IMLebanon

عون يدرس المرابطة على طريق القصر

إعتاد العماد ميشال عون أن يخوض معاركه على دائرةٍ تُقارب الـ 360 درجة، وهذا ما يفعله اليوم. ففي الأجواء رائحة دوليّة لتسوية مرحلية تشمل انتخاب رئيس. وهناك مبادرة حوارية طرَحها الرئيس نبيه برّي لتحريك الحكومة والمجلس بالحدِّ الأدنى. ولذلك، يَرفع «الجنرال» استنفارَه إلى الأقصى، لأنّه يخشى أن يتجاوزَه الحوار. إنّها الفُرَص الأخيرة لبلوغِه قصرَ بعبدا!

بَعد الحراك الشعبي الأوّل الذي جاءت نتائجه مخيِّبة للتوقّعات، حقَّقَ عون نجاحاً جماهيرياً في ساحة الشهداء، ففاجَأ الجميع ولا سيّما الشامتين الذين استندوا إلى ضعف الحشد الشعبي ليقولوا بتراجع شعبية عون.

ولذلك، هو اليوم يَخوض مواجهة مزدوجة: يريد أن يردّ الصاع صاعين للحراك المدني الذي «سلبَه شعاراته» كما يقول، ويريد فَرضَ حضورِه على القوى السياسية التي لا تريده رئيساً للجمهورية. وهذه القوى تتمركز في صفّ الخصوم والحلفاء على حدّ سَواء.

ومشكلة عون مع الحراك المدني معنوية. فالقيِّمون على الحراك أدرجوا صورتَه بين صوَر السياسيين المتَّهَمين بالفساد، ولم يرَحّبوا بزيارة الوزير الياس بو صعب لمكان الاعتصام. وهذا الموقف أقلقَ عون الذي بنى شعبيتَه على شعارٍ يقول إنّ الطبقة السياسية كلّها فاسدة… باستثنائه وحدَه. ويحاذر عون اهتزازَ صورته، خصوصاً بعد الضجّة التي أثارَتها تزكية الوزير جبران باسيل لرئاسة «التيار».

لكنّ المعركة الأشدَّ شراسةً، و»المصيرية»، هي تلك التي يَخوضها عون مع القوى السياسية التي ترفضه كرئيس للجمهورية. والأمر لا يقتصر على 14 آذار، بل أيضاً وخصوصاً على الرئيس برّي الذي وجَّه الدعوة إلى الحوار.

فالحوار سيَحمي الحكومة التي يستهدفها عون، وهو سيُزَكّي الرئيس التوافقي لا عون، إذا تمَّ التفاهم على رئيس. ولذلك، تتوقّع الرابية أن يخوض عون معركةً على طاولة الحوار تفوق بشراستِها تلك التي يخوضها في داخل الحكومة.

وأساساً، لم يكن هناك «كيمياء» في أيّ يوم بين عون والرئيس برّي. ومع أنّ أحدَهما للآخر هو حليف الحليف، فالمعارك التي دارت بينهما أشرسُ من تلك التي يَخوضها الخصوم السياسيون. وحتى اليوم، بقيَ برّي هو الرابح في غالب الجولات.

ويتردَّد في بعض الأوساط السياسية أنّه في ظلّ الحملات التي شنَّها الوزير جبران باسيل على رئيس المجلس، هناك مَن طرَحَ أن يَجري الردُّ عليه بالوقائع والأرقام. كأن يقوم البعض مثلاً، مستعيناً بقيود وزارة المال، بإعداد تقرير مفصَّل بالأملاك العقارية التي تعود إلى باسيل.

وهذا الأمر سيَطرح أسئلةً عن كيفية حيازة الرئيس الجديد لـ»التيار» هذا الحجمَ الوافرَ مِن الممتلكات، ومِن أين له هذا؟ لكنّ القيام بذلك، في ظلّ توَلّي الوزير علي حسن خليل لوزارة المال، لن يُبقيَ للصلح مطرحاً.

ومراعاةً لرغبة «حزب الله» في الحفاظ على شعرة معاوية بين الحليفين الشيعي والمسيحي، تفَضِّل أوساط رئيس المجلس عدمَ الذهاب بالمواجهة مع عون إلى حدود عالية. واكتفَت بالتزام موقف يتعارَض مع موقفه في الحملة على الحكومة.

وفيما كان كوادر عون يبحثون في الأسباب الكامنة وراء فشل التجييش في حراكه الشعبي الأوّل، فوجئ الجميع بالحشد الشعبي في المهرجان الذي خطبَ فيه برّي، في النبطية. فهو كان رسالة إلى الذين يعنيهم الأمر. ولذلك، رفعَ عون مستوى التجييش إلى أقصاه في التظاهرة الأخيرة. فعرْضُ القوة شعبياً هو محاولةٌ لترجمةِ القوّة سياسياً.

وجاءَت خطوة الحوار، بالتنسيق مع النائب وليد جنبلاط، بمثابة «ضربة معلِّم» للحراك المدني وعون على حدّ سَواء، إذ ليس في استطاعة «الجنرال» إلّا أن ينصاع للحوار ويراعي متطلّباته.

ولكن، هل ستُبقي الرابية ورقة الشارع في يدها، لموازنة الضغط الذي سيتعرَّض له عون في الحوار؟

مصادر «التيار» تؤكّد أنّ الاتّجاه هو للتصعيد في استخدام ورقة الشارع، في موازاة الحوار. وإذا جرى تجاهلُ الطروحات التي ينادي بها عون فإنّ الرابية ستدفَع بالشارع نحو اتّجاهات أشدّ فاعلية. وبَعد النجاح يوم الجمعة في بيروت، يَجري البحث جدّياً في تنظيم اعتصام شعبي على طريق القصر الجمهوري في بعبدا.

وتوضِح المصادر أنّ هذا التصعيد سيَعتمد الوسائل السِلمية والديموقراطية تماماً، بحيث يتمّ رفعُ الشعارات بالأسلوب الحضاري الذي ميَّز الحراك الأخير في ساحة الشهداء، وتحت حراسة الجيش والقوى الأمنية.

لكنّ المصادر لا تبدو متفائلة بما يمكن أن يخرج به الحوار من خطوات على الصعيد السياسي أو الدستوري. ولذلك، نجحَ عون في استنهاض «خلاياه النائمة» جماهيرياً، ولكنّه لم يستطع تجاوزَ المأزق الأساسي، أي القدرة على تثمير هذا الحراك سياسياً. وهذا مأزق غالبية القوى الداخلية، والمسيحية خصوصاً.