IMLebanon

“الجمهورية”: عون وميقاتي: للبحث صلة.. فراغ الرئاسة واقع.. “الأصدقاء” ينصحون بالتوافق

 

 

 

بزيارة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الى القصر الجمهوري ولقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد انقطاع لأكثر من شهر، بَدا وكأنّ ملف تأليف الحكومة قد وضع على النار مجدداً، وان إنضاجه بات مسألة أيام قليلة. ولكن ما تمخّض عن هذه الزيارة، لا يعدو اكثر من ايجابيات كلامية غير مكتملة أشاعها الرئيس المكلف بقوله انّ وجهات النظر متقاربة، من دون ان يحدد مسافة التقارب.

متقاربة.. وليست متطابقة

وبَدا واضحاً انّ لقاء الامس بين عون وميقاتي، وهو الثالث بينهما بعد تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة، قد أسّس للقاء رابع لم يحدد موعده لاستكمال البحث بينهما. وعلى ما استنتَجت لـ”الجمهورية” مصادر مواكبة للقاء الامس، فإن اللقاء، وإن كان قد كسر القطيعة بين الرئيسين واعاد مَد جسر التواصل المباشر بينهما، الا أنه لم يَبن الركائر، ولم يحقق الخرق المطلوب، بل اعاد إدخال الشريكين في تأليف الحكومة في نقاش بمفعول رجعي حول التشكيلة الحكومية التي قدمها ميقاتي.

 

واشارت المصادر الى ان الايجابية التي يمكن تسليط النظر اليها محصورة في أن الرئيسين يبدوان راغبين في تشكيل الحكومة. ولكن في ما خَص البحث في تفاصيل الحكومة، فلا شيء يؤشّر الى خروج نهائي من مقولة المعايير والاقتناعات التي عطلت تشكيل الحكومة، فضلاً عن انه لو كانت الايجابية مكتملة لكان تصاعد دخان رمادي من مدخنة بعبدا، ولكان أشار اليها ميقاتي في تصريحه المقتضب بعد لقائه عون.

 

وما حصل هو العكس، فلقد اشار ميقاتي الى ان الامور ما زالت بحاجة الى بحث مع رئيس الجمهورية، وحرص على القول انّ وجهات النظر متقاربة، ومتقاربة لا تعني متطابقة. ما يعني ان كل الاحتمالات ما زالت واردة في هذا السياق.

 

وكشفت ان الرئيس ميقاتي لم يطرح تشكيلة بديلة عن تلك التي قدّمها الى عون في حزيران الفائت، بل طرح بعض الملاحظات التي من شأنها أن تُسرّع في صدور مراسيم الحكومة الجديدة. مُبدياً بذلك عزماً ملحوظاً على تشكيل الحكومة سريعا، كما ان رئيس الجمهورية عبّر عن رؤيته للحكومة الجديدة من دون أن يتوسّع النقاش أكثر، وتم التوافق على لقاء رابع بينهما في القريب العاجل، وربما خلال ساعات، حيث تشكّل الفترة القصيرة الفاصلة عن هذا اللقاء فرصة ليدرس كل رئيس طروحات الرئيس الآخر وملاحظاته.

 

وكان لافتاً ما نقل بالامس عن مصادر السرايا الحكومية بعد اللقاء: “لناحية الاشارة الى ان هناك ايجابية والرئيس ميقاتي كان حريصاً على الردّ على المشككين بأنّه لا يُريد تشكيل حكومة بالقول إنّه قدّم تشكيلته في 29 حزيران، والبحث مستمر بها”.

 

واستغربت المصادر “التسريبات المعروفة الأهداف، والتي تُوحي بأنّ ميقاتي زار رئيس الجمهوريّة بعد التلويح بعدم تسليم السلطة لحكومة تصريف أعمال غير مكتملة الصلاحيات، وأكّدت المصادر أنّ هذا الكلام غير صحيح لأنّه خلال الإتّصال الهاتفي الذي أجراه ميقاتي مع رئيس الجمهوريّة للمُعايدة بعيد السيّدة العذراء، دعاه عون إلى بعبدا للتشاور.

