IMLebanon

اللواء: يوم الحسم بين خيارات الحكومة وخيارات الشارع

في اليوم الرابع، وفي أوّل أحد بعد إعلان الشعب اللبناني «الثورة.. الثورة» أو ما يمكن وصفه بانتفاضة لبنان ضد الطبقة السياسية الحاكمة، تعاظمت الأسئلة عن مسار التطورات: مجلس الوزراء يجتمع اليوم قبل الظهر في القصر الجمهوري لإقرار «حزمة الاصلاحات» التي توافقت عليها القوى السياسية، مع الرئيس سعد الحريري، بالتزامن مع كلام منسوب إلى النائب السابق وليد جنبلاط انه لن يبقى في حكومة تضم الوزير جبران باسيل، وسط معلومات خاصة بـ«اللواء» ان الرئيس سعد الحريري ليس بوارد الاستقالة، لأن البديل كخطوة كهذه تعني مباشرة دخول البلد في نفق خطير ليس أقله الانهيار المالي والاقتصادي.

بالتزامن، كشفت أوساط متابعة ان الوضع الحالي، دخل مرحلة فاصلة، وحاسمة لجهة إقرار ورقة الإصلاحات التي تفتح الباب امام دعم دولي بمليارات الدولارات للبنان، وفقا لمسؤول في الخارجية الأميركية، كشف ان بلاده تواكب التظاهرات والتحركات الجارية، في وقت قلل فيه مصدر وزاري من تأثير خطوة استقالة «القوات اللبنانية» على المسار العام للوضع الحكومي أو السياسي في البلاد.

مهلة الـ72 ساعة

إلى ذلك، يفترض عملياً ان تنتهي المهلة التي اعطاها الرئيس الحريري لنفسه ولشركائه في التسوية السياسية ظهر اليوم، بالتزامن مع الجلسة التي تقرر ان تعقد لمجلس الوزراء في قصر بعبدا، والتي يؤمل ان تقر ورقة إصلاحية شاملة اعدها الرئيس الحريري، منذ تلاوة بيانه للمتظاهرين، ويفترض ان تُلبّي مطالب الجماهير الغفيرة التي ملأت الساحات من بيروت وطرابلس وصيدا وصور والنبطية والجبل والبقاع، بشكل غير مسبوق في التاريخ اللبناني الحديث.

وبحسب تقديرات لمن تسنى له متابعة الانتفاضة الشعبية الكبيرة في يومها الرابع، فإن أكثر من ثلاثة ملايين لبناني نزل أمس الأحد إلى الشوارع وتوزعوا على كافة المدن والبلدات والقرى، هاتفين بإسقاط النظام ورحيل الطاقم السياسي الحاكم، وساندتهم مجموعات من اللبنانيين المغتربين في بلاد الانتشار الذين نظموا تظاهرات في عواصم دول العالم مثل باريس ولندن وواشنطن وسان فرانسيسكو ولوس انجلوس، تأييداً لمطالب اخوانهم في الوطن الأم.

وذكرت معلومات ان الرئيس الحريري يأمل ان ترضي ورقته الإصلاحية اللبنانيين الغاضبين، قبل ان ترضي السياسيين، بحيث تسرب بأن الورقة تشمل كل الأفكار المطروحة في الأوراق التي تقدمت بها القوى السياسية، ومنها ما لم يطالب بها السياسيون، لا سيما لجهة إعادة النظر بكل الرواتب العالية والتقديمات لكبار موظفي الدولة من وزراء ونواب حاليين وسابقين، بحسب ما كشفت وكالة «رويترز» إلى جانب تعديل في خطة الكهرباء وخصخصة قطاع الاتصالات، لكن مصادر مطلعة أوضحت ان ورقة الإصلاحات اما تقبل كما هي، واما يُصار إلى بعض التعديلات والاضافات بالتوافق، واما لكل حادث حديث.

وأشارت هذه المصادر إلى ان الحريري عقد لقاءات مكثفة خلال الساعات الماضية مع مجموعة من الخبراء الحاليين والاقتصاديين للاستماع إلى آرائهم في كيفية الخروج من الأزمة والاستفادة منها في المقترحات التي عرضها على القوى السياسية.

لكن المعلومات لا تُشير إلى توافق سياسي على مضمون الورقة، بسبب تحفظات من قبل الوزير جبران باسيل، بخصوص موضوع الكهرباء، ورفض رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الذي أضاف «انعطافة جديدة في الأزمة تمثلت برفضه البقاء مع باسيل في الحكومة».

