IMLebanon

قضاء مستقل… وإلا استمرار التشكيك

 

مِنَ الاحتجاج أمام قصر العدل حَضّاً على إقرار التشكيلات القضائية، الى تظاهرة قرب المحكمة العسكرية استنكاراً لتوجيه تهمة العمالة لكندة الخطيب، جوهرُ الموضوع واحد. والسؤال الذي يكاد يصير أزلياً: متى نرى نور القضاء المستقلّ، وإلامَ تبقى ثقتُنا مهتزّة بسلطة واجبة التحصين والتفعيل؟

 

لن نجاري عاطفياً الجازمين ببراءة كندة الخطيب. لكن يحق لهؤلاء عدم تسليم أمرهم والدفاع عن براءتها حتى الرمق الأخير. ذلك ان القضاء، وخصوصاً العسكري، ضبط بالجرم المشهود مراراً. فلا عوقب مخالف للأصول ولا أقيل قاض ميت الضمير ولا جرى التحقيق بعمليات تعذيب. زياد عيتاني حيٌّ يرزق، والكل يعرف التفاصيل. أنسينا الإفراج عن قاتل النقيب سامر حنا؟ ام نتناسى فضيحة العميل عامر الفاخوري؟

 

هذا غيض من فيض لئلا نعود كثيراً الى الوراء. لكنه دافعٌ للتشكيك بأيّ تهمة تنال ناشطاً سياسياً اذا لم تدقَّق من هيئة قضائية موثوق بها أو محايدة.

 

ربما سمعتْ وزيرة العدل أمس مكبرات الصوت تدعو الى سلطة قضائية مستقلة. لكن أهم مِن طرْق المطلبِ مسامعها، ذاك الوعي لدى الشباب الثائرين بأن هذه النقطة بالتحديد مفصلية وخطوة ضرورية في مسيرة الألف ميل التي ستجتازها الثورة قبل تحرير الدولة، وبالإصرار عليها، يمكن تحويلها الى كعب أخيل المنظومة الفاسدة.

 

لا نعلم تحديداً بماذا شعرت السيدة الوزيرة وهي ترقب من مكتبها مواطنين يطالبونها بفحص ضمير والعودة الى ممارسة أقلّ واجباتها، تكفيراً عن دخولها اللعبة السلطوية وتفخيخ تشكيلات مجلس القضاء. بَيْدَ أنّ الرهان سيبقى قائماً على برهان تقدّمه الوزيرة النظيفة الكف عن سلوك مهني رفيع يليق بهذا المنصب بعد ثورة 17 تشرين.

 

كل مَطالب المواطنين والثورة أولويات. محاربة الفساد، استعادة الأموال المنهوبة والودائع، الكهرباء، الاتصالات، التوظيفات غير الشرعية في القطاع العام، المحسوبية والزبائنية والمحاصصة، الجمارك والمرافئ الرسمية وغير الرسمية، طرقات التهريب المحمية من أجهزة الدولة والميليشيات، السلاح غير الشرعي، موقع لبنان الاقليمي. لكن اولوية الأولويات تبقى قيام قضاء مستقل ونزيه يعيد الى اللبنانيين الثقة بهذا الحصن المانع للاعتداء على حقوقهم وحرياتهم. وشرط قيامه وجود قضاة شجعان، خطُّهم الأحمر قانونٌ لا يعلوه سياسي مهما علا كعبه، ولا صاحب مال مهما طالت ثروته وانتشرت رشاويه، ولا رجل دين مهما تسلَّح بالحساسيات وهدَّد السلم الأهلي.