IMLebanon

“غوغل” لن يُشارك في 1 أبريل… والكذّابون مُنهكون!

 

أي الطرق أقصر؟

نضحك؟ نحزن؟ نفبرك الأكاذيب أو نعيش في أكاذيب “أهل السلطة” أو نبتسم لأننا، لأول مرة في التاريخ، نحيا “أوّل نيسان” مع حالنا في حقيقة، أشبه بالخيال، نتمناها أكذوبة؟

 

كل الأكاذيب تطفو اليوم

 

اليوم هو أول الشهر، هو الأول من نيسان، هو يومٌ مسموح فيه رسمياً الكذب، على أن يكون كذباً أبيض، غير كلّ الكذب الأسود، القاتم، الحقود الذي نعيشه على مدار 364 يوماَ!

 

أخبارٌ أخبار كما رذاذ المطر. خبرٌ صدر للتوّ: إرشادات في الولايات المتحدة الأميركية بترك الأشخاص المصابين بالشلل الدماغي والتوحّد ومتلازمة داون والمسنين يموتون إذا أصيبوا بفيروس كورونا! خبر صحيح؟ نتمنى أن يكون كذبة بيضاء وليس قراراً أسود. موقع “غوغل” الذي كان يستعدّ طوال العام ليجعلنا نُصدق كذبة خيالية يُطلقها في مثل هذا اليوم “رفع العشرة “معلنا” أن غوغل لن يشارك بهذا التقليد هذه السنة إحتراما لجميع من يحاربون جائحة “كوفيد 19″ والموقع أوقف أي جهود مركزية لكذبة الأول من نيسان”.

 

لا تكذبوا اليوم. إجعلوا هذا النهار يمرّ بلا تضليل ولا ألاعيب ولا Fake news ! وإذا أصريتم على هذا التقليد فلتكن كذباتكم كما كذبة نجيب حنكش الإعلامي- العازب الذي قرر ذات يوم، أيام تلفزيون لبنان الذهبية و”حنكشيات منوعة”، أن يتزوج الفتاة اليافعة بارعة مكناس علم الدين (حماة جورج كلوني)، التي تصغره بأربعين عاماً. والناس، كما عاداتهم دائما، حملوا “الخبرية” ونسجوا حولها التفاصيل ونعتوه “بالختيار” الذي يعيش “جهلة السبعين”. كانت كذبة جميلة لم ينسها أحد. وقد كللهما على الطقوس البيزنطية الإعلامي الرياضي لبيب بطرس.

 

الإنسان يكذب 200 مرة على الأقل يومياً، بمعدل كذبة واحدة كل خمس دقائق، بهدف أن يحمي نفسه من اللوم أو في سبيل تحقيق مأرب وغاية. نحن، اليوم، في الحجر. وأن نكون لوحدنا، بين أربعة جدران، ليس معناه أننا لن نكذب. لكن، حول ماذا تتمحور كذبات هذه الأيام؟ الثابت أن لا شيء يعلو على كورونا! أخبار وتلفيقات وقصص وحكايات و”ملح وبهار”. كريستيانو رونالدو أصيب بكوفيد 19. خبر كرج مثل مجرى النهر الهادر. الفيروس نتيجة تجربة بيولوجية فاشلة. تمّ تطوير الفيروس التاجي في المختبرات الصينية أو الأميركية أو الفرنسية. البابا فرنسيس أصيب بالفيروس… تُرى لماذا تتفشى بهذا الشكل الأخبار الكاذبة؟ هل الناس ساذجون أم أن هناك من يعرف أكثر من سواه كيف “يعزف” على “وتر” قلق الناس؟

 

لا يختلف اثنان على أن الأشخاص بغالبيتهم يتشاركون في نشر الأخبار المزيفة من أجل التسلية والمتعة. ثمة إحساس غريب يعتري من يكذب حين يكتشف أن كذبته انطلت على الكثيرين. هو شعور بالإنتشاء. وهل هناك أجمل من تلفيق الأخبار عن الخفافيش والمشاهير؟ لكن ماذا عن الأكاذيب التي لفقت في الآونة الأخيرة عن العلاجات المحتملة لمواجهة الفيروس؟ سمع ملايين البشر عن فضائل الكلوروكين المفترضة وعادوا وسمعوا عن مخاطر الكلوروكين المفترضة. وبين الصحّ والخطأ كرجت التأويلات والتلفيقات والأكاذيب.

 

وكأن الأول من نيسان هو السائد الأول كل يوم.

 

اليوم عيد، عيد الكذب، الذي يأتينا والأكاذيب والأخبار الملفقة بالأرطال. في هذا اليوم ننضمّ الى القائلين ان لبنان، الوطن الذي تنشقناه أريجاً، هو وهم. هو، بجبله وسهله وعبوره للطوائف، كذبة. والأيام أفضل جهاز لكشف الكذب.

