IMLebanon

من عظّم صغائر الأمور ابتلاه رب العالمين بكبائرها

 

للأسف الشديد نعيش اليوم في واحدة من أكثر مراحل تاريخ لبنان دقة وصعوبة، إذ لو حصل تصادم سيارتين سيُفسّر الحادث سياسياً: هذه سيارة يقودها شخص من 14 آذار وذاك من 8 آذار(…) والباقي معروف! وهكذا فإننا اليوم نعيش لحظة بلحظة… وأي حادث أو حراك يجري استغلاله و”يجب” أن يُربط بالانتخابات النيابية المقبلة.

 

 

إنطلاقاً من ذلك نستغرب أنّ قصة زياد عيتاني التي هي واضحة وضوح الشمس تأخذ هذه الأبعاد، فكل ما هنالك أنّ المقدّم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج، التي كانت المسؤولة عن جرائم المعلوماتية سجّلت كلمة Like على تغريدة للفنان شربل خليل هذا نصّها: “خبر السماح للمرأة بقيادة السيارة في السعودية جاء منقوصاً فقد سمح لها فقط بقيادة السيارة إذا كانت مفخخة!!”.

 

 

وعلى الأثر نُقلت الحاج الى موقع آخر في السلك، خصوصاً أنّ أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي شهّر بالمقدّم الحاج ولكي “تربّيه” فبركت له أنه يتعامل مع إسرائيل، وأنه على صداقة مع فتاة إسرائيلية تدعى كوليت (كما بات معروفاً…).

 

 

ومن أسف وقع في الفخ جهاز أمن الدولة الذي اعتبر أنه اصطاد صيداً ثميناً، وبدأ الإعلام، بأنواعه كافة، يطبّل ويزمّر بأنّ زياد عيتاني عميل لإسرائيل…

 

 

شعبة المعلومات التي أحيل إليها الملف بعد سحبه قضائياً من جهاز امن الدولة، تبيّـن لها أنّ التهمة الى عيتاني مفبركة… خصوصاً وأنّ “المعلومات” تملك الوسائل الأكثر تطوراً والخبرة الوافرة في هذا الموضوع.

 

 

وللتذكير فإن هذا الجهاز كشف وألقى القبض على 33 شبكة تجسّس لإسرائيل ولم يؤخذ عليه أي مأخذ… كما كان هو وراء كشف إحدى أبرز القضايا التي هزّت الرأي العام وكان سيترتب عليها نتائج مأساوية كبرى وهي قضية ميشال سماحة التي اعتبرت إنجازاً كبيراً للمرحوم وسام الحسن، وكان يومها اللواء عثمان بمثابة اليد اليمنى للشهيد الحسن.

 

 

الى هنا، والمسألة في يد القضاء، والأجهزة اللبنانية الامنية هي اليوم من أهم الأجهزة الأمنية في العالم وقد حققت إنجازات باهرة في مجال الأمن الوقائي… ولقد كان لوزير الداخلية نهاد المشنوق الدور الفعّال في ذلك من خلال مساعيه الحثيثة التي أدّت الى تحقيق التنسيق بين قوى الأمن الداخلي والجيش، كما بين مختلف الأجهزة الأمنية (الأمن العام، مخابرات الجيش، “المعلومات” وأمن الدولة).

 

 

وفي تقديرنا أنه يجب وقف استغلال قضية عيتاني – الحاج، وضرورة تركها الى القضاء الذي يقوم بواجبه، خصوصاً أنّ في هذا القضاء نخبة مهمة من أصحاب العلم والفقه والأخلاق والضمير… ويكفي أنّ في هذا السلك القضائي سيّدة مثل الرئيسة جوسلين متّى التي أصدرت قراراً غير مسبوق سيسجّله التاريخ بأحرف من نور عندما حكمت على مراهقين بأن يقرآ ويحفظا آيات من القرآن الكريم (سورة آل عمران) حول السيدة مريم العذراء وقد كانا أحيلا الى القضاء بتهمة الإساءة إليها… وعليه فإنّ هذا القضاء يستحق التقدير وليس التشكيك في كل ما يصدر عنه.

 

 

أمّا بعض المزايدين في موضوع العلاقة مع إسرائيل فنحن نعرف المداخلات من “حزب الله” في أحكام صدرت بحق المتعاملين مع إسرائيل وأبرزهم العميد فايز كرم… وليت هؤلاء المزايدين يكفّون عن مزايداتهم، ولا ينصّبون أنفسهم قضاة على القضاة، وشرفاء على الناس أجمعين… فالأمر يجب أن يُحصر في مساره الطبيعي والمنطقي الذي هو ترك القرار فيه الى المرجع الصالح وهو القضاء… أما ما سوى ذلك فليس إلاّ محاولات للمزايدات حيناً وللعرقلة حيناً آخر ولتمويه الحقائق في كل حين.

 

 

عوني الكعكي