IMLebanon

لبنان بلد نفطي: مَنْ يحمي الثروة من الفساد؟

القمة الروحية: قرار ترامب يمسّ مشاعر 3 مليارات ودعم التحرّك لإلغائه
استقر أسبوع «المخاضات والقرارات» على إنجازات سياسية واقتصادية وعربية:
1- تمثل الإنجاز السياسي باستئناف الحكومة جلساتها المنتجة، فقد رحب الرئيس ميشال عون بالرئيس سعد الحريري في أوّل جلسة فيها جدول أعمال بعد الأزمة الحكومية الأخيرة.
2- إقرار مجلس الوزراء الموافقة على مناقصة قدمها ائتلاف من ثلاث شركات دولية للبدء بالتنقيب عن الغاز والنفط في المياه الإقليمية اللبنانية، عبر الموافقة على منح رخصتين لاستشكاف وانتاج النفط في البلوكين 4 و9، وفقاً لوزير الطاقة سيزار أبي خليل، على ان تكون بداية الحفر في بداية 2019 والشركات هي توتال وايني ونوفاتيك، وسط أسئلة عن «الصندوق السيادي» وحماية القطاع من الفساد والدعوة لحمايته لمصلحة الأجيال ومواجهة الأعباء المالية.
3- تبني القمة الروحية التي انعقدت في بكركي أمس الموقف الرسمي من قضية القدس، واعتبار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالجائر، والمرفوض والذي يتعين إلغاءه.
وهذه الإنجازات، تعني برأي أحد الوزراء الذين شاركوا في الجلسة ان الإرادة الوطنية بدعم دولي ملحوظ تدفع بالاستقرار إلى مزيد من الترسيخ علىالرغم من التداعيات الجارية في المنطقة.
بالمقابل، رأت المديرية التنفيذية لـ«المبادرة اللبنانية للنفط والغاز» ديا قيسي (أ.ف.ب) «لا يمكن ان نعرف الكمية الموجودة الى ان تبدأ عملية التنقيب ولكن بينت المسوحات الأولية أن البلوكات الخمسة المعروضة هي الأوفر حظاً، والبلوك التاسع الأوفر حظاً بينها أيضاً». ويقع البلوك التاسع بمحاذاة منطقة متنازع عليها بين لبنان واسرائيل مساحتها 860 كيلومتراً مربعاً، ولا تشملها أعمال التنقيب. وقالت قيسي «أقول بحذر أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة جيدة، لكننا نطالب بشفافية كاملة، يجب عرض المناقصة لنتمكن من تقدير قيمتها ونشارك في تقييم ما اذا حصلنا على عرض جيد او هناك اجحاف بحق الدولة». وأضافت «يجب أن يبرهن البلد عن شفافيته في قطاع معروف انه فاسد عالمياً».
الخطوة الأولى نحو النفط
وكان لبنان خطا أمس الخطوة الأولى باتجاه إنتاج النفط والغاز من مياهه الإقليمية، وبالتالي دخوله «نادي الدول المنتجة»، وذلك عبر موافقة مجلس الوزراء بالإجماع في جلسته التي انعقدت في القصر الجمهوري في بعبدا، على توقيع اتفاق الاستشكاف والحفر والانتاج بين الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الطاقة والمياه، وبين تحالف شركات «توتال» الفرنسية و«أيني» الإيطالية و«نوفاتيك» الروسية، وسيتم توقيع العقود مع تحالف الشركات الثلاث بعد عطلة رأس السنة، على ان يبدأ العمل باستكشاف الحقول في البلوكين 4 و9 العام المقبل، والحفر والتنقيب العام 2019.
وأوضح وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل لـ«اللواء» تفاصيل الخطوات اللاحقة، بعد موافقة الحكومة على منح الرخصتين البتروليتين في الرقعتين 4 و9، فقال ان الخطوة الأولى ستكون إبلاغ الشركات الثلاث بدء مهلة الشهر لتوقيع العقود تمهيداً للتحضير لعمليات الاستكشاف في البلوكين المحددين وهما الرابع في الشمال والتاسع في الجنوب، مشيراً إلى انه سيتولى توقيع العقود عن الدولة اللبنانية بتفويض من الحكومة.
وقال انه بعد التوقيع وبدء مرحلة الاستكشاف لا توجد مهلة محددة، وستكون امام الشركات أعمال تحضيرية ودراسات بينية وتقنية وبعدها نذهب إلى حفر الابار سنة 2019، ثم نجري تقييماً لنتائج الحفر، فإذا تبين لدينا ان هناك اكتشافاً تجارياً نكون عملياً دخلنا مرحلة الإنتاج، وهذه المرحلة تستغرق بين ثلاث واربع سنوات، ونذهب عندها إلى تطوير الحقول والانتاج الإضافي، مع حفر ابار إضافية.
