IMLebanon

هل الجولات الشعبوية قادرة على الإنقاذ؟

 

ليست بالحالة الطبيعية أن تبقى اجتماعات الحكومة معطلة ثلاثة أسابيع متتالية، بسبب خلافات حزبية طارئة، غابت عنها المواقف الرسمية الحاسمة، من دون الأخذ بعين الاعتبار أوضاع البلد المتردية، والأحوال الاقتصادية والمالية التي لامست حدود الخطر في استمرار تدهورها.

 

لقد ظهرت السلطة خلال الأسابيع الثلاثة وكأنها في حالة غيبوبة، وهي غير قادرة على معالجة ذيول حادثة قبرشمون، والانقسامات بين مكوّناتها، من طرفي هذا الحادث، ضاعفت من حالة الشلل السريري، وأضعف موقف الدولة في التصدي للفتنة التي كادت تُشعل الجبل وتُعيد عقارب الساعة إلى الوراء.

 

حصلت كل هذه التطورات، والموازنة على مشرحة مجلس النