IMLebanon

مانشيت:الجيش في مكمن الإرهاب مُجدّداً وإستنفار تحسُّباً لإرتدادات الشارع

شهيدان جديدان للجيش اللبناني بعبوة ناسفة استهدفت شاحنة عسكرية للجيش في عرسال. شهيد ثالث من العسكريين المحتجزين. التصويب الإرهابي على الجيش لا يحتمل الالتباس، والهدف إضعاف منعة لبنان من أجل اختراقه وضرب استقراره واعتماده ساحةً بديلة وتعويضية عن العراق. ومن الواضح أنّ الحسابات الداعشية ما بعد التحالف الدولي الذي يصوّب على العراق دفعَت هذا التنظيم الإرهابي إلى التفكير بساحات بديلة، وهذا ما يفسّر اجتياحه لمناطق الأكراد في سوريا، ورفضَه التجاوبَ مع الوساطات الإقليمية لإطلاق المخطوفين. والثابت في هذه الصورة أنّ هناك إرهاباً يضرب لبنان، وجيشاً يتصدّى لهذا الإرهاب، وما بينهما سلطة سياسية موحّدة لمواجهة الإرهاب ومنقسمة حيال الملفات السياسية، وفي طليعتها الانتخابات الرئاسية والنيابية. وقد دلّت التطورات المتصلة بالاستعدادات الدولية والهجمة على الجيش أنّ المرحلة التي تجتازها المنطقة ولبنان أمنيةٌ بامتياز وتتطلب التعاملَ معها على هذا الأساس.

العنوان هو الجيش. واستهداف الجيش يعني استهداف كلّ لبنان. ومعركة عرسال أطلقت مرحلة جديدة عنوانها تعزيز قدرات الجيش اللبناني من أجل إبعاد الخطر «الداعشي» عن لبنان.

ومن المؤشرات الإيجابية في كلّ هذا المشهد القاتم، أنّ المجتمع الدولي المنقسم على كلّ شيء، يكاد يكون موحّداً على مسألة واحدة هي تحييد لبنان ودعم جيشه، من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى روسيا والصين وصولاً إلى السعودية وإيران، وفي هذا السياق بالذات تأتي زيارة وزير الداخلية نهاد المشنوق إلى موسكو.

وإزاء التطورات الأمنية الأخيرة يُعقد اليوم في السراي الحكومي اجتماع أمنيّ برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام ومشاركة قادة الأجهزة الأمنية. ولم تستبعد مصادر وزارية أن يُعقد هذا الاجتماع بحضور خليّة الأزمة الوزارية المكلّفة ملفّ العسكريين المخطوفين لدى الإرهابيين.

مصدر أمني لـ«الجمهورية»

فيما كانت الآمال معلقة على عودة الوسيط القطري إلى لبنان لمتابعة جهود الوساطة والإفراج عن المخطوفين العسكريين، عادت مخاطر الفتنة والبلبلة الداخلية تطلّ برأسها مجدداً بعد شيوع خبر إعدام العسكري محمد حمية على يد «جبهة النصرة»، رمياً بالرصاص.

وفيما ظلّ الخبر لساعات يتأرجح بين التأكيد والنفي، أكّد مصدر أمني رفيع لـ«الجمهورية» صحّته، وتوقّع من دون أن يستبعد تنفيذ تهديد مماثل في وقت قريب.

وعلمَت «الجمهورية» أنّ كلّ الجهود الأمنية والعسكرية والحزبية انصبَّت ليل أمس على رصد الشارع، ونفّذت إجراءات أمنية استثنائية تحسّباً لارتدادات مرتقبة كردّة فعل على هذه الجريمة، وبالفعل قطع الأهالي الغاضبون طريق المطار وأتوستراد الأسد بالإطارات المشتعلة وطريق الشويفات والمشرفية وغيرها من المناطق تضامناً مع آل حمية.

وشكّلت عرسال أمس أعلى تهديد أمنيّ بعدما وصلت معلومات لأجهزة الإستخبارات مفادُها أنّ المسلحين يتجوّلون في البلدة مقنّعين بجِيبات ويدخلون

بعض المنازل وينفّذون انتشاراً مسلحاً في بعض شوارعها. كذلك رُصِد تواصلٌ وتنسيق بين عرسال وطرابلس التي شهدت بدورها توتّراً أمنياً واستنفاراً مسلحاً لمقنّعين ظهروا جليّاً في باب التبّانة.

