IMLebanon

اللواء: ثقة بـ63 «لحكومة المغمورين»: المطرقة تقاوم الإنتفاضة!

 

خرجت حكومة الرئيس حسان دياب بثقة 63 نائباً كما اشارت «اللواء» في جلسة اقتصرت على يوم واحد، وبحضور نيابي، جمع الكتل النيابية منحت الثقة (تكتل لبنان القوي، حزب الله، حركة أمل، كتلة المردة، واللقاء التشاوري)، وتلك التي حجبت الثقة (كتلة «المستقبل»، كتلة الجمهورية القوية، وكتلة اللقاء الديمقراطي) واتجهت إلى العمل الفوري، وهي تحمل كرة النار، فتقرر عقد جلسة لمجلس الوزراء غداً في بعبدا..

عبثاً واجه الحراكيون الشجعان الحكومة، ليس بأشخاصها، بل بانعدام الثقة بالطبقة السياسية، التي أفرزتها، في معمعة لم يشهد لها تاريخ لبنان ما بعد الطائف، أو حتى قبله، سابقة لا في الانهيارات المتتالية ولا في الاحتجاجات..

ليس المهم ان الجلسة انعقدت، وكان يتعين ان تنعقد، بعد ما اصرت القوى الأمنية المولجة بالخطة التي وضعت لتوفير أمن المجلس والسراي والنواب على انفاذها، ولو اقتضى الأمر، بعض من العنف، وفقاً لما اشارت إليه «اللواء» في حال لم تفلح الاتصالات الاستثنائية في إقناع الحراكيين بسلمية الحراك والإقلاع عن المواجهة..

ورد الرئيس دياب، على كلمات النواب، التي جاء بعضها من قبيل لزوم ما يلزم، بوضع موازنة بين حدّين: حدّ شرعية «النواب المنتخبين» (حيث من هناك تمنح الثقة)، وحدّ مشروعية الانتفاضة التي تمثل شرعية كبيرة من الشعب اللبناني (والتي لولاها لما رأت الحكومة الماثلة لنيل الثقة النور).

الأبرز ان اللعبة الديمقراطية أخذت مجراها، ولو على الطريقة اللبنانية، فساهمت المعارضة النيابية في تأمين نصاب الجلسة، من زاوية الحرص على دور المؤسسات الدستورية المنتخبة، وان كانت الثقة مضمونة، فالكتل التي سمت دياب كان بإمكانها تأمين الثقة.

والمهم في هذا السياق، انه على الرغم من إصابة العشرات بجروح، من ناس الانتفاضة وجمهورها، فإن المطرقة النيابية التي كانت بيد رئيس المجلس، وإن بدا انها كانت «تقاوم» الانتفاضة إلى ان المحصلة جاءت لمصلحة الشرعيتين النيابية والشعبية. بانتظار ما سيحصل، من زاوية تحذير الرئيس دياب من انه «إذا افلتت كرة النار من يد هذه الحكومة، فإن ألسنة النار ستتطاير بكل اتجاه، ولن يكون أحد بمنأى عن خطرها وحريقها»، فإن الرئيس دياب التزم بـ«إنجاز خطة طوارى قبل نهاية شباط لمعالجة، حاجات النّاس الطارئة ومواجهة الاستحقاقات والخدمات الراهنة».

وإزاء ما يتعين عمله في ما خص الديون السيادية، افادت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان التوجه الجدي الوحيد لدى رئاسة الجمهورية هو ان تكون هناك خطة كاملة اصر رئيس الجمهورية على ان يذكر البيان انها تعرض وتقر قبل نهاية شباط الجاري لمعالجة الوضع النقدي والمالي والمصرفي كي يندرج اي خيار من خيارات 9 اذار او نيسان او حزيران اي استحقاقات اليوروبوند من ضمن هذه الخطة وإلا يأتي القرار منفردا ومعزولا عن اي خطة كما اعتباطيا.

