IMLebanon

اللواء: إشتباك دستوري – نيابي.. ودعوات لمنع الوزراء الجدد

 

انسحبت «العاصفة الماطرة والباردة» التي ضربت لبنان إلى شمس كانون الثاني الدافئة التي جعلت اللبنانيين يتنفسون الصعداء، من دون ان ينسحب القلق وعدم الاطمئنان على الحركة الاحتجاجية، التي سجلت وثبة جديدة، عبر الاحتفال بمرور 100 يوم على اندلاع الانتفاضة في 17 ت1، من العام الماضي، من خلال التظاهر، ومحاولة الدخول الىالسراي الكبير، تحت شعار «لا ثقة لحكومة التكنومحاصصة».

وعشية الجلسة المخصصة، لمناقشة الموازنة العائدة للعام 2020، ومناشدة الحراكيين عدم اللجوء إلى قطع الطرقات، وتسهيل وصول النواب الى ساحة النجمة تلبية للدعوة الموجهة من رئاسة المجلس إلى الكتل والنواب لمناقشة وإقرارها، مضت الطرقات بين قطع وإعادة مرور..

وعلى الموازاة، اندلع نقاش حول دستورية الجلسة، خاصة وان الحكومة التي ناقشت وأقرت الموازنة باتت خارج السلطة، وعلى حكومة جديدة قد يكون لديها ملاحظات عليها، فضلاً عن كونها لم تنل الثقة، الأمر الذي جعل كتلاً نيابية كالكتائب تعلن عدم المشاركة بما في ذلك نواب كانوا محسوبين على التيار الوطني الحر مثل النائب فادي افرام.

وإذا كان البند 3 من المادة 64/د تنص على ان رئيس الحكومة يطرح السياسة العامة امام مجلس النواب، فالسؤال: هل موازنة الحكومة السابقة تمثل استمرار سياسة الحكومة الحالية؟

وعشية الجلسة، دعا ثوار لبنان «الثوار الاحرار في المناطق التالية: بيروت – كورنيش المزرعة – فردان – طريق الجديدة – قصقص – الصيفي- الرينغ- الكولا – المدينة الرياضية – البقاع – سعدنايل – تعلبايا – شتورا- زحلة – بحمدون – عاليه – المتن – جل الديب – زوق – جونيه – نهر الكلب – نهر الموت – الدورة – الشمال – طرابلس – البداوي – الضنية – باب الرمل – جبل محسن – البالما الى الإعتراض على اعطاء الثقة للحكومة الجديدة (الفاسدة) منذ فجر نهار الإثنين 27/1/2020».

وطالبوا الطلاب بـ«إعلان الإضراب المفتوح والنزول إلى الشوارع والطرقات مع الثوار».

وتابعوا، «كما نطالب من جميع المناطق ارسال عدد كبير من الثوار إلى بيروت وهذا لعدم دخول الوزراء إلى المجلس».

مشهد غير مسبوق

وسواء انعقدت جلسة الموازنة بفضل الإجراءات القاسية التي اتخذتها القوى الأمنية والجيش، أو لم تنعقد تحت ضغط الشارع والانتفاضة التي ترفض الاعتراف بالحكومة والمجلس الذي سيمنحها الثقة، فإن المشهد الذي سيكون عليه المجلس النيابي اليوم وغداً، لم يسبق ان تعود عليه أو واجهه من قبل، سواء في الشكل حين ستكون ساحة النجمة منطقة معزولة بالكامل عن العاصمة، محاطة بجدران دعم اسمنتية عند كل البوابات المؤدية إليها، أو بالنسبة إلى المضمون، حيث يفترض ان يدور جدل حول دستورية الجلسات في ظل حكومة لم تنل بعد ثقة المجلس، ولا دور لها في ما سيناقشه النواب بالنسبة لمشروع موازنة لا علاقة لها به، وليست مسؤولة عن شيء لم تضعه، ولا قدرة لها على استرداده أو تعديله، أقله قبل نيلها الثقة، أي ان وجودها في المجلس سيكون فقط بصفة «مراقب» لا أكثر ولا أقل.

وفي تقدير مصادر نيابية، ان مجمل هذا المشهد سيضع المجلس النيابي اليوم امام حالة مزدوجة لم تمر في سجله البرلماني، حكومة استقالت بعد ان احالت لديه مشروع موازنة، يفترض دستورياً إقراره ضمن المهلة الدستورية، وليس من هروب من هذا الاستحقاق، وحكومة لم تنقل الثقة ويفترض بها ان تتبنى أو ان تدافع عن موازنة لم تشارك في وضعها، ولا حتى لها علاقة به، لكن عملية التشريع تحتاج، بحسب الدستور لوجود حكومة، سواء كانت كاملة المواصفات الدستورية، أو تصريف أعمال، ومن هنا، فإن لا مناص من إقرار أو التصديق على الموازنة في نهاية مطاف الجلستين، في حال كتب لهما ان تنعقدا، الا ان حضور الحكومة هو الذي سيخلق الجدل الدستوري، بالإضافة إلى عمليات كر وفر بين الفريق الذي كان في حكومة الرئيس سعد الحريري والتي استقالت تحت ضغط الشارع، ويفترض به ان يدافع عن الموازنة، وان كان لم يعد مسؤولا عنها، وبين من هو ممثّل في الحكومة بأوجه مختلفة ومهما كانت التسميات، والذي عليه ان يتبنى الموازنة ولو كان غير مقتنع بها، وليس مسؤولاً عن ارقامها، لكن عليه ان يدافع بدوره عن دستورية التشريع في ظل حكومة تصريف أعمال، وهو ما كان يردده دائماً الرئيس نبيه برّي بمقولة: «المجلس سيّد نفسه»، ولا شك ان لديه المخارج الدستورية التي سبق ان ناقشها سواء في هيئة مكتب المجلس أو مع رئيس الحكومة حسان دياب، باعتبار ان مشاركة الحكومة في الجلسة هي الخيار الأنسب، على أساس انها حكومة تصريف أعمال.

وجهات نظر

وفي هذا السياق، اوضحت مصادر مطلعة لـ«اللواء» انه في قراءة مشتركة للمواد 16 و64 و69 من الدستور يتبين من دون شرح مفصل انه بإستطاعة مجلس النواب مناقشة الموازنة في ظل حكومة تصريف اعمال. وان المجلس الذي اناط به الدستور وحيداً من دون سائر السلطات سلطة التشريع يستطيع ان يشرع، علما ان التشريع الأساس يبقى صك الموازنة لكن يحق ان يكون للحكومة دور في صك الموازنة، ولها الدور الأساس في اقرار مشروع الموازنة بأكثرية الثلثين.

وقالت انه من المواضيع الأساسية على ما نصت عليه المادة 65 من الدستور، ولكن يبقى انه صك تشريعي بامتياز، وصحيح ان حكومة الرئيس حسان دياب لم تنل الثقة وهي حكومة تصريف اعمال يبقى لها ان تمثل ولها الحق في ذلك وان تتبنى مشروع الموازنة او حتى ان تطلب تأجيل البحث في قانون الموازنة من دون استرداده كون الأسترداد يحتاج الى ما يسمى بحكومةمكتملة الأوصاف الدستورية بمجرد نيلها الثقة.

ورأت المصادر نفسها ان كل الكلام عن ان الجلسة غير دستورية هو كلام لا يقع في موقعه الصحيح.

وقالت مصادر المجلس النيابي لـ«اللواء» ان الحكومة الجديدة ستحضر هي جلسات المناقشة، وان رئاسة المجلس تستند في عقد الجلسات الى الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور، التي تتعلق بتصريف الاعمال بالمعنى الضيق للحكومة الجديدة لحين نيلها الثقة، وان الظروف الاستثنائية تفرض التوسع قليلا في تصريف الاعمال بحيث تجري مناقشة الموازنة في حضور الحكومة الجديدة، لا سيما وإن الموازنة، وبحسب نصوص الدستور، استحقاق دستوري لا يجوز التلاعب بموعده، فكيف اذا اصبحت المهلة ضيقة او منتهية دستورياً؟

وتنص الفقرة 2 من المادة 64على: «یجري رئيس مجلس الوزراء الاستشارات النیابیة لتشكیل الحكومة، ویوقع مع رئیس الجمهوریة مرسوم تشكیلها. وعلى الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببیانها الوزاري لنیل الثقة في مهلة ثلاثین یوماً من تاریخ صدور مرسوم تشكیلها. ولا تمارس الحكومة صلاحیاتها قبل نیلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقیلة إلا بالمعنى الضیق لتصریف الأعمال». أي ان الحكومة الجديدة لديها نفس حقوق الحكومة المستقيلة بتصريف الاعمال في اضيق المجالات.