وتجدر الإشارة الى أنّ الشهيد حمية هو أوّل جندي لبناني يُعدَم على يد جبهة «النصرة»، بعدما ذبح تنظيم «داعش» الجنديين علي السيّد وعبّاس مدلج.

وبدا للمراقبين أنّ «النصرة» تنتهج طريقة وسياسة مختلفة في قتل العسكريين، لجهة إعدامهم بالرصاص وليس ذبحاً، فضلاً عن عدم إقدامها على نشر صوَر فورية لجريمتها، إذ إنّه وحتى ساعة متأخّرة من ليل أمس لم تكن تنسيقية الجبهة ومناصروها قد تناقلوا أيّ صورة للشهيد حمية.

إلّا أنّ المشترك بين «داعش» و«النصرة» أنّهما يتقصّدان اللعب على أعصاب اللبنانيين بغية ضرب معنوياتهم ودفعهم إلى الضغط على السلطة السياسية من أجل الرضوخ لمطالب التنظيمين الإرهابيين، ولكنّ ما يحصل هو العكس تماماً، حيث إنّ هذه الممارسات الإرهابية تزيد اللبنانيين تصَلّباً في مواجهة الإرهاب.

وكان لافتاً أنّ التهديد بقتل العسكري محمد حمية كان قد وصل بشكل جدّي إلى المعنيين عبر قنوات التفاوض القطرية والتركية التي حاولت ردعهم واستمهالهم على أمل حصول تقدّم في المفاوضات وإلى حين وصول الموفد القطري السوري الجنسية المَدعو جورج حصواني إلى بلدة عرسال لاستكمال مسار التفاوض، إلّا أنّ «النصرة» استعجلت إعدام حمية وهدّدت بإعدام آخر، في محاولة منها لإحداث بَلبلة أمنية وإشعال فتنة مذهبية وطائفية قد تدفع بالحكومة اللبنانية إلى تقديم بعض التنازلات.

وكان مستبعَداً في الوقت الحالي أن تُقدم «جبهة النصرة» على خطوة كهذه نظراً إلى العلاقة التي تربط أميرها ابو مالك الشامي الملقّب بـ»أبو التل» برجل الأعمال السوري جورج حصواني الذي سبق وأدّى دوراً فعّالاً في ملفّ مخطوفي راهبات معلولا، وهو من كان قدّم منزله لهنّ في يبرود.

وما تجدر الإشارة إليه أيضاً أنّه قرابة الثامنة إلّا عشرة دقائق نشر الناشط الإسلامي في طرابلس شادي المولوي أوّل خبر عن إعدام حمية. وقال على صفحته إنّ بياناً صدر عن جبهة النصرة قالت فيه إنّ العملية جرت «ردّاً على ما ارتكبَه الجيش الإيراني من خلفٍ للعهود، وحزب الشيطان من مكرٍ، فقمنا بإعدام محمد حمية، ولدينا مزيد».

مكمَن مسلّح

وقد أتى هذا التطوّر الأمني الخطير بعد ساعات على استهداف دورية للجيش اللبناني أمس في مكمن مسلّح أثناء انتقالها داخل البلدة أسفرَ عن استشهاد عسكريين اثنين وجَرح ثلاثة، وذلك في استهداف هو الأوّل من نوعه بعد المعركة الأخيرة في عرسال. وعلى الأثر، نفّذ الجيش عمليات دهم واسعة لأماكن يشتبه بلجوء العناصر الإرهابية إليها، وتمكّن من توقيف عدد كبير من الأشخاص.

مصدر عسكري لـ«الجمهورية»

وأكّد مصدر عسكري لـ«الجمهوريّة» أنّ «الحادث نتجَ عن انفجار عبوة ناسفة موجّهة استهدفت شاحنة تنقل جنوداً، ما أدّى إلى استشهاد عنصرين وجَرح 4 عناصر، ليتبعَها مداهمات في المنطقة وتوقيف عدد من الأشخاص»، لافتاً إلى «حصول تبادل لإطلاق النار خلال المداهمات».

وأشار المصدر الى أنّ «خطورة التفجير تأتي من أنّه حصل داخل بلدة عرسال وليس في منطقة بعيدة عن البلدة، أو في مناطق الإشتباك الساخنة»، مشيراً إلى أنّ «المجموعات الإرهابية تستخدم أسلوباً جديداً في المواجهة، وقدّ تعرّض الجيش لمثلِ هذا النوع من التفجير مرّتين في طرابلس، ولكن ليس بهذا الحجم الكبير».

