IMLebanon

بين لائحة… زي ما هيّي والشعب… زيّ ما هوّي

 

تعليقات كثيرة سُمِعَت في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي في مناسبة الإنتخابات البلدية والإختيارية، بعضها مؤيد وبعضها معارض، وكلٌّ منها وفقاً لتوجهات أصحابها ولخفّة دمهم ولياقتهم في التعبير. واحدة من هذه التعليقات وبعد أن استمع الحضور إلى الشيخ سعد يطلق عبارة المرحوم والده الشهيرة : اللائحة… زيّ ما هيي، طلباً لتماسك أنصار تيار المستقبل وتلاحم إرادتهم ومواقفهم في «تأييد لائحة البيارته، قابلتها إحدى الإعلاميات بتعليق فوري: والبلد… زيّ ما هوّي. قولان، عبّر أولهما عن استنهاض مهم للناخبين البيارته، من زعيم وطني مهم، عاد إلى بلاده لقيادة الوضع السياسي الذي أصابه شيء من التخلخل والشلل لأسباب عديدة منها طول الغياب عن مواقع القيادة، وكادت الإنتخابات البلدية والإختيارية أن تلاقي في بيروت «وربما في سواها «مصيراً» سيئاً» لولا عودة الشيخ سعد التي أعادت إلى تيار المستقبل وأنصاره… في بيروت، «وفي سواها» كثيرا من الروح والإستنهاض والتلاحم، فجاءت نتيجة الإنتخابات من خلالها معقولة ومقبولة في مناطقها الإسلامية (معدل تعداد المصوتين يناهز ال 35%)، ومتدنية وسيئة في مناطقها المسيحية (معدل 6%)! الأمر الذي أساء إلى تلك المناطق التي انكفأت عن التصويت إمّا نتيجة لمواقف بعض الأحزاب وإمّا تمرداً على إرادات القيادات الحزبية المسيحية في بيروت، وحوّلت غالبيةٌ من الذين انتخبوا، أصواتها إلى اللائحة الأخرى المنافسة، كما تحولت أغلبية ثابتة نحو، الإنتخابات الإختيارية وحدها، الأمر الذي يعيدنا إلى الجزء الثاني من التعليق المذكور أعلاه: والشعب… زيّ ما هويّ.

في بيروت لم ينطبق حساب الوطنيين المخلصين، على حساب البيدر الذي سعى الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى لملمة سنابله وتكويمها كما السنابل بعد الحصاد في تلّة ذهبية اللون والرمّز والمعنى، حيث كانت دعوته في الإنتخابات البلدية إلى إحقاق مناصفة وطنية ترسو على قواعدها أسس البنيان البلدي والوحدة الوطنية والتلاحم بين أهل هذه المدينة العريقة، قلب لبنان النابض بالحياة والثقافة والتطوّر في كل مجالاته. وكون بيروت هي عاصمة بلد الإشعاع والنور كما جرى عليه القول الشائع، توقّع المراقبون خطواتٍ هامةٍ باتجاه انصهار وطني في ظرف تاريخي تشكو فيه البلاد من خلل في أواصر وحدتها وسلامة دولتها ومؤسساتها واضطراب وضعها الأمني والإقتصادي واتساخ سمعتها محلياً وإقليمياً ودولياً بأكداس النفايات التي ما زالت تعشش، ولو بحجم أقلّ في أركان وزوايا وشوارع العاصمة المليئة «حتى الآن» بالمزابل وبقاياها. أن تمر الإنتخابات البلدية والإختيارية على خير وسلامة سواء بالنسبة للعدد المعقول من الناخبين المسلمين أم بالنسبة للشعارات التي طرحت في المناطق الإسلامية وكلّهُا تدعو إلى الوحدة بين أبناء المدينة والمناصفة ما بينهم بعد أن أوقف الشهيد رفيق الحريري العدّ في لبنان عامة وخصّ بيروت بإطلاق مبدأ المناصفة بين أهلها حيث تفرّدت هذه العاصمة الحضارية الأبية بهذه النزعة إلى التآخي والتلاحم الوطني من خلال المناصفة ما بين تعدادها الإسلامي والمسيحي في الإنتخابات البلدية والإختيارية. مع الأسف لم يكن الأمر كذلك في بعض أنحائها الأخرى التي افتعلت بعض فعالياتها إشكالات وأعمال عنف ما بين فريقين من فرقاء أحد تياراتها، طمعا في إضعاف وفي إفشال المشاركة وبالتالي المناصفة، ودون أن نخفي أنه، كانت هناك قلّة من التيارات المختلفة التي حاولت وضع المتاريس تجاه مبدأ الإنتخابات وتحقيقها وطعن المشاركة الوطنية بين أبنائها من خلال طعن مبدأ المناصفة، وهو مبدأ استغرق مع أهل بيروت قسطا كبيرا من التأمل في وجوبيته وسلامته وكونه يجيء على حسابهم، وكان تصرفا نبيلا من قبلهم أن تنازلوا عن بعض مهمّ من حقوقهم إصرارا منهم على وضع إخوتهم المسيحيين في موضع الإطمئنان والراحة، وقد استقرّ رأيهم وموقفهم الثابت والنهائي على استمرار تأييدهم القوّى للمبدأ الذي سبق أن أرساه في قناعاتهم، الشهيد الشيخ رفيق الحريري، خاصة بعد المظاهرات المليونية التي تماسكت أياديها المتلاحمة في أنحاء ساحات بيروت وتكلّلت بتلك الكلمات التوحيدية التي انطلقت بها حناجر الغالبية العظمى من اللبنانيين في ساحة الشهداء، وفي كل المنابر وكل الساحات، تعبيرا عن إدانة ورفض الجريمة النكراء، وتأييدا لتلك الثورة الوطنية الجامحة التي أعادت اللبنانيين جميعا، إلى سكّة السلامة والصواب، والوحدة الوطنية الراسخة.

ومع ذلك، البيروتيون فخورون كل الفخر بكل ما يقومون به في هذه الأيام الظلماء من مواقف ومبادرات لا همّ لها إلاّ الإبقاء على خريطة هذا الوطن على حالها وعلى تفاصيلها، وعلى وحدة هذه البلاد أرضا وشعبا ومؤسسات، فضلا عن وحدة هذه المدينة أرضا ومواطنين ومؤسسات وإرساء الطمأنينة في عقول وقلوب الجميع على حالهم ومآلهم وأمنهم ومستقبل بلادهم ومصير أولادهم. إن بعض التصرّفات التي صدرت عن البعض والتي اوقعت البيروتيين في حيرة من أمرهم، فهم اذ يبذلون الغالي والرخيص للتأكيد على مبدأ وطني أساسي أطلقه الشيخ سعد في المراحل التاريخية الصعبة التي يجتازها لبنان وقوامها ذلك الشعار الذي ما زال متلألئاً : لبنان أوّلاً، وهم يأسفون في هذه الأيام لبعض التصرفات التي لا توحي بالإطمئنان إلى توجهات تظهر بين الحين والحين، وفي مناسبة وبدون مناسبة، فكيف إذا كانت هذه المناسبة، مناسبة إنتخابية عامة، عطلتها جزئيا في بعض مبادئها، تصرفات جزئية، من بعض المواطنين، الذين أرادوها في هذه الظروف الصعبة والحسّاسة بالذات، تصرفات مجزّئة ومخرِّبة.

مع كل ما ذكرنا… إن أهل بيروت الأصيلين في انتمائهم إلى عراقة نهجها الوطني الصادق والمستمرّ والدائم، ليعبرّون وبشكل قاطع عن وحدة بلادهم أولا ومدينتهم، عاصمة لبنان ثانيا ورفضهم لكلّ اتجاه لتجزئتها فدراليا او كونفدراليا أو تحت أية صفة أو تسمية قد يطلقها البعض بحسن أو بسوء نية، توصلا إلى غايات مشبوهة زُرِعت في هذه البلاد عن سابق تصور وتصميم، ومع كل ما ذكرنا، نحن فخورون كل الفخر بهذه الإنتخابات التي نظّمتها الدولة (أو ما تبقّى منها)، من خلال وزارة الداخلية، ونشعر باننا أمام واجب الإشادة بالدور الوطني الناجح الذي قام به وزير الداخلية وما سيقوم به في بقية المراحل الإنتخابية. وقد أثبت في خطواته هذه، أنه مثّل بها، «البيارتة»، خير تمثيل. إنها خطوات جريئة ولا بد منها، لإثبات أن هذا البلد ما زالت فيه أنفاس ديمقراطية يطلقها أحيانا في مناسبات كهذه الإنتخابات البلدية والإختيارية، وهي خطوات مثبِتةٌ أن لا شيء مستحيل وممنوع في هذه الأيام العصيبة سواء كانت إنتخابات رئاسية أم نيابية أم بلدية أم إختيارية، هي مناسبة لنتوجه جميعا باهتماماتنا لاقتلاع اي توجهات مؤسفة قد لا تكون ذات تأثير هام في هذه المرحلة وقد تكون شديدة الأثر والخطورة في أي مستقبل وأية مناسبة تكون فيها عناصر كامنة ومتخفية طمعا باقتراف إساءات غير متوقعة.

عيوننا وعقولنا متجهة بعد الآن إلى المراحل الإنتخابية الأخرى علّنا نتجنّب فيها كلّ مزالق وأخطاء المرحلة الأولى، مشيرين إلى أن عودتنا جميعا وفي كل المراحل والمناطق والمدن والقرى إلى اللغة الإنتخابية الديمقراطية، هي نصر وطني كبير، سيؤخذ باعتبار شديد في أية مراحل انتخابية مقبلة.