IMLebanon

هل «أفرَغت» عمان زيارة بايدن من أهم أهدافها السلمية؟

 

 

منذ أن كشف عن مجزرة مستشفى «المعمداني» التي نفذتها اسرائيل في غزة، تبيّن للمراقبين حجم العقد التي تواجه المبادرة التي تحضّر لها المجموعة العربية لإحياء المبادرة العربية للسلام التي أقرّتها قمة بيروت عام 2002، سعياً الى وقف العمليات العسكرية. ولمّا تلاها إلغاء الاردن زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن لعمان وصرف النظر عن القمة الرباعية التي كانت تستعد لاستضافتها بمشاركته طُرِح السؤال هل أفقدت هذه الخطوة زيارة بايدن للمنطقة ما أُريد منها؟

 

بالإضافة الى حجم ما تركته المجزرة التي نفذتها احدى الطائرات الاسرائيلية في مستشفى المعمداني في غزة، تلاحقت التطورات الدراماتيكية على وقع الجدل الذي أثارته الرواية الاسرائيلية التي رغبت تل أبيب بتسويقها رفعاً للمسؤولية المُلقاة عليها بكل المعايير الانسانية والاخلاقية بعدما وضعتها على لائحة المؤسسات الصحية التي عليها وقف خدماتها لأبناء القطاع من ضمن المراكز الطبية التي هددت بقصفها ولا سيما منها تلك التي تفتقِر معظم أحياء القطاع لسواها.

فقد بات واضحاً انّ العملية الاسرائيلية المشينة في وضح النهار، والتي لم تتوافر أي تعابير معتمدة بلغات العالم لِتَوصيفها وتبريرها، قادت الى مجموعة من النكسات التي أصابت الجهود السياسية والديبلوماسية المبذولة في أكثر من عاصمة اعتبرت معنية بمجريات العمليات العسكرية الدائرة منذ 7 تشرين الأول الجاري. ولعل ابرزها تلك التي بادرت إليها المجموعة العربية الرباعية التي ضمّت كلّاً من مصر والمملكة العربية السعودية وقطر والاردن، التي استقبلت وودّعت المبعوثين الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين والألمان ومن دول مختلفة سعت الى تطويق العمليات العسكرية المتواصلة التي عبرت أمس يومها الحادي عشر في قطاع غزة وغلافه وعلى مساحة الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها المدن والكيبوتزات الإسرائيلية ومطاراتها المدنية والعسكرية وصولاً الى الحدود مع لبنان وسوريا والأردن ومصر.

 

ولا يتجاهل المراقبون عند إحصائهم لأولى تداعيات المجزرة، أن قطع الرئيس الفلسطيني محمود عباس اللقاء الذي كان يجمعه ومسؤولين أردنيين بوزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن في عمان رفضاً لِما انتهت إليه هذه العملية. قبل ان يعلن الاردن رسميا على لسان وزير خارجيته أيمن الصفدي بـ«انّ المملكة قررت عدم عقد القمة الرباعية التي كانت مقررة في عمان غداً (أمس) وكان من المقرر أن يشارك فيها الرئيس الاميركي جو بايدن والرئيسان المصري الفلسطيني والملك المضيف. على خلفية أن «لا فائدة للحديث مع بايدن في أي شيء بعد مجزرة المعمداني في غزة، فواشنطن عاجزة عن وقف الحرب». ومؤكداً انه «لن تكون هناك زيارة للرئيس الأميركي إلى الأردن»، والتي كان من المقرر ان تشكل محطته الاولى في جولته على المنطقة.

واستناداً الى ما تقدّم من هذه المعطيات، فقد كشفت المراجع الديبلوماسية ان اولى الاهداف التي قصدتها اسرائيل من «مجزرة المعمداني» هو وقف الحديث عن مبادرة تستعد لإطلاقها مجموعة الدول العربية والخليجية الأربعة التي شكلت غرفة عمليات ديبلوماسية وسياسية مشتركة بالتعاون والتنسيق مع كل من الولايات المتحدة وتركيا من دون استبعاد دور إيراني ما في العملية السلمية أن انطلقت. بعدما أصرّت قطر والسعودية على إعطائها ايّاه ضماناً لوقف نار شامل يمتد لثلاثة ايام ومعها مجموعة من الخطوات التي يجب القيام بها توصّلاً الى حل نهائي يؤدي الى احياء مشروع الدولتين على ارض فلسطين التاريخية كما قالت به مبادرة بيروت للعام 2002.