في غضون ذلك، اتّهمت جبهة «النصرة» الجيشَ اللبناني و»حزب الله» بإفشال المفاوضات بشأن قضية العسكريين المخطوفين، وقيامهما باعتقال المدنيين في عرسال وقصف جرود القلمون. ودعت عبر «تويتر» إلى «انتظار أمر ما بعد قليل». ولاحقاً توَعّدت الجبهة بأنّ الجندي محمد حمية «سيكون أوّل ضحية من ضحايا تعنُّت الجيش اللبناني الذي أصبح ألعوبةً بيدِ الحزب الإيراني».

والد حميّة

وفي المقابل وفي سياق مساعي التهدئة قال والد الجندي حمية إنّه أجرى اتصالات مع الوسطاء في بلدة عرسال، فأكّدوا له أنّ ابنه محمد بخير، وأنّ أخبار إعدامه من قِبل جبهة النصرة عارية عن الصحة، وطلبَ من اللبنانيين في كافة القرى، ولا سيما منطقة البقاع «التزامَ التهدئة والتروّي وعدم اللجوء إلى أيّ ردّات فعل قد تسيء إلى معتقداتنا». وأضاف: « نشكر كلّ من يقف إلى جانبنا، ونؤكّد ثقتنا بالمؤسسة العسكرية الجامعة والضامنة لكلّ أبناء الوطن».

سلام

وإثر استهداف دورية للجيش في عرسال، تلاحقَت الاتصالات السياسية، فاتّصلَ سلام بوزير الدفاع سمير مقبل وبقائد الجيش العماد جان قهوجي، ودعا إلى ضرورة التنبّه والاستعداد لمواجهة القوى التكفيرية المستمرّة في اعتداءاتها في منطقة جرود عرسال.

المشنوق

ومن موسكو، أكّد وزير الداخلية نهاد المشنوق «استعداد المسؤولين الروس لمساعدة لبنان في مجال محاربة الإرهاب، وإنّ سياسة لبنان قائمة على عدم الانضمام للمحاور، بل البقاء خارجَها، لكنّ هناك عنواناً واحداً لكلّ التحالفات هو مواجهة الإرهاب، ونحن متفقون على هذا العنوان.

وشدّد على أن «التحالفات ليست نادياً لتنضمّ إليه هذه الدولة أو تلك، بل ثمّة عنوان لمهمة يستند إليه هذا التحالف. ونحن دولة ليس لها دور عسكريّ في هذا المجال، لكن نقوم بمكافحة الإرهاب منذ سنوات، وازدادت العمليات الإرهابية أخيرا».

الجميّل عند قهوجي

وفي هذه الأجواء، قصد رئيس حزب الكتائب اللبنانية الرئيس أمين الجميّل وزارة الدفاع الوطني في اليرزة في مبادرة دعم وتجديد للثقة بالمؤسسة العسكرية، فالتقى قهوجي ورافقَه في الزيارة مستشارُه عضو المكتب السياسي المحامي ساسين ساسين. وتركّزَ البحث على التطوّرات العسكرية والسياسية من جوانبها المختلفة، والاستحقاقات الدستورية التي تعيشها البلاد.

وعبَّر الجميّل خلال الزيارة الأولى إلى قائد الجيش بعد حرب عرسال عن تضامنه مع الجيش قيادةً وضبّاطاً وعسكريين، وتقديرِه للمهام التي يقوم بها الجيش على مستوى الوطن والحدود، مؤكّداً أهمّية أن يبقى اللبنانيّون على ثقتهم الكبيرة بأنّ الجيش والقوى الأمنية العسكرية هي المؤتمنة على أمنهم، وليس هناك أيّ قوى غير شرعية يمكن أن تقوم بمهامه في كلّ لبنان، من أقصى الجنوب حيث يقوم بمهامّه كاملةً إلى جانب القوات الدولية، وصولاً إلى المناطق اللبنانية كافة من عرسال والبقاع الشمالي إلى الحدود اللبنانية – السورية الشمالية وعمق الوطن.