في المقابل، اثيرت أسئلة ومواقف، أبرزها من رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، استغربت كيف ستناقش الحكومة الجديدة موازنة لم تضعها هي؟ وكيف سيدافع عنها وزير المال غازي وزني أو يشرحها للنواب؟ خاصة بعدما وصلت الى النواب ثلاث اوراق عبارة عن ملحق توضيحي لفذلكة الموازنة، قيل ان الوزير وزني رفعه، لكن تبين ان الوزير السابق للمال علي حسن خليل هو الذي طلب من المدير العام لوزارة المالية إعداد هذا الملحق الصغير ليختصر به الفذلكة ولتسهيل النقاش على النواب ليس إلاّ، بعد التعديلات التي ادخلتها لجنة المال والموازنة النيابية على المشروع وحققت فيها وفراً بقيمة 800 مليار ليرة. فيما نفى الوزير وزني علاقته بالملحق، لكنه اكد ان الحكومة لن تسحب او تسترد مشروع الموازنة المحال الى المجلس. وفُسّر هذا الموقف على انه تبنٍ للمشروع المحال، وان على النواب اتخاذ اللازم بشأنه تعديلاً أوحذفاً أوإضافة.

نصاب متوفر

أما من ناحية شق الإجراءات المتعلقة بالجلسة، فمن المرتقب ان تثير كل هذه الاشكالات الدستورية نقاشات حامية خلال الجلسة، لكن المصادر قللت من احتمالات عدم إقرار الموازنة، باعتبارها اكثر من ضرورة لإنتظام العمل المالي والاداري، والبدء بتسيير مرافق الدولة ومشاريعها ودفع مستحقاتها.

وأكدت المصادر ان كل التدابير والإجراءات الامنية اتخذت لتأمين طرقات وصول النواب الى المجلس ومداخل ومخارج ساحة النجمة، وقررت قوى الامن الداخلي اجراءات لعزل محيط ساحة النجمة. كما ان نصاب الجلسة سيكون متوافراً من الكتل التي سمّت الرئيس حسان دياب لتشكيل الحكومة، عدا عن ان كتلتي «المستقبل» و«اللقاء الديموقراطي» اتصلتا بدوائر المجلس وطلبتا تسجيل كلمات لإعضاء فيهما، ما يعني انهما ستحضران الجلسات. اما بالنسبة لكتلة الجمهورية القوية (القوات اللبنانية) فهي لم تتصل بدوائر المجلس حتى مساء امس الاحد. لكن «اللواء» علمت ان الكتلة عقدت اجتماعاً مساء امس استمر حتى ساعة متأخرة قررت على اثره حضور الجلسات لفتح نقاش حول دستورية الجلسات.

وأوضح بيان الكتلة، انه على الهيئة العامة ان تحسم النقاش الدستوري-السياسي بين وجهة النظر القائلة بإمكانية درس الموازنة قبل الثقة ربطاً بحق مجلس النواب في التشريع خلال العقد الاستثنائي الذي فتح بمجرد ان الحكومة أصبحت مستقيلة، وبالتالي له الحق بدرس الموازنة التي في حال عدم إقرارها يتم الصرف وفق القاعدة الإثني عشرية، اي على أساس الموازنة السابقة، فيما الموازنة الحالية أدخلت تخفيضات عليها بين 5 و6 مليارات، وبين وجهة النظر الثانية القائلة إن الأولوية تبقى لمنح الحكومة الثقة، إذ كيف يمكن ان تمثل الحكومة أمام مجلس النواب لمناقشة موازنة أعدتها الحكومة السابقة؟.