وحذّرت مصادر السرايا مُجدّداً من دخول أطراف لا علاقة لها بعمليّة التأليف مباشرة على خطّ العرقلة، كما حصل في السابق.

 

نصيحة

على انّ السؤال الذي واكبَ المستجد على الصعيد الحكومي، هو: ما الذي حرّك ملف التأليف بعدما اصطدم بجدار معايير رئيس الجمهورية واقنتاعات الرئيس المكلف، وبعدما جرى التسليم من مختلف الاوساط بأن لا حكومة قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية؟

 

بعض الاوساط السياسية ربطت إعادة تحريك الملف بما أثير في الآونة الاخيرة عن انّ حكومة تصريف الاعمال ستكون مقيدة بالكامل بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية في حال لم يتم انتخاب رئيس قبل ذلك، لأنه ليس في مقدور حكومة مستقيلة مقيّدة بالحدود الضيقة لتصريف اعمال ان تُناط بها صلاحيات رئيس الجمهورية، وإن حصل ذلك فإنه سيشكل سابقة تؤدي الى بلبلة قانونية وفوضى دستورية. وهذه النظرية لها تأييدها الواسع في الاوساط المارونية تحديداً التي ترفض ان يمس معنوياً بمقام رئيس الجمهورية.

 

الا انه في موازاة ذلك، تؤكد مصادر سياسية لـ”الجمهورية” انّ السبب ليس الشعور المفاجىء بالمسؤولية بين شريكَي التأليف، وليس لأنّ أمراً ما ايجابياً قد تلاقى عليه الرئيسان بصورة مباشرة او غير مباشرة، وليس نتيجة رغبة من قبل كل منهما عن التراجع عن معاييره وشروطه التي طرحها منذ تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة، بل ان المسألة لا تعدو كونها استجابة لنصيحة لوجوب تشكيل الحكومة لأن ضرورات البلد تبيح ذلك، وحتى لا نقع في محظور وإشكالات لا نهاية لها ان انتهت ولاية رئيس الجمهورية من دون ان ينتخب خلف له، حيث ان هذه الاشكالات قد تجعل من فترة الفراغ المحتملة في سدة الرئاسة، الأصعب على لبنان، بحيث انها قد تخبّىء اموراً غير محسوبة قد تمسّ، ليس بموقع رئاسة الجمهورية فحسب، بل بالنظام شكلا ومضمونا.

 

الاستحقاق الرئاسي: ضياع

رئاسياً، وعلى مسافة اقل من اسبوعين من بدء نفاد مهلة الستين يوما لانتخاب رئيس الجمهورية بين اول ايلول وآخر تشرين الاول المقبلين، يبدو ان الضياع الكامل هو سيد الاستحقاق الرئاسي، فالرؤية منعدمة امام كل الاطراف، وكل التوقعات والتقديرات تتقاطَع عند تأكيد فرضية الفراغ الرئاسي ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الاول المقبل. حيث لا تبدر حتى الآن اية مؤشرات حول اتفاق مسبق على الرئيس الجديد.

 

وعلى الرغم من انعدام الرؤية، الذي عمّمَ حالاً من التخبط لدى غالبية القوى الداخلية امام هذا الاستحقاق، واكد حقيقة انها لا تملك قدرة التحكم في هذا الاستحقاق وتوجيهه في الاتجاه الذي تريده. الّا انها، وتغطية على ذلك، دخلت في معارك هوائية توهِم من خلالها نفسها والآخرين معها بأنها هي المقررة في لعبة الانتخابات الرئاسية، وان اصوات كتلتها النيابية هي المرجحة، وتشكل جسر العبور الالزامي لأي مرشح الى القصر الجمهوري. على ما هو حاصل بين بعض الكتل النيابية الكبرى، او محاولة تجميع نواب من هنا وهناك، ضمن كتلة مستجدة تقدّم ككتلة وازنة ومقررة في الانتخابات الرئاسية.