ولفتت المصادر الى ان هناك خيارا أولا هو عدم الدفع وخيارا ثانيا هو الدفع وكل خيار من هذين الخيارين له تداعياته ونتائجه وهناك خيار ثالث يقوم على المفاوضة والأستمهال والمبادلة ولكن الأهم ان يندرج اي قرار او خيار ضمن خطة متكاملة تعكف عليها وزارة المالية ووزارة الاقتصاد وحاكمية مصرف لبنان للتقدم بها من الحكومة قبل نهاية شباط .

وكانت معلومات تحدثت عن ان بعض المصارف باعت جزءا من عملات اليوروبوند الى شركات عالمية بهدف الربح ما يؤدي الى اشكالية ورجحت معلومات اخرى ان يتم تكليف المصرف المركزي بالخيار المناسب في ما خص هذه الأستحقاقات دون العودة الى الحكومة. لكن الموقف الأميركي بعد نيل الثقة لم يكن مشجعاً..

وقال مسؤول في الخارجية الاميركية: ان التدبيرات الأمنية التي اتخذت في لبنان لنيل حكومة دياب الثقة مخزية ولا تُلبّي مطالب الشعب المنتفض وسنواجه حكومة اللون الواحد اقتصاديا ووجب إعادة النظر بالمساعدات للقوى الأمنية.

ثقة ملتبسة

ومهما كان من أمر، فإن الثقة التي نالتها حكومة الرئيس حسان دياب، بـ63 صوتاً، كانت محسوبة بدقة، تبعاً للكتل النيابية التي صوتت لها، لكنها ستبقى ملتبسة، نظراً للجدل الذي دار حول نصاب الجلسة، لدى افتتاحها، وبالتالي من المنطقي القول، ان انعقاد الجلسة كان غير دستوري، وهي مخالفة للنظام الداخلي للمجلس، تصبح الثقة بالحكومة غير دستورية في حدّ ذاته، وبالتالي يجوز الطعن بها، بحسب ما لوح رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الذي قاطع الجلسة، معتبراً ان المجلس والحكومة سقطا امام امتحان شرعية تمثل الشعب، في إشارة إلى «الإنتفاضة» التي رافقت انعقاد الجلسة في الشارع ورفعت شعار لا ثقة، لمنع وصول النواب إلى ساحة النجمة، غير انها لم تتمكن من تحقيق ذلك، تحت ضغط «القوة المفرطة» التي أستخدمتها القوى الأمنية والجيش ضد المنتفضين، لتأمين الجلسة ومعها الثقة المطلوبة.

وهكذا دارت على مدى ساعات النهار، منذ ساعات الفجر الأولى، وحتى رفع الجلسة الصباحية، رحى مواجهات عنيفة من الكر والفر، بين المتظاهرين الذين تجمعوا امام مداخل المنطقة المحصنة بالباطون والاسلاك الشائكة، والقوى الأمنية التي استعانت بالجيش بشكل كثيف للغاية، في حين كان النواب يحاولون الوصول إلى المنطقة العازلة، فنال بعضهم نصيبه من الضرب كالنائب القومي سليم سعادة، الذي تعرض لاصابة في الرأس ما أدى إلى نقله إلى مستشفى الجامعة الأميركية حيث تمت معالجته وعاد لاحقاً إلى الجلسة، فيما تعرّضت سيّارة وزير التنمية الإدارية دميانوس قطار إلى الرشق بالبيض الفاسد، بينما لجأ آخرون إلى «تمويه» نفسه، فحضر في سيّارات عادية، أو على «موتوسيكلات»، مثل وزير الاشغال ميشال نجار، أو النائب في كتلة التنمية والتحرير محمّد نصر الله، أو النائب في كتلة «المستقبل» هنري شديد (قبل ان يتبلغ قرار الكتلة بعدم الدخول قبل تأمين النصاب).

