IMLebanon

13 نيسان: ما الذي تغيّر؟

 

هذا الصمت المطبق الذي يفرضه فيروس “كورونا” على الشوارع، تكتسيه ملامح ذكرى 13 نيسان، وتكتسحه بأفكار من عايش جولات العنف والموت التي اندلعت منذ ذلك اليوم من العام 1975، وصولاً الى اتفاق الوفاق الوطني في الطائف.

 

هذا الموت للشوارع ولمفاصل الحياة هو نفسه، تحديداً في مناطق بعينها شكّلت محاور ما بعد 13 نيسان لتفصل اللبنانيين عن بعضهم البعض دينياً ومذهبياً.

 

حينذاك كان الصمت الفتاك يهيمن على “الرينغ” (جسر فؤاد شهاب) عقب كل جولة قتال أو حفلة قنص. وكان يستمر حتى تأتي الأوامر بإعادة إحياء الجبهة، فتكسره وتكسرنا.

 

ولفرط ثقله، كنت، آنذاك، أتمنى لو يعود القتال الذي يصبح مؤنساً أكثر منه. حينذاك كان الهواء يحرك ركام الحرب تحت الشرفة المطلة على الرينغ، ليصير غولاً عملاقاً قادراً على تسلق الشرفة والتهامي مع أطفالي. ولا أحد كان سينتبه.

 

ففي الحروب الأهلية كما في الحجر الإلزامي، يشعر الواحد منا أنه مسلوخ عن كل خارج، ومتروك لحاله. أي أنه يصبح حالة فردية يغرقها الصمت مهما سعينا الى كسره بأصوات داخل الجدران.

 

وفي 13 نيسان يأخذ صمت “كورونا” أبعاداً تزوّده بأدوات استعاراته من الذكرى التي يطيب لنا كلبنانيين إسترجاعها كفولكلور، ليس لنتعظ ونتعلّم، وليس لنكتشف أن هذا التاريخ لا يزال قائماً وجاثماً على مفارق حياتنا.

 

حينذاك، كان كل شيء يقطع النفس. واليوم لا يزال كل شيء يقطع النفس، وذلك قبل أن يشرِّفنا الفيروس.

 

كنا ننتظر تصريحات أمراء الحرب الأهلية، علّها تحمل ما يؤشر الى تعب وإكتفاءٍ من القتل والتصعيد. واليوم لا نزال ننتظر تصريحات أمراء حرب ما بعد الطائف وما بعد 14 شباط 2005.

 

ولا نزال نحلم بلبنان قوامه أمان وعدالة وسلام ودولة مؤسسات، ويسقمنا أن أحلامنا دونها متاريس يرفعها من يفرض شروطه مستقوياً بفائض قوته ومتحصناً ببيئته المذهبية وإمتداداته الإقليمية.

 

اليوم، لا يزال كل أمير حرب في مستعمرة ما بعد الطائف، يعتبر أنه على حق، وحده دون سواه، وأن الآخر خائن مجرم يحمل، وحده دون سواه، كل تبعات القرف والارتكابات التي أحالت حياتنا جحيماً أبشع مما خلفه تاريخ 13 نيسان.

 

لا أحد من المتسلقين للنفوذ بقوته أو بقوة من باعه نفسه، يريد أن يعترف أنه مجرم حرب. ولا يرى كم أنه مجرم حرب. ولا يرى كيف يقتل عن سابق تصور وتصميم مستقبل كل اللبنانيين.

 

لا أحد من المتسلقين للنفوذ بفساده، يريد أن يعترف بأنه ثري حرب، بقذائف أو من دونها، بمتاريس رملية أو بمتاريس إعلامية.

 

بعد 45 سنة، لا يزال أمراء الحرب، يجهدون لمصادرة أبناء بيئتهم المذهبية ويغذون إنعزالهم، ويهوِّلون عليهم بالآخر “الإرهابي” الذي يتربّص بهم شراً. ولا يتوانون عن التلويح بالفيدرالية والكونفدرالية، بحجة حماية المذهبيين المستسلمين للتهويل، بحجة حمايتهم.

 

13 نيسان: ما الذي تغيّر؟ حين صغار النفوس من أتباع أمراء حرب ما بعد الطائف، يتباهون متبجحين بجرائمهم… و”بلطوا البحر”.