 

وقالت مصادر سياسية لـ”الجمهورية”: انّ المناخ الرئاسي مُلبّد وغارق في علامات استفهام تبحث عن أمرين، الاول عن المرشحين الجديين، من بين الاسماء المتداولة لرئاسة الجمهورية، او من خارجها. والامر الثاني عمّا اذا كان الفراغ الرئاسي امرا واقعا ام انّ طارئاً ما، في لحظة ما، يصدر عن موقع ما، بناء على إيحاء ما، من مكان ما خارج لبنان، يوجِب انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء ولاية ميشال عون. وهذا الامر جعلَ الجو السياسي العام مُربكاً بالكامل، والاحزاب والكتل الكبرى، وتحديدا المسيحية تلعب في الوقت الضائع، وتحاول ان تحجز لها مكانا ودورا في الاستحقاق.

 

الافق الرئاسي

ويكشف مرجع مسؤول لـ”الجمهورية” انّ الاستحقاق الرئاسي بات البند الاول في اللقاءات والمشاورات الجارية في الغرف الداخلية والخارجية، حيث تتم مقاربته بلغات متعددة الجنسيات: الأميركية، الفرنسية، البابوية، الألمانية.. ولا ننسى العربية.. وحتى الآن كل كلام عن إمكان انتخاب رئيس خلال ايلول وتشرين هو كلام فارغ. وتبعاً للجو القائم، وللخريطة النيابية المبعثرة التي يصعب جمعها على مرشح معين في الوقت الراهن، فأنا من أنصار مقولة ان لا رئيس للبنان قبل انتهاء ولاية عون. وأجزم ان لا شيء حالياً ايجابياً على المستوى الرئاسي، وليس على السطح اللبناني، والسياسي تحديداً، ما يؤشّر إلى أفق مفتوح. وبالتالي انا على يقين أننا نقترب شيئاً فشيئاً من الوقوع في الفراغ في الموقع الأول في الدولة”.

 

وفي رأي المرجع المذكور انّ الاهم للبنان في هذه المرحلة هو إتمام الطبخة الرئاسية بأي شكل من الاشكال، لأنّ من دون ذلك محاذير كبرى على البلد، والغريب ان بعض القوى في الداخل تتعاطى مع هذا الامر بخفّة صادمة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

 

اولاً، إجراء الانتخابات الرئاسية، أقل ضرراً من تأخيرها، ويجنّب لبنان الوقوع في فوضى دستورية واشتباك في التفسيرات وما اذا كان في مقدور حكومة تصريف اعمال من ان توكِل اليها صلاحيات رئيس الجمهورية فيما لو خرج عون من بعبدا قبل انتخاب الخلف.

 

ثانياً، وضع لبنان بات هشاً، سياسياً وأمنياً واقتصادياً ومعيشياً ومؤسساتياً، وقد تنحدر الأمور في أية لحظة إلى ما لا تُحمد عقباه على لبنان بحيث انه من الضروري جداً لا بل من المُلحّ والواجب على كل القوى الداخلية ان يُعطى هذا البلد سريعاً جرعة إيجابية ومعنوية زائدة، وهذه الجرعة لا تتوفّر إلا بإتمام الانتخابات الرئاسية، التي تشكل بدورها المفتاح لإعادة إطلاق عجلات الدولة ومؤسساتها المعطلة.

 

ثالثاً، انّ البعثات الديبلوماسية على اختلافها تتقاطَع على نصيحة تُسدى الى اللبنانيين من الاصدقاء الخارجيين، مفادها انّ انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان يشكل مصلحة للبنان ولكل مكوناته من دون استثناء. وهذا الامر يوجب توافق القوى الداخلية على حسم هذا الاستحقاق.

 

رابعاً، على اللبنانيين تجنيب بلدهم الوقوع في المحظور الخطير، حيث ان ثمة فرصة مُتاحة لتمرير انتخاب رئيس للبنان في هذه المرحلة. وإن تمّ تفويت هذه الفرصة، فما يُخشى منه هو أن يفتح الفراغ في سدة الرئاسة اللبنانية على امور مختبئة تضع لبنان امام مخاطر مصيرية.