 

هناك مقولة ملفتة: حينما تكذبون حاولوا ان تفعلوا بإتقان وتحترموا ذكاء الآخرين. فهل سمع السياسيون في بلادنا بها؟ فلنصغِ بانتباه شديد الى آخر الخطابات والمقابلات التي شارك فيها هؤلاء في الشهرين الماضيين ولنميّز وحدنا الصدق من الكذب. الصوت الخفيض يدل على أن الشخص الذي نصغي إليه متوتر أو كاذب أما الصوت الحاد فيدل، في علم النفس، الى محاولة السياسي، غير الصادقة، للإثارة. وفي كلا الحالين قد تنقبض العضلات وتتقلص كمية الدم التي تضخّ في الحبال الصوتية، ما يتسبّب بتموجات صوتية ورجفان في نبرة الصوت. إنتبهوا الى السياسيين جيداً وهم يتكلمون. فالذين يلفّقون خبراً (أو أخباراً) يناورون بأيديهم، في شكلٍ لاشعوري، أكثر من سواهم. نراهم يحكّون أنوفهم أو يلعبون بشحمات آذانهم أو شعرهم أو يكثرون من استخدام إشارات اليدّ أو يطقطقون الأرض بأقدامهم في محاولة ساذجة لإخفاء حقيقة أنهم يكذبون وإلهاء الناس. هؤلاء نعرفهم، أو سنعرفهم، من تعابير وجوههم ولا سيما عضّ الشفتين وابتسامات الإستهزاء وهز الكتفين الى الأعلى عند الإجابة على سؤال بجواب: لا أو لست أدري. خصوصا إذا تمّ هزّ كتف واحدة لا الإثنتين.

 

كذابون كذابون… وهذا هو “يوم الكذب”، أي يوم أكثرية من يمسكون بزمام أهل الأرض على هذه الأرض. نحن نطلق على هذا اليوم “كذبة أول نيسان”. الفرنسيون يسمونه Poisson D’avril. في الولايات المتحدة الأميركية يسمونه April fools’ day. وجميعنا نبتسم كثيراً لأكاذيب هذا اليوم حتى ولو كنا عالمين أنها ترجمة علنية لما نحياه طيلة السنة. اليوم، سنحاول أن نبتسم ونمازح بعضنا بعضاً “فيسبوكياً” وسنشهد أمطاراً من البوستات المذيّلة بعبارة “1 أبريل” وسننسى لساعات أنها إمتداد لأيام سبقت وأيام ستلي. مع فارق أنكم لن تتمكنوا اليوم من رؤية إنعكاس كذبتكم على وجوه المتلقي ولن يستطيع أحد أن يضع على ظهوركم رسم سمكة من “أسماك نيسان”.

 

السياسيون أنفسهم يحكون ويسهبون عن “الكذب” الذي يمارسه سياسيون وأصحاب قرار طيلة أيام السنة. لكن، حين يدق “الكوز بالجرة” يعودون ويسحبون كلامهم. أفلا تتذكرون يوم نعت الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو “بالكذاب” وعاد وأرسل له رسالة ديبلوماسية ذيلها بعبارة: مع فائق الإحترام والمودة”. كذابان. السياسة كذب ومن يخرج منها “صاغ” له كل التحيات.

 

 

 

 

 

لا تصدقوا

 

 

كثيرون سيهزّون رؤوسهم بالموافقة على أن عماد السياسة الكذب لكن، هؤلاء أنفسهم، سيقترعون ويرفعون الرايات الى سياسيين كاذبين. لماذا؟ لم ينس العالم أن دونالد ترامب، وسواه في الغرب وفي الشرق، ممن ضلّلوا الناخبين في حملاتهم الإنتخابية أصبحوا أسياداً في البيوت الرئاسية. فهل الناس غير حساسين للأكاذيب أم أن هؤلاء الناس ما عادوا يهتمون بالحقيقة ولا يأبهون بأن للكذب يوماً واحداً لا 365 يوماً؟

 

تثبت الدراسات أن البشر قد يعلمون أن من يتكلم هو كاذب لكنهم قد يتسامحون معه إذا كانوا يحبونه. هناك انفصال هائل بين ما ندركه من حقيقة ومن ندعمه “بالروح وبالدم”.

 

موقع “غوغل” لن يكذب علينا اليوم. وهو الذي قال لنا قبل أعوام، في يوم الكذب العالمي: أصبح بمقدوركم تغيير الطقس إذا لم تحبوه الى شيء أكثر قبولاً. ويومها صدقناه وقرأنا للتأكد. وعاد وقال لنا: أصبح هناك تطبيق يُمكّننا من ترجمة مواء القطط وعواء الكلاب الى اللغة الإنكليزية. صدقناه وقرأنا. وعاد وأتحفنا بخبر عن خطط لاستعمار كوكب المريخ. وصدقناه أيضا وأيضا. وعدنا وصدقناه يوم كذب علينا وأخبرنا أنه بات في مقدورنا إستخدام الهاتف الخليوي لتحديد مكان الجوارب الضائعة. تُرى لو أخبرنا قبل عام أو عامين أن جرثومة غير منظورة ستجعل العالم يبقى أسيرا، طوال أشهر، بين أربعة جدران هل كنا صدقناه؟

 

 

 

 

 

فرمانات سياسية

 

 

الكذب بحاجة الى خيال. والخيال يشتدّ في كلّ أول نيسان لكن، هذه السنة، إختلفت الأمور والمسائل كثيراً وبتنا في عالم خرافي مفتوح على مجهول.

 

أكذبوا أكذبوا اليوم فقط واستريحوا غداً. وتذكروا أن الرجال يكذبون بنسبة عشرين مرة أكثر من النساء لكن النساء، حين يكذبنَ، يقنعنَ أكثر. تُرى، سيكون هذا سبباً إضافياً لتمكين المرأة من الإمساك بمفاصل السياسة في العقد المقبل؟

 

العصافير قد تتظاهر بالألم وتتلوى أمام الحيوانات التي تحاول إفتراس صغارها في العش. العنكبوت قد يتخفى هو ايضا بقشور وتحت حطام وأنقاض للهروب من أعدائه. والإنسان قد يفعل هذا لينجو من شيء ما. فليكذب الإنسان كذباً أبيض لكن فلنقل له، ايّاً يكن، حين يكذب بوقاحة كذباً أسود: أنت كذاب! ولنبدأ من اليوم في عيد الكذابين.