IMLebanon

حلب «جرائم حرب»

مضحكٌ البيان الصادر عن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة الذي اتهم بالأمس قوات النظام السوري والميليشيات الموالية لها بارتكاب «جرائم حرب» وتنفيذ عمليات «قتل انتقامية» أثناء العملية العسكرية للسيطرة على حلب، والبيان مضحكٌ لأنّه تساوت فيه ترسانة النظام السوري والرّوسي وميليشيات إيران جوّاً وبرّاً والقصف المدفعي للمعارضة!!

الجريمة الكبرى حقيقةً هي تلك التي ارتكبتها الأمم المتحدة نفسها بعجزها عن اتخاذ قرار منذ ما يقارب الست السنوات لحفظ حياة الأبرياء في سوريا، جرائم حرب بالجملة ارتكبت تحت عينها من حمص وباب عمرو والغوطة الشرقيّة وداريّا إلى حلب ومجازر شرقيّها، ما صدر عن الأمم المتحدة لا يعدو كونه «كلام فارغ»، من يتذكّر اليوم مشهد صور تلك المذبحة للنساء والأطفال وحقائبهم المرميّة وسط طريق مزروع بالموت والقذائف العشوائيّة، كلّ هذه الأشلاء المبعثرة هل كانت تحتاج إلى تقرير لجنة تحقيق الأمم المتحدّة؟!!

ومضحكٌ مبكٍ تقرير لجنة تحقيق الأمم المتحدة لأنّه اعتبر»أن الأطراف المتقاتلة اتفقت على إجلاء شرق حلب لأسباب استراتيجية وليس من أجل ضمان أمن المدنيين أو لضرورة عسكرية ملحة، ما أتاح تهجير الآلاف، فإن اتفاق إجلاء حلب يعادل جريمة حرب للتهجير القسري»، والوقاحة الكبرى أن يذكر هذا التقرير أنّه «خلال حصار الأحياء الشرقية من تموز شنت سورية وروسيا غارات جوية يومية، وتضمن هذا القصف استخدام «من دون شك الكيماويات السامة وبينها غاز الكلور»، وأن لا وجود لمعلومات تدعم الادعاءات بأن الجيش الروسي استخدم أسلحة كيماوية في سورية»، فهل هناك «أجرم» من هذا التقرير؟!

والعجيب أنّ ضمير الأمم المتحدّة اهتزّ لأنّ نظام بشار الأسد المجرم وقوّاته ارتكبت «جرائم حرب عبر تعمّدها مهاجمة عاملين في الإغاثة الإنسانية والحرمان من المساعدات ومهاجمة المدنيين»، آلاف جرائم الحرب بل الجرائم ضد الإنسانيّة ارتكبها النظام السوري وحلفائه، ومع هذا لم تشكّل الأمم المتحدة لجان للتحقيق فيها!!

لم يعد القتل بأبشع صوره يُحرّك الضمير الإنسان الفرد، ولا ضمير مجتمع، ولا ضمير العالم، نحن نتسمّر أمام الشاشات وخلف محركات التصفّح بالكاد نحزن قليلاً، ثم ننسى، الحكومات والسياسات كلّها متواطئة على جعل صور القتل مجرّد  صورة، أمر يومي اعتيادي، وتأتي بعدها لجان تحقيق الأمم المتحدة لتكرّس هذا الواقع العابر، مجرّد «كلام فارغ» لا يُقدّم ولا يؤخّر، ولا يُغيّر شيئاً في مصير الضحايا، لذا علينا أن ننتظر المزيد من القتل والقتل، لم يعد باستطاعة شيء تغيير هذا الواقع الدموي!

لم يعد أحدٌ يصدّق أنّ القلق الذي ينتاب المجتمع الدولي من النظام القاتل في سوريا قد تغيّر شيئاً، انتهت هذه المسرحيّة المملّة، هذا الشعب يموت منذ ما يقارب الأعوام الستّ ولم يحرك أحد ساكناً سوى البيانات الفارغة، ذات مرّة قصف صدام حسين الأكراد في حلبجة العراقية بالأسلحة الكيماويّة، ولم يُحرّك العالم ساكناً، وصور هذا القصف مروّعة ومع هذا العالم التزم الصمت منذ العام 1988 حتى العام 2003 عندما قرر محاكمة صدام حسين مستعيناً بحلبجة، للمفارقة.. بشّار الأسد لن نراه غالباً كصدّام حسين، حتى شديدي التطرّف كمارين لوبان يعتبرونه «ضرورة»!!