وأوضح ان كل هذا العمل سيبقى محصوراً في البلوكين الرابع والتاسع، اما بقية البلوكات وعددها ثمانية، فستتم وفق سياسة وزارة الطاقة التي وافقت عليها الحكومة، ونسميها «التلزيم المتدرج»، ما يعني اننا فور حصول اكتشاف تجاري مهم في البلوكين نعلن عن دورة تراخيص جديدة لشركات جديدة، وهذا ما يؤدي إلى رفع قيمة البلوكات الباقية ويُعزّز وضعها التجاري ويُعزّز شروط لبنان في التفاوض.
وكشف ان حصة الدولة من عائدات الإنتاج في البلوك الرابع الشمالي ستكون ما بين 65 إلى 73 في المائة، فيما ستكون في البلوك التاسع أقل أي بين 56 و70 في المائة، بحسب السيناريوهات الموضوعة، عازياً ذلك إلى كمية الإنتاج وإلى نوع الجيولوجيا في المنطقة بين طبقات رملية وطبقات كلسية، لافتاً إلى انه كلما زادت ربحية الشركات وإنتاجها كلما زادت ربحية الدولة بشكل مضطرد.
ولم يعترض اي طرف سياسي في الحكومة على القرار لكن نائب رئيس الوزراء وزير الصحة عن «القوات اللبنانية» غسان حاصباني طرح استفسارات عن المهل التي ستستغرقها وتمر بها عملية انتاج النفط. وعن الفارق في ارباح الدولة بين البلوك رقم 4 في الشمال، وبين البلوك رقم 9 في الجنوب، فشرح له الوزير ابي خليل الاسباب التي تعود الى ان مخاطر الحفر في البلوك الجنوبي اعلى من مخاطر البلوك الشمالي بسبب وجود طريقتين للحفر في طبقتين رملية وكلسية، بينما في البلوك 4 طريقة الحفر رملية واسهل ومكاسبها مضمونة، لذلك فنسبة الارباح اقل لأن المخاطر بعدم وجود نفط في الطبقات الكلسية اعلى.
ووصف وزير الشباب والرياضة محمد فنيش الجلسة بالمهمة جدا والهادئة، وقال لـ«اللواء»: المهم ان الحكومة عادت الى العمل والانتاج بروحية التفاهم.وموضوع استخراج النفط يخضع لخطوات متتالية من توقيع العقد مع الشركات الى مباشرة الاستكشاف ومن ثم الاستخراج وكل ذلك وفق مراحل ومهل زمنية محددة.
ومن خارج الجلسة، اعتبر الرئيس نبيه برّي امام زواره، انه أصبح بالإمكان اعتبار لبنان مبدئياً دولة نفطية، وما حصل في مجلس الوزراء يفيد لبنان، كون ان موقعه سيتحسن على المستويين المالي والاقتصادي، ومن الآن وقبل استخراج النفط سيكون هناك فوائد من قرار مجلس الوزراء، خصوصاً في ما يتعلق بفتح المجال امام تشغيل اليد العاملة اللبنانية من مهندسين وفنيين وعمال.
اقتراح باسيل
اما الاقتراح الذي تقدّم به وزير الخارجية جبران باسيل، بإنشاء سفارة لبنانية في القدس، على قطعة أرض تهبها السلطة الفلسطينية للبنان، ردا على قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بها عاصمة للكيان الإسرائيلي، فلم يحظ برضى أو موافقة وزراء حزب الله و«امل» والحزب القومي السوري الاجتماعي، الذين لم يتحمسوا له كونه يحمل اعترافا ضمنيا بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، فتم تشكيل لجنة وزارية برئاسة الرئيس الحريري لدرس الاقتراح ومتابعته.
وقال الوزير فنيش لـ«اللواء» تعليقاً على الاقتراح: «نحن موقفنا المبدئي والواضح هو الاستمرار في دعم قضية فلسطين، والقدس هي عاصمة فلسطين، لكنا قلنا ان إنشاء سفارة لبنانية في القدس هو أمر بحاجة إلى درس ولم نقل ان فيه محاذير أو مخاطر. وبناء لذلك تمّ الاتفاق على تشكيل لجنة وزارية لدرس الموضوع والخطوات الكفيلة بتثبيت الموقف اللبناني من القدس، برئاسة الرئيس الحريري، وتضم وزراء المال علي حسن خليل، والخارجية باسيل، والداخلية نهاد المشنوق، والعدل سليم جريصاتي، والتربية مروان حمادة.
ومن جهتها، أوضحت مصادر عين التينة ان رفض الوزير خليل اقتراح باسيل، جاء بتوجيهات من الرئيس بري من منطلق ان هذا الأمر من غير الممكن التعاطي معه بهذه السهولة من منطلقات عقائدية وسياسية وفكرية.
وبحسب مصادر وزارية ان الوزير باسيل شرح للوزراء مضمون اقتراحه، مشيرا إلى انه سبق ان وجه كتابا إلى مجلس الوزراء في هذا الشأن أكّد فيه أهمية ان يُبادر لبنان إلى إنشاء سفارة في القدس، خصوصا وأن مبادرة السلام العربية تنص على ان القدس عاصمة لفلسطين، معتبرا ذلك خطوة رمزية تؤدي إلى اعتراف دول أخرى وتصبح فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، فتكون هناك سفارة للبنان كما توجد سفارة لفلسطين في لبنان.