وقال جنبلاط في حديث إلى قناة «الجزيرة» ان بعض الوزراء يجب ان يتنحوا ولا يمكننا البقاء معهم في الحكومة، مسمياً الوزير باسيل الذي قال انه «يجب ان يتنحى أيضاً».

وأعلن جنبلاط رفضه الورقة الاقتصادية المقدمة من الحريري، داعياً إلى اجراء انتخابات نيابية على قاعدة نظام انتخابي جديد، معتبراً بأنه على حزب الله ان يتفهم غضب الشارع، لافتاً إلى ان تغطية الحزب لما وصفه «رمز الاستبداد الحكومي (أي باسيل) يجب ان تتغير».

إضافة إلى ذلك، أوضحت المعلومات انه لم توجه، حتى ساعة متأخرة من الليل، أي دعوة رسمية إلى الوزراء لحضور الجلسة، كما ان معلومات بعبدا التي روّجت للجلسة لم تحدد موعداً للجلسة رغم انه تردّد ان اسباباً أمنية حالت دون تحديده، بسبب الخوف من محاولات قد يقوم بها المتظاهرون لمنع وصول الوزراء، وانه لأجل ذلك اتخذت احتياطات وإجراءات أمنية قضت بقطع الطرقات المؤدية إلى القصر الجمهوري بدءاً من غاليري سمعان وصولاً إلى الحدث وبعبدا.

وقالت مصادر رسمية انها لا تستبعد ان يوجه الرئيس ميشال عون رسالة إلى اللبنانيين بعد انتهاء مجلس الوزراء لكنها اشارت إلى ان الرسالة ما تزال فكرة يجري درسها بدقة.. علماً ان الرئيس عون كان أعلن امام زواره السبت انه «سيكون هناك حل مطمئن للأزمة»، الا انه لم يعط تفاصيل.

دعم أميركي للمتظاهرين

وفي تطوّر آخر جديد تمثل بدعم صريح من الخارجية الأميركية للمتظاهرين، قال مسؤول في وزارة الخارجية لقناة «الحرة» الناطقة باللغة العربية إن عقوداً من السياسات الخاطئة دفعت البلاد لحافة الانهيار، قبل أن يعرب عن أمله في أن تدفع المظاهرات السلطات للسير قدما في الإصلاحات.

وقال المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إن «عقوداً من الخيارات السيئة والفساد دفعت الدولة إلى حافة الانهيار السياسي».

وأعرب عن أمل الخارجية الأميركية في أن «تحفز هذه المظاهرات بيروت على المضي قدماً في النهاية بإصلاح اقتصادي حقيقي».

وأردف قائلا إن «التزام وتنفيذ إصلاحات ذات مغزى يمكن أن يفتح الأبواب أمام دعم دولي بمليارات الدولارات للبنان. وهذا أمر يعود للبنانيين».

جعجع يستقيل وجنبلاط ينتظر

وكان الحريري التقى معظم مكونات الحكومة لعرض الورقة الإصلاحية عليهم، والمعروف منهم وزراء حركة «أمل» والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار «المردة» والطاشناق، وقيادة «التيار الوطني الحر» وممثل حزب الله في الحكومة محمّد فنيش مع عدد من المستشارين، لكن «القوات اللبنانية» لم تشارك في الاجتماعات، وأعلنت لاحقاً بلسان رئيس حزب «القوات» سمير جعجع انها قررت الاستقالة من الحكومة والذهاب إلى المعارضة البرلمانية والسياسية ما لم تتم الاستجابة لمطلبها باستقالة الحكومة مجتمعة وتشكيل حكومة اختصاصيين أو تكنوقراط.

وفي تقدير جعجع، بحسب ما قال لقناة «العربية» فإن الأحداث تخطت أي ورقة إصلاحية ويجب الذهاب إلى تغيير جذري، وأخذ ما يطلبه النّاس في الاعتبار، لكنه رأى ان معالجة الأمور لا تكون دفعة واحدة، وان من أوصل اللبنانيين إلى الشارع ليس تعديل الدستور وإنما ضيق الأحوال المعيشية، وما يعيق تشكيل حكومة جديدة الإرادة السياسية لا الدستور.

