IMLebanon

معاداة الخليج: إغراق لبنان

 

 

قد لا يكون مؤتمر “المعارضة الخليجية” الذي رعاه “حزب الله” في الضاحية الجنوبية أمس إلا فقرة في سلسلة مواجهاته الاقليمية عبر دوره في المحور الإيراني، لكنه عملياً فصل جديد في سلسلة الاعتداءات المباشرة على مصلحة الدولة اللبنانية ومئات آلاف اللبنانيين.

 

ولا يظنَّن مزايد أن الاعتراض على المؤتمر نابع من سلوك قمعي غير ديموقراطي نحجُر بموجبه على “الرأي الآخر” مفترضين أننا أصحاب حق مطلق، بل لأن الطرف المؤتمِر بمنظميه والمشاركين فيه لا يملك الحد الأدنى من الروح الديموقراطية بما هي تبادل آراء سلمي، بل يَعتبر مساحة الحرية المتاحة في لبنان معسكرَ تدريب وفرصة لبث مفاهيم جديرة بالأحزاب التوتاليتارية والعقائد المتطرفة.

 

لحسن الحظ لا يعيد إلينا انعقاد مؤتمر الخليجيين المعارضين “الزمن الجميل” أيام السبعينات حين كانت البلاد مفتوحة لمن شاء مناهضة دولته انطلاقاً من لبنان. وهو زمن يستحق “جماله” نقاشاً موضوعياً عن حدود الحرية ودور الدولة. فذاك النوع من الحرية الذي كنا نشجع عليه ناجم حتماً عن ضعف في الدولة أدى الى “حرب السنتين” وما تناسل منها وصولاً الى “الزمن الأجمل”، حيث لا دولة ولا مؤسسات ولا حدود ولا قيمة لعملة وطنية ولا لإنسان داخل هذا الكيان.

 

إنتهى زمن الأوهام الثورية بعدما دفع لبنان الغالي والرخيص وشبع من ضريبة الدم. يريد “حزب الله” من خلال تنظيمه مؤتمر معاداة الخليج العربي إعادتنا الى وراء. وهو ليس مستفيداً من مناخ الحرية الذي يميز لبنان والذي يشارك القائلين بأنه أتاح “المقاومة”، بل يستغل فائض قوته العسكرية ليفرض على الدولة اللبنانية سياسات لا تلائم إلا مشروعه فوق الوطني، وأن تكون شاهد زور مسلوب الرأي، ويحوِّل استنكار وزير الداخلية ورئيس الحكومة جعْل لبنان منطلقاً ضد العرب الى مسخرة لا تليق بهما ولا بموقعيهما.

 

ما كان أي لقاء سياسي معارض أو مؤيد على الأراضي اللبنانية ليشكل خطراً لولا ان حال دولتنا ومواطنيها تدعو الى الشفقة بفعل الأكثرية الفاعلة في “المنظومة”، التي شرعت السلاح غير الشرعي، وغطَّت التدخل العسكري في الإقليم، وتسببت بتفكك أوصال المؤسسات، وأفقدت لبنان مناعة جعلته في موقع الضعيف المحتاج.

 

وما كانت أي دولة ديموقراطية متماسكة لتقبل بانعقاد مؤتمر حبذا لو يكتفي بإعلان المواقف السياسية، لكنه يهدد ويتوعد ويبرر العمل العنفي ضد دول عربية شقيقة تستضيف مئات آلاف اللبنانيين وتؤمن عملهم بكرامة، ولم تنشئ يوماً فصيلاً مسلحاً بحجة “الأخوة القومية” أو الشراكة في الدين، بل مدَّت يد العون للدولة ولكل المواطنين.

 

لا يحتمل “حزب الله” ان يتعرض نفوذه وخطابه السياسي والايديولوجي لنكسات. ولا أن تتعرض هيبته للتآكل على المستويين الداخلي والخارجي بالتزامن مع تسجيل الأذرع الايرانية خسائر في العراق واليمن. لذلك تأخذه العزة بالإثم فيهرب الى التحدي عبر هذا النوع من المؤتمرات وعبر إنكار استحالة المشروع واهتراء أدواته.

 

لن يعيش لبنان أو ينهض من كبوته الا بأفضل العلاقات مع محيطه العربي وخصوصاً الخليجي، وهو ما يوجب وقف التدخل في أي دولة أو التعرض لنسيجها الداخلي، والامتناع عن الانحياز في الشأن الاقليمي، ليس بمعنى تفاهة “النأي بالنفس” بل بمفهوم “الحياد الايجابي”.