وأكّد الجميّل أنّ الجيش يقف حاجزاً منيعاً أمام الأفكار الهدّامة وقد عبّر بوحدته عن حجم ما يكتنزه من ثقافة تعزّز عقيدته المبنية على حماية الوحدة الوطنية، متمنّياً على اللبنانيين الحفاظ على اللحمة في ما بينهم مثلما يجسّدها الجيش اللبناني.

بدوره، عبّر قهوجي في اللقاء عن تقديره لموقف الجميّل وقيادة الكتائب، مبدياً ارتياحَه الى جهوزية الجيش اللبناني في كلّ المهام التي تولّاها على مساحة الوطن كاملاً وتلك التي يقوم بها في مواجهة الإرهاب. كذلك لفتَ الى حجم المهام الكبيرة التي قام بها الجيش في عرسال ومناطق أخرى تعرّض فيها الجيش لعمليات إرهابية، مؤكّداً أنّ جميع القدرات مجنّدة لهذه المهمّة.

ولفتَ قائد الجيش إلى أهمّية الدعم العسكري واللوجستي الذي تلقّاه الجيش بعد حرب عرسال، مؤكّداً أنّ صمود الجيش وطريقة إدارته للمعركة والتضحيات التي قدّمها كانت موضوع تقدير دوليّ كبير.

وعلمت «الجمهورية» أنّه وقبل انتهاء لقاء الجميّل ـ قهوجي بقليل، تبلّغَ قائد الجيش نبأ العلمية الإرهابية الغادرة التي تعرّضت لها دورية من الجيش تقوم بمهامها اللوجستية في عرسال، فتحوّل مكتبه غرفة عمليات فورية وتلقّى تعازي الجميّل بالشهداء الجُدد وتمنّياته للجرحى بالشفاء العاجل. كذلك تلقّى على الفور سلسلة اتصالات، أبرزُها من رئيس الحكومة ونائبه ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري ومن قيادات سياسية وحزبية.

بدوره، أجرى وزير العمل سجعان قزّي إتصالاً بسلام ونقل إليه اقتراحاً من منسّق اللجنة المركزية في الحزب النائب سامي الجميّل بعقد جلسة استثنائية وطارئة لمجلس الوزراء للبحث في التطوّرات الخطيرة في عرسال والجريمة التي ارتبكها الإرهابيّون بإعدام جندي من أسرى الجيش.

وترك قزّي لسلام حرّية التقدير والاستنساب للقيام بهذه الخطوة أو عدمها.

الحريري

وفي المواقف، استنكرَ الحريري حادثة عرسال ورأى أنّ المكمن الذي نُصِب للجيش في البلدة يحمل بصمات إرهابية لن تتمكّن من إضعاف الثقة بالمؤسّسة العسكرية ، وأكّد أنّه يرمي إلى توريط عرسال وأهلها.

«حزب الله»

كذلك دان «حزب الله» الجريمة الإرهابية، ودعا إلى التكاتف حول المؤسسة العسكرية في مواجهة ما يتهدّدها من أخطار إرهابية.

هيل

في غضون ذلك، أكّد السفير الأميركي ديفيد هيل خلال احتفال تسليم 38 مركبة الى قوى الأمن الداخلي انّ الولايات المتحدة الأميركية ملتزمة بالعمل مع الشعب اللبناني والمؤسسات الأمنية اللبنانية من أجل بناء لبنان أكثر ازدهاراً وأمنا»، وأضاف «أفكارنا وصلواتنا هي مع المخطوفين من عناصر الجيش وعناصر شرطة قوى الأمن الداخلي».

سلام إلى نيويورك

وعلى وقع الاتصالات الديبلوماسية الكثيفة والاستعدادات العسكرية الدولية والإقليمية المستمرة لمحاربة تنظيم» داعش»، تشخص الأنظار اعتباراً من يوم الاثنين الى نيويورك التي ستستقطب الأضواء نظراً إلى اللقاءات التي ستعقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في وقت أعلن البيت الأبيض أنه لا يتوقع عقد اجتماع بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الإيراني حسن روحاني.

أمّا لبنان الرسمي فيتمثل برئيس الحكومة الذي يغادر الى نيويورك بعد غد الاثنين، فيما وزير الخارجية جبران باسيل سافرَ أمس، وسيطرح سلام هواجس لبنان من على منبر الأمم المتحدة ويثير ملفّ النازحين السوريين وطلبَ مدّ يد المساعدة لمعالجته، كذلك مساعدة لبنان على حلّ المعضلة الرئاسية وانتخاب رئيس جمهورية جديد.