IMLebanon

حلف «الناتو» في زمن التحديات

أعلن «حلف شمال الأطلسي»، أنّه أنهى مهمّته لمكافحة القرصنة في المحيط الهندي بعد تراجع حاد في الهجمات، مع تحويل موارده لردع روسيا في البحر الأسود ومهرّبي البشر في البحر المتوسط. واعتبر «حلف الأطلسي»، في بيان صادر عنه الأربعاء في 23 تشرين الثاني 2016، «أنّ عمليته «درع المحيط»، وكذلك مهمة الإتحاد الأوروبي، وبعثات أخرى لمكافحة القرصنة، أدّت الى تقلّص القرصنة في ساحل الصومال منذ 2012.

تأسّست منظمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» في 4 نيسان 1949، حين وقّع 12 بلداً، وهي بلجيكا وكندا والدانمارك وفرنسا وآيسلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنوريج والبرتغال وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة، معاهدة واشنطن. معاهدة شمال الأطلسي تفعّل نظام الأمن العالمي، وتصف المادة 5 من المعاهدة الهجوم على بلد عضو واحد بأنّه هجوم على الحلف كلّه.

يعتبر الحلف أنّ مهمته تتوقّف عند الدفاع عن مصالح أعضائه، في ظلّ المخاطر والتحديات التي قد تتعرّض لها. إلّا أنّ توسّع نفوذه، وتخطي الاستراتيجية المرسومة له، وتدخّله في شؤون الدول، كما حصل في ليبيا من قلب نظام القذافي، وخروجه عن مبادئه الأساسية بحسب ما جاء في البيان السابق، إضافةً إلى انطلاقه من حالة الدفاع عن النفس إلى حالة الهجوم، دفع بالعديد من الدول للوقوف في وجه توسّع نفوذ الحلف في أكثر من منطقة من العالم.

بعد الحرب الباردة واجه الحلف خصماً حقيقياً، تمثّل في حلف وارسو أو معاهدة وارسو. هو منظمة عسكرية سابقة لدول أوروبا الوسطى والشرقية الشيوعية. أسست هذه المنظمة عام 1955 لتواجه التهديدات الناشئة من أعضاء حلف شمال الأطلسي، استمرّ عمل هذه المنظمة إلى عام 1991 حتى سقوط الأنظمة الشيوعية الأوروبية وتفكك الإتحاد السوفياتي.

بعد تفكّك حلف وارسو، بسط الناتو سيطرته المطلقة على الساحة الدولية. لكنّ سرعة الأحداث العالمية وتطوّرها، وضعت حلف شمال الأطلسي أمام تحدّ حقيقي بات يهدد دوره بشكل جدّي.

أبرز هذه التحديات:

– التكتّل الأمني الذي أسسته كلّ من: الصين وروسيا وأربع دول بآسيا الوسطى هي كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزباكستان المنظمة في 2001. يهدف هذا التكتّل إلى تشكيل تكتل أمني إقليمي في مواجهة التهديدات التي تتمثل في الإرهاب، وتهريب المخدرات من أفغانستان.

– مجموعة البريكس، هو مختصر للحروب الأولى باللغة اللاتينية BRICS المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم. وهي: البرازيل، روسيا، الهند والصين. وتهدف إلى إيجاد تكتل اقتصادي يكون حاجزاً أمام مجموعة الدول المؤسسة لحلف الناتو، التي تفرض استعماراً اقتصادياً على اقتصاديات الدول الأخرى.

– التحرك الروسي، الذي جاء عبر وزارة الدفاع الروسية بنشر نظام للدفاع الصاروخي، بالتزامن مع تصريحات «قوية» للرئيس فلاديمير بوتين توعّد فيها بـ«إجراءات»، رداً على حلف شمال الأطلسي. ونقلت وكالة الإعلام الروسية للأنباء عن بوتين قوله إنّ موسكو ستتخذ «إجراءات مضادة» رداً على توسّع حلف شمال الأطلسي.

– مشكلة اللاجئين الذين يدخلون دول الحلف تحديداً، ما شكّل تهديدا حقيقيا أمام حكومات هذه الدول، عبر الأعمال الإرهابية التي ضربت عواصمه، ما زاد من نسبة الجهوزية لعسكره داخليا.

– وصول إلى مركز القرار لدول الحلف، رؤساء ذات أفكار إنعزالية. ما سيهدد بانسحابها، والتفكير جدياً في مصالحها الخاصة. الأمر الذي دفع بوزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت الى حضّ الولايات المتحدة على تفادي «المغامرة الإنعزالية» عقب الإنتخابات الأميركية.

– التطوّر التقني والعسكري والنووي لم يعد يقتصر على دول الناتو، بل أصبح في أيدي الكثير من الدول الخصمة، التي تسعى لكسر طوق الناتو على العالم – إيران، الهند على سبيل المثال.

– الإقتصاد العالمي، الذي بات تحت سيطرة دول صعدت حديثاً وحجزت مكاناً لها في نادي الدول الأقوى اقتصادياً في العالم، مثال الصين والبرازيل. إذ وضعت دول الناتو في أكثر من أزمة إقتصادية، أبرزها أزمة 2008 الإقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة.

أخيراً، يبدو أنّ مسار الدول التي تحدّث عنها المفكر العربي إبن خلدون في «مقدمته»، يأخذ العالم إلى تحديات حقيقية من دون الحاجة هذه المرّة إلى حرب عالمية ثالثة. لأنّ حركة التاريخ قادرة على إزالة أحلاف وتكتلات، وولادة أحلاف أخرى.

وهذا ما ينتظر دول الناتو، إذا استمرّ تاريخ دوله في مساره التقلّصي الإنغلاقي من جهة، أو صعود لتكلات دولية في وجهه من دون العمل الجدّي للحدّ من تأثيراتها دولياً من جهة أخرى.