 

وأضافت المراجع الديبلوماسية عينها، أن ما كان مطروحاً قبل مجزرة المعمداني كان يَنحو الى أن الحل السياسي والديبلوماسي يمكن ان يتجاوز الحلول العسكرية المطروحة على الساحتين الاسرائيلية والفلسطينية. وتسرّب من بعض العواصم العربية المعنية ولا سيما منها الرياض والقاهرة وعمّان انّ المساعي المبذولة أدت إلى توحيد الرؤية حول ما يمكن القيام به عشية وصول الرئيس الاميركي الى المنطقة بعدما سبقته دعوات وزير خارجيته انتوني بلينكن الى حصر العمليات العسكرية بالساحات المفتوحة حتى اليوم والعمل دون امتداده الى دول اخرى.

فقد كان بلينكن واضحاً في تأكيد ضمانات بلاده للحؤول دون أي احتكاك عسكري في شمال اسرائيل باتجاه لبنان او في شرقها من الجانبين السوري والاردني، وجنوبها في اتجاه الاراضي المصرية تمهيداً لمعالجة الوضع المتفجّر بأولى الخطوات الالزامية المؤدية الى وقف للعمليات العسكرية لثلاثة اشهر على الأقل بطريقة تُرضي الجانب الاسرائيلي المصدوم من عملية 7 تشرين ونتائجها على هيبة حكومته وجيشه وادخال المعونات الإنسانية والطبية والغذائية المختلفة الى قطاع غزة تلبيةً لطلب الدول العربية لإنقاذ سكانه مما هو أسوأ حتى اليوم.

 

والى هذه الإجراءات الفورية، فقد تواصلت المساعي المبذولة لرسم خريطة طريق الى ما يمكن تسميته بتسوية سياسية تعقب معالجة الجانبين العسكري والامني توصّلاً الى حل مبرمج يؤدي الى بدء البحث في تشكيل قوة مشتركة تركية ومصرية وربما شارَكت فيها قوة خليجية رمزية للفصل بين القطاع وغلافه تمهيداً لتحديد مصير اسلحة حماس والمنظمات الحليفة غير التقليدية، وإحياء دور الشرطة والمؤسسات الامنية العائدة للسلطة الفلسطينية و»ترحيل قادة حماس والفصائل الحليفة الى حيث يشاؤون» تمهيداً لإفراغ السجون الاسرائيلية والفلسطينية من الموقوفين والسجناء والاسرى الى حدود «تصفيرها» قبل بدء المساعي للبحث في ترجمة التفاهمات السياسية المؤدية الى قيام الدولتين وفق ما قالت به مبادرة بيروت.

 

وتضيف المراجع الديبلوماسية ان كل هذه الأفكار جملة وتفصيلاً كانت ستطرح على طاولات المؤتمرات المختلفة بدءا بالقمة الرباعية في عمان التي أُلغيت، في انتظار اعمال «الاجتماع الوزاري الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي حول غزة» المنعقد منذ أمس في جدة قبل الانتقال الى ما سَمّته مصر «قمة القاهرة للسلام» التي ستعقد السبت المقبل في العاصمة المصرية بعدما وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي الدعوات الى ملوك ورؤساء دول عربية عدة، أبرزها: السعودية، الإمارات، الكويت، الأردن، وقطر، بالإضافة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس والجامعة العربية بمشاركة استثنائية من كلّ من الرئيسين الاميركي بايدن والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كما تطمح إليه مصر، تحت شعار كشفَ عنه وزير خارجيتها سامح شكري الذي قال إنها من أجل «أن يتحدث المجتمع الدولي من خلال قادة دول لها تأثيرها ومكانتها، سواء كانت إقليمية أو دولية، بصوت واحد لتأكيد ضرورة التهدئة ومراعاة الأوضاع الإنسانية، وفتح آفاق لتسوية النزاع على أساس حل الدولتين، وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بنحوٍ يحقق طموحات شعوبنا».

وبناء على ما تقدّم من مشاريع الحلول التي توقفت قبل الاعلان عنها تظهر اهمية ما قصدته اسرائيل من «مجزرة المعمداني» لوقف هذا المسار قبل الاقلاع بأولى خطواته. فيما طرحت الاسئلة حول ما يمكن أن يقوم به بايدن، فهل سيعود الى بلاده بعدما أدّى «فريضة» الدعم لإسرائيل قبل تناوله بقية المواقف والحقائق؟ ام انه سيغيّر شيئاً فيَتجاوز تداعيات إلغاء قمة عمان لئلّا تشكل نهاية لمهمته؟ وهل سيتدخل لإطلاق المسارات السلمية الاخرى؟.