وبحسب معلومات ترددت في كواليس المجلس، ان الخطة الأمنية التي وضعت بناءً لتوجيهات المجلس الأعلى للدفاع لتأمين انعقاد الجلسة، تسربت إلى الحراك، الذي حرك مجموعات منذ الفجر، عند المداخل التي وضعتها الخطة لوصول النواب إلى المجلس، وكان يفترض ان تكون سرية، وانه لهذا السبب استطاعت المجموعات كشف ورصد سيّارات النواب لدى محاولتها الدخول، على غرار ما حصل مع عضو كتلة التحرير والتنمية النائب أنور الخليل والنائب سعادة وسيارة الوزير قطار، فيما كشف الرئيس نبيه برّي في بداية الجلسة عن تكسير أكثر من خمس سيّارات تابعة للنواب، مشدداً على ان هذا المجلس سيبقى للجمع وليس للفتنة، وخاطب الحراك قائلاً: «هل يُبرّر لنا وللقضاء، وهل يرضى بالاعتداءات التي حصلت على قوى الجيش وقوى الأمن، والاعتداء الذي طاول النائب سعادة وسيارات النواب والوزراء؟».

النصاب الملتبس

على ان مشاهد الفوضى ومعارك الكر والفر في الشارع، صاحبتها «فوضى دستورية» في شأن النصاب القانوني للجلسة، مع تضارب المعلومات حول عدد النواب داخل القاعة، حينما دق الجرس، معلناً افتتاح الجلسة بتأخير 36 دقيقة، قبل ان يحسمها رئيس المجلس نبيه برّي بأن الجلسة افتتحت بحضور 67 نائباً.

وافادت مصادر نيابية انه حينما قرع الجرس كان عدد النواب في الداخل 58 فدخل الرئيس بري القاعة العامة بعدما اُبلغ ان نواباً من الديموقراطي في طريقهم الى القاعة العامة اضافة الى اربعة نواب آخرين وصلوا الى المطار وتوجهوا فورا الى المجلس بما يؤمن النصاب القانوني. وفي حين افادت المعلومات ان دخول رئيس المجلس الى القاعة يفترض ان يتم فور اكتمال النصاب استنادا الى الدستور اكد نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي انه يحق له الدخول ما دام النواب الباقون داخل حرم المجلس.

إلا ان عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب وائل أبوفاعور نفى ان يكون نواب الكتلة أمنوا نصاب الجلسة، مؤكداً في تصريح «انه عندما دخل اربعة نواب من اللقاء الديمقراطي الى الجلسة، هم بلال عبدالله، هادي ابو الحسن، فيصل الصايغ وأكرم شهيب، كانت الجلسة بدأت، ومن ثم انا انضممت اليهم».

ولفت إلى «ان ليس من واجبنا ان نقول ان كان النصاب قد تأمّن وليس من مسؤوليتنا عدّ النواب. نحن شاركنا انطلاقا مما كنا قد اعلناه سابقًا بالمشاركة وحجب الثقة».

ورفض تكتل «الجمهورية القوية» في البداية الدخول الى قاعة المجلس قبل تأمين النصاب، لان معركة النصاب على حدّ قوله من مهمة الاكثرية النيابية التي ستؤمّن الثقة، قبل ان يشارك لاحقا في الجلسة. اما كتلة «المستقبل» فلم تحضر بشكل جماعي الى المجلس. ونُقل عن مصادر الكتلة تأكيدها «ان النصاب مسؤولية الاكثرية النيابية التي ستمنح الحكومة الثقة وليس من مسؤولية الكتل المعارضة التي اعلنت حجب الثقة».

في كل الأحوال، نجحت السلطة في عقد الجلسة، ونجح الرئيس برّي في ان تكون جلسة غير مسبوقة في تاريخ مجلس النواب منذ ما بعد الطائف، حيث للمرة الأولى تتم مناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة في يوم واحد، بدلاً من يومين أو ثلاثة بحسب ما جرت العادة، لكن الذي فرض إنجاز هذا الاستحقاق في أقل من سبع ساعات هو الحراك الشعبي الذي ضغط لحجب الثقة عن الحكومة، من دون ان ينجح في ذلك، وان كان نجح في ان تخرج الحكومة مثخنة بجراح ثقة هزيلة بـ63 صوتاً وحجب عنها 20 نائباً وامتناع نائب واحد، علماً ان الرئيس برّي بذل مساع حثيثة مع الكتل النيابية لتخفيض عدد طالبي الكلام من 43 نائباً إلى 17 نائباً، تحدث عشرة منهم في الجولة الصباحية، و7 في الجولة المسائية، قبل الاستماع إلى ردّ الحكومة والتصويت على الثقة، حيث تحدث نائب واحد باسم كتلة الوفاء للمقاومة هو رئيسها النائب محمّد رعد، ونائبان باسم كتلة التنمية والتحرير ونائب واحد باسم كل من كتلة «المستقبل» (محمد الحجار) وتكتل لبنان القوي (رئيسه النائب جبران باسيل) وكتلة اللقاء الديمقراطي (هادي أبو الحسن) وكانت الحصة الكبرى في الكلام لكتلة «القوات اللبنانية» (4 نواب بينهم السيدة ستريدا جعجع) ونواب مستقلين.

ردّ دياب

اما ردّ رئيس الحكومة على المداخلات النيابية، فقد جاء مختصراً، خلافاً لردود الرؤساء السابقين، لكنه رسم لنفسه «معادلة» صعبة وهي التوفيق بين الانتفاضة التي لا تريد الثقة، وبين ثقة مجلس النواب، وأعطى لحكومته ادواراً كبيرة من غير المعروف عمّا إذا كانت ستتمكن من القيام بها، خصوصاً وان معظم هذه الأدوار «انتحارية» بحسب تعبيره، فضلاً عن عبارات أخرى مؤثرة، مثل «الزلزال» الذي احدثته الانتفاضة، و«كرة النار» التي تحملها الحكومة، مشددا على ان الحكومة محكومة بحمل مطالب اللبنانيين وإطلاق مسار الانقاذ، معتبرا ان التحديات التي تواجه البلد تكاد تكون كارثية، بينما القدرة على تجاوزها هشة.

وأوضح ان لبنان يمر بمرحلة عصيبة جداً وهي غير مسبوقة، وعبور هذه المرحلة بأمان، هو أمر أقرب إلى المستحيل من دون قوة دفع خارجية بالإضافة إلى القوة الداخلية، وبما ان الخارج منشغل عنا أو يدير ظهره لنا، أو يحاسبنا على الخطايا التي ارتكبت خلال عقود، فإن القوى السياسية الداخلية والحراك الشعبي معنيون جميعاً بتأمين قوة دفع ليتمكن لبنان من تجاوز الاخطار الكبيرة المحدقة بنا.

وحذر من انه إذا افلتت كرة النار من يد هذه الحكومة فإن ألسنة النار ستتطاير في كل الاتجاه ولن يكون أحد في منأى عن خطرها وحريقها، مشددا على ان حكومته ليست هي من أوصل البلد إلى هذا الوضع الخطير.

وتجنب الرئيس دياب إطلاق الوعود في رده على النواب خلافاً لما تضمنه البيان الوزاري الذي تلاه صباحاً، موضحاً بأنه لا يريد الدخول في سجالات سياسية مع أحد، كما انه لا يريد أوسمة ولا نصباً تذكارية ولا نريد شيئاً لانفسنا، بل اتركونا نعمل، متعهداً الحفاظ على المال العام والموجودات من العملات الأجنبية وأموال المودعين في المصرف المركزي، وقال انه يدرس جميع الاحتمالات المتعلقة باستحقاقات سندات «اليوروبوند» لهذه السنة، من دون ان يعطي تفاصيل.

ولم تستبعد مصادر مطلعة، ان يكون هذا الموضوع أوّل نقطة ستطرح في الجلسة الأولى التي ستعقدها الحكومة غداً الخميس في القصر الجمهوري في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، والتي سيوزع جدول أعمالها اليوم.