في كل الاحوال، فان جلسة اليوم تبقى رهن حراك الشارع الذي سيصطدم بجدران الإسمنت المحيطة بكل ساحة النجمة، وسط اجراءات امنية مشددة عشية الجلسة، التي ستبث وقائعها مباشرة على الهواء ان توفّر نصابها، وتبدا بتلاوة تقرير رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان الذي اكد ان المادة 69 من الدستور تؤكد دستورية الجلسة وهو سيركز في تقريره: على تخفيض اللجنة بما يفوق الـ٨٠٠ مليار ليرة على المشروع، وثم يبدا الكلام بالاوراق الواردة، وفي المحصلة وبعد الكلام النيابي المباشر، سيقطع البث المباشر لتبدا عملية التصويت على مشروع الموازنة والمرجح ان تكون غداً.

الساحة المعزولة

وكان اللافت في الإجراءات الأمنية، هو ما اعلنته قيادة الجيش، من تذكير المواطنين بعدم الاقدام على قطع الطرقات انفاذاً للقوانين والنظام العام والحفاظ على الأمن والاستقرار، مع تأكيد الاحترام على حق التظاهر والتجمع السلمي.

وأوضح البيان ان وحدات من الجيش اتخذت إجراءات أمنية استثنائية في محيط مجلس النواب والطرقات الرئيسية والفرعية المؤدية إليه، وهذا يعني ان الجيش هو الذي سيتولى التعامل مع المتظاهرين وليس قوى الأمن الداخلي التي اكتفت باصدار بيان، جدّدت فيه جغرافية منطقة العزل، اعتباراً من الساعة السابعة من صباح اليوم وحتى انتهاء الجلسة، وتشمل منطقة العزل من حدود ساحة رياض الصلح وشوارع ويغان (البلدية) فوش واللنبي، ومنع مرور السيّارات باتجاه وسط بيروت وتحويل السير من الصيفي صعوداً وبرج المرّ نزولاً باتجاه فندق السان جورج، وأمام فندق «مونرو» وعند آخر شارع دمشق باتجاه برج الغزال».

ولوحظ ان بيان عزل ساحة النجمة، لم يشمل ساحة الشهداء، حيث يفترض ان تكون النقطة الرئيسية لتجمعات الانتفاضة، حيث صدرت دعوات للتجمع ابتداءً من الساعة التاسعة صباحاً امام مبنى «النهار»، فيما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات صوتية لناشطين في الحراك، دعت من اسمتهم «ثوار 17 تشرين» إلى «النزول يومي الاثنين والثلاثاء إلى الشوارع واقفال كل المنافذ المؤدية إلى المجلس ومنع أي نائب أو وزير من الوصول إلى البرلمان»، معتبرة ان «وصول النواب أو الوزراء إلى المجلس هو «عار على الثورة» وضياع للثورة التي تجاوز عمرها المائة يوم»، واعتذرت هذه التسجيلات من المواطنين على اضطرارهم للجوء إلى قطع الطرقات، وان يعتبروا هذين اليومين بمثابة إضراب عام، احتجاجاً على قرارات جائرة للحكومة.

لجنة البيان الوزاري

الى ذلك، ناقشت اللجنة الوزارية المكلفة إعداد البيان الوازري للحكومة، النواحي الدستورية لجلسة مناقشة مشروع الموازنة في المجلس النيابي، وخلصت الى قرار بحضور الجلسات، بعدما تسلم وزير المال ملخص الفذلكة.

وواصلت اللجنة جلساتها الطويلة، وأقرت في اجتماعها الثالث امس الاول هيكلية البيان الوزاري وعناوينه ومندرجاته، وانهت الشق المتعلق بمشاريع واقتراحات الوزارات كل وزارة بحسب ما يمكنها تنفيذه، اما الشق السياسي فستناقشه في اجتماعات هذا الاسبوع.

وفي السياق، علم من مصدر مقرّب من الرئيس دياب انه ينوي الاستعانة بعدد من المستشارين بينهم بعض الوزراء السابقين وقد باشر الاتصال بهم لاستمزاج آرائهم للعمل إلى جانبه، على ان يتولى كل مستشار ملفاً متكاملاً عن المواضيع التي تهتم بها الحكومة ليضع ملاحظاته عليه ويقترح أفكاراً للحلول المطروحة له ومتابعته حتى النهاية، على ان يكون لهم مكاتب في السراي، وعرف منهم الوزيران السابقان زياد بارود ومروان شربل.