وإذ جدد دعوة كل الأطراف إلى الاستقالة، ولا سيما وزراء الحزب الاشتراكي، لفت الانتباه إلى ان المشكلة الحقيقية هي مشكلة ثقة بين الشعب والأكثرية الوزارية الحاكمة، في إشارة إلى «التيار الوطني الحر».

لكن وزراء الحزب الاشتراكي لم يلاقوا دعوة جعجع، إذ أكّد وزير الصناعة وائل أبو فاعور ان بقاء وزراء الحزب في الحكومة مؤقت، وهو مشروط بالاصلاحات تنفيذاً وتوقيتاً.

وقال أبو فاعور في مؤتمر صحفي عقده في مقر الحزب في وطى المصيطبة ان الحزب أضاف على الورقة التي اعدها الرئيس الحريري بعض الأمور النوعية الجذرية، مشيراً بأن الحريري تلقف أفكار الحزب بإيجابية.

وعدد بعضا من المقترحات ومنها: رفض فرض أي ضرائب جديدة وعدم المس برواتب الموظفين الحاليين والمتقاعدين ، عدم المس بالمكتسبات لا بل فرض ضرائب تصاعدية على الاغنياء، اقرار قانون الضريبة التصاعدية الموحّدة، ايجاد فرص السكن للشباب عبر اعادة العمل بالقروض الاسكانية وعدم إخضاع القروض السكنية لمزاج المصارف التجارية، كذلك وقف كل أشكال الهدر والفساد في المناقصات العمومية والمصالح المستقلة عبر إخضاعها للمراقبة وإلغاء كافة المجالس والصناديق، والغاء كافة الامتيازات المعطاة للرؤساء والوزراء والنواب والعاملين في القطاع العام ووقف كل أشكال السفر في الوزارات والادارات الا عند الضرورة القصوى وإلغاء كل الوفود.

ومن المقترحات أيضا: ملاحقة المعتدين على الاملاك البحرية والنهرية قانونيا ورفع التخمينات ورفع الغرامات والرسوم على الاعتداءات، تلزيم معامل الكهرباء عبر ادارة المناقصات منعا لاي شكل من الاشكال السابقة وتعيين مجلس ادارة وهيئة ناظمة للكهرباء في اول جلسة لمجلس الوزراء بعيدا عن المحاصصة والتبعية السياسية، ودعم مشروع الأسر الاكثر فقرا بمبلغ خمسين مليار ليرة، وايجاد فرص عمل للشباب عبر فرض نسبة ملزمة من الصناعات اللبنانية في المشتريات، وفرض المزيد من الرسوم الجمركية وحماية للانتاج المحلي ووقف غرق السوق اللبناني بالبضائع المستوردة، وتوقيع مراسيم الناجحين في مجلس الخدمة المدنية، كذلك اعتماد مبدأ الكفاءة في التعيينات عبر العودة الى آلية التعيين السابقة، اقفال كل المعابر غير الشرعية ودعم الجامعة اللبنانية ومطالب اساتذتها.

ودعا أبو فاعور إلى التفكير جدياً بإجراءات انتخابات نيابية مبكرة كمخرج من الأزمة الراهنة، لافتا إلى ان المبرر الوحيد لبقائنا المشروط في الحكومة هو الخوف من ان يؤدي رحيلها إلى الانهيار الشامل.

نصر الله

وكان الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصر الله قد حذر من هذا الانهيار إذا لم يتحمل المسؤولون مسؤولياتهم كاملة، في اطلالته لمناسبة أربعين استشهاد الامام الحسين، خلال الاحتفال الذي أقامه الحزب في مدينة بعلبك السبت، مؤكداً ان الجميع يتحمل مسؤولية الوضع المالي والاقتصاد مع تفاوت في النسبة المئوية.

وأعلن نصر الله انه لا يؤيد استقالة الحكومة الحالية، لأن ذلك يعني ان لا حكومة ستشكل قريباً، ورأى ان انتخابات نيابية جديدة ستقود إلى المجلس النيابي نفسه وان أي حكومة تكنوقراط لن تعمر أكثر من أسبوعين، لذلك يجب عدم إضاعة الوقت بهذه الطروحات.

وإذ أكّد احترامه للمتظاهرين ومطالبهم، استبعد وقوف أي حزب أو تنظيم أو سفارة أجنبية خلف هذه التظاهرات، مشيراً إلى ان المواطنين غضبوا عندما سمعوا عن فرض رسم على «الواتسآب» من وزير الإعلام الذي قدم الموضوع بطريقة مستفزة، معتبرا ان «الواتسآب» هو «القشة التي قسمت ظهر البعير».. لكنه نصح المتظاهرين بإبعاد الحراك عن القوى التي ركبت الموجة، وراحت تطالب بإسقاط العهد، مؤكدا بأن من يربط إسقاط العهد واهم لأن العهد لن يسقط.