وقالت المصادر، انه اعقب هذا الشرح نقاش مستفيض من الوزراء، فرأى الوزير جان اوغاسبيان (المستقبل) ان الاقتراح يجب ان يكون موضع درس متأن كي لا يحصل التباس في فهمه، في حين قال الوزير علي قانصو ان القدس عاصمة فلسطين، لكن فلسطين لا تجزأ، ولذلك لا بدّ ان يكون الاقتراح محور درس، وكذلك فضل الوزير حسين الحاج حسن «حزب الله» إخضاع الاقتراح للدرس من جميع الجهات، اما وزير العدل سليم جريصاتي فأثار من جهته الناحية القانونية للموضوع، مشيرا الىان كل القرارات الدولية تدول القدس وتجعلها مجيدة، وبالتالي فإن اقتراح باسيل ينسجم مع القرارات الدولية، ورد الوزير خليل(امل) مشيرا إلى ان الاقتراح يحتاج إلى دراسة.
وهنا قال الرئيس الحريري: ان لبنان وافق على مبادرة السلام العربية في قمّة العام 2002، وأن هذه المبادرة واضحة في التأكيد ان القدس عاصمة فلسطين، وبالتالي فإن موقف لبنان ينسجم مع هذه المبادرة.
وعقب نائب رئيس الحكومة حاصباني فتبنى ما قاله الرئيس الحريري حول المبادرة، وقال إذا كانت هناك خطوات ثانية فيجب درسها، وهو ما وافقه عليه الوزير مروان حمادة، فيما اقترح الوزير جمال الجراح «المستقبل» تشكيل لجنة لدرس الاقتراح معتبرا انه يحتاج إلى درس.
وهنا اقترح الوزير جريصاتي النص الذي صدر في نهاية الجلسة، وقضى بتشكيل لجنة برئاسة الرئيس الحريري وعضوية الوزراء: باسيل وخليل وفنيش والمشنوق وحمادة وجريصاتي.
وفي أعقاب هذا النقاش، الذي طاول ايضا الإشادة بالمواقف التي اعلنها الرئيسان عون والحريري، خلال الجلسة، اعتبر مجلس الوزراء ان قرار الرئيس الاميركي الاحادي اعلان القدس عاصمة لدولة اسرائيل لاغ وباطل وفاقد الشرعية الدولية كأنه لم يكن على ما ورد في مختلف القرارات الاممية والدولية، واكد التزامه بمبادرة السلام العربية لجهة اعتبار القدس عاصمة لفلسطين وحق العودة جزءا لا يتجزأ من اي مبادرة سلام وحل للقضية الفلسطينية، كما اكد العمل على الاعتراف بفلسطين دولة مكتملة العضوية في الامم المتحدة والقدس عاصمة لها وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، مع تأييد نضال الشعب الفلسطيني وانتفاضته في وجه القرار الاميركي».
وفي حين أرجأ مجلس الوزراء البتّ ببند ملف النفايات باتجاه حسم الخيارات التي طرحها مجلس الإنماء والاعمار لتجديد العمل وتوسيع مكب كوستا برافا ومكب برج حمود او اقفالهما نهائيا،بسبب عدم الانتهاء من درس خطة وزير البيئة طارق الخطيب،فإن الحكومة اقرت نحو مائة بند من بنود جدول الاعمال البالغ 145 بندا.منها تعيين محافظ لجبل لبنان ومحافظ للبقاع،فيما اثار وزير الاعلام ملحم رياشي قضية تعيين رئيس واعضاء مجلس ادارة تلفزيون لبنان،واعتبر ان البعض يريد التعيين من خارج المعايير التي تم وضعها للتعيينات.
القمة الروحية
وتزامناً مع الموقف الذي اعلنته الحكومة بالنسبة إلى القدس، انعقدت في بكركي أمس قمّة روحية إسلامية مسيحية، ناشد بعدها رؤساء الطوائف الدينية في لبنان المرجعيات السياسية العربية والدولية «العمل معاً بغية الضغط على الإدارة الأميركية للتراجع عن قرار تهويد القدس الذي يفتقد الى الحكمة التي يحتاج اليها صانعو السلام الحقيقيون»، معتبرين «ان القرار الاميركي يسيء الى ما ترمز اليه القدس ويشكل تحديا لاكثر من 3 مليارات من البشر.»
واكدوا في بيان في ختام أعمال القمة الروحية المسيحية- الاسلامية رفضهم لهذا القرار مطالبين بالرجوع عنه باعتبار أنّه، فضلا عن مخالفته القوانين والمواثيق الدولية، فإنه يسيء الى ما ترمز اليه مدينة القدس كمدينة روحيّة جامعة يذكر فيها اسم الله عالياً في أماكنها المقدسة، وهي تشكّل بذلك موقع التقاء للرسالات التوحيدية كافة.
وناشدوا الرأي العام الأميركي بمنظماته الأهلية والدينية أن يرفع الصوت عالياً لتنبيه الرئيس ترامب وادارته الى مخاطر القرار الجائر الذي يزجّ الشرق الأوسط في دورة جديدة من دورات العنف التي عانى منها كثيراً.