 

المجلس الدستوري

من جهة ثانية، اوضح المجلس الدستوري في بيان امس “أنّ أي تكهّنات بصدور قرارات لصالح جهات معينة بنتيجة الطعون الإنتخابية النيابية لا يعنيه، وأنه لا زال في طور التحقيق بالطعون المقدّمة إليه، ويتم إعداد تقارير بشأنها في مهلة أقصاها 30 أيلول المقبل، علمًا بأنّ القانون حدّد مهلة شهر على الأكثر تلي ورود التقرير للمذاكرة في الطعن وإصدار القرارات النهائية”.

 

واللافت في هذا السياق تغريدة لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع قال فيها: “تُمارس ضغوط كبيرة من قبل “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” على أعضاء المجلس الدستوري للتلاعب بالطعون النيابية بُغية نقل أربعة مقاعد من المعارضة إلى الموالاة، في مناطق مختلفة، خصوصاً في طرابلس ومرجعيون. الهدف من هذه الضغوط قلب ميزان القوى داخل المجلس النيابي تحضيراً للانتخابات الرئاسية”.

 

إضراب قضائي

قضائياً، تَداعى أكثر من ٣٥٠ قاضياً (من أصل ٥٦٠) لاتخاذ موقف واحد، ألا وهو التوقف عن العمل بشكلٍ تام. على خلفية رفضهم توقّف مصرف لبنان عن سداد رواتبهم على سعر صرف ثمانية آلاف ليرة كما حصل في شهر تموز مع تجميد العمل بالتعميم الصادر في هذا الخصوص نتيجة اعتراض عدد كبير من القطاعات العاملة في القطاع العام، والتي لم يلحظها التعميم نفسه، علماً بأنّ رواتب القضاة وملحقاتها تُصرف من صندوق التعاضد الخاص بهم لدى مصرف لبنان.

 

وفي هذا السياق، قال المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان للقوى السياسية: “البلد منذ لحظة الإنهيار يتصدّر أسوأ أزمات العالم وسط حصار خانق وقرار دولي باستنزاف أرضية الدولة والقطاعات الحيوية، فيما البنية المعيشية تدمّرت ومافيا الدولار تحتلّ البلاد، والحلول الوطنية معدومة، واليوم الإستشفاء للأغنياء فقط والمعاش لا يكفي لخبز الفقراء، فيما البطالة والتضخّم والإحتيال التجاري ثلاثيّ يأكل لبنان، توازياً مع هجرة الشباب التي تشكّل أخطر كارثة على وجود لبنان، وكأنّ كل العالم ضد بقاء اللبناني في أرضه.

 

ولذلك، ألفت نظر الطبقة السياسية إلى أنّ التشدّد والتعثّر والأنانية والرفض والإستقواء بالأعداد النيابية واللعبة الطائفية والتهديد بهدم الهكيل يَهدم بقية لبنان ويبدّد وجوده. وأقول للقضاة: قرار القضاة بالتوقف الكلي عن العمل كارثة وطنية وعار قضائي ومَن استفاد من مجد لبنان لا يمكنه أن يخونه وهو في القعر، واليوم البلد بأسوأ حالاته ولعبة مفوضية اللاجئين حوّلت النزوح إلى سرطان يفتك ببنية لبنان وقدرة وجوده، وإفقار اللبنانيين مشروع تقوده واشنطن وكارتيل غربي عربي وداخلي يريد تفكيك لبنان، والخطير جداً أنّ لبنان يغرق فيما بعض الطبقات المالية والسياسية تَغصّ بالثراء والتجارة والنعيم. لذلك: الممر الإلزامي لانتشال لبنان يمرّ بانتشال الدولة من الفراغ السياسي، وإذا كان لا بد من نصيحة تاريخية أقول: إيّاكم أن تصبح رئاسة الجمهورية خارج الخدمة، لأنّ هناك من يريد فرمَتَة لبنان”.