الانتفاضة في يومها الرابع

واللافت، انه ما ان انتهى احتفال حزب الله بأربعين الامام الحسين في المدينة المعروفة بمدينة المقاوم، حتى خرج المواطنون بعد الظهر للتظاهر ضد العهد والمطالبة برحيل كافة أركان السلطة القائمة مرددين عبارات: «الشعب يريد إسقاط النظام» و«كولن يعني كولن»، والمشهد نفسه حصل في كل من النبطية ومدينة صور، مدينة الامام موسى الصدر، على الرغم من الاصطدام الذي حصل بين متظاهرين مؤيدين لحركة «امل» كان يتقدمهم النائب علي خريس ومتظاهرين للحراك المدني تعرضوا للضرب من مسلحين، تنصل منهم بيان للحركة، واعداً بإجراء تحقيق، ما أعاد أجواء الهدوء إلى المدينة مع استمرار التظاهر واتساعه إلى ساحة العلم بمساهمة من المتظاهرين في المدن الأخرى، الذين رددوا طوال نهار السبت هتافات: «صور يا صور كرمالك بدنا نثور».

وشهدت بيروت وطرابلس وجونية والمتن وصيدا والنبطية وجبيل والبترون وصولاً إلى عكار وزحلة وبعلبك والبقاع الغربي، إلى رميش تظاهرات مليونية، اتسعت خلال اليومين الماضيين أي السبت والاحد، بالهدوء وباجواء احتفالية، بسبب انكفاء عناصر التخريب، أو الطابور الخامس، عن التسلل إلى المتظاهرين الذين تنبهوا إلى هؤلاء فوضعوا عناصر نسائية امام حاجز الاسلاك الشائكة الذي يفصل بينهم وبين القوى الأمنية عند مدخل السراي الحكومي في ساحة رياض الصلح لمنع المندسين من الوصول إلى العناصر الأمنية، ونجحت الخطة  في توفير أجواء احتفالية وسلمية هادئة، ظلت قائمة طوال النهار، وحتى الساعات الليل والفجر، من دون ان يسجل أي حادث.

مستديرة النور في طرابلس كما بدت ظهر أمس حيث امتلأت بأكثر من 50 ألف متظاهر (تصوير: حسام الحسن)
وساهم الهدوء والتنظيم والانضباط الذي تميز به يوم السبت في اتساع عدد المشاركين في التظاهرة الشعبية في بيروت يوم الأحد، حيث تلاصقت الساحتين، ساحة الشهداء برياض الصلح بالجماهير في مشهد لم يحدث حتى في 14 شباط، وفي 14 آذار، وتحول جسر الرينغ والشوارع المحيطة بالساحتين إلى مواقف لسيارات المتظاهرين.

واحتضنت «ساحة النور» في طرابلس بأكثر من 50 ألف متظاهر، بحسب تقديرات صحافية، اوصلوا رسالة واضحة، مفادها بأن الأكثرية التي امتنعت عن المشاركة في الانتخابات النيابية السابقة، تصوت الآن ضد الزعماء الحاليين.

وتميزت تظاهرات طرابلس بأجواء احتفالية، بمشاركة الفنان مارسيل خليفة وفي حضور مد بشري كان يردد على مدى النهار، بالنشيد الوطني اللبناني، فيما اختفى علم ثورة الجزائر الذي رفع في اليومين الماضيين، في ظل علم لبناني كبير لف المستديرة.

ومساء، عمد المتظاهرون إلى إضاءة فلاشات الهواتف النقالة بحيث ظهرت الساحة الوسيعة كانها حقل من الورود المشعة، ما رددوا نشيد الحلم العربي».

وردد المتظاهرون قرابة السادسة مساء، النشيد الوطني في نفس الوقت مع كل الساحات في بيروت والمدن اللبنانية الأخرى.

ووجهت دعوات إلى إضراب مفتوح في كل لبنان حتى تحقيق مطالب النّاس ورحيل الطبقة الحاكمة مع استمرار اقفال المدارس والجامعات والمصارف والمؤسسات العامة والخاصة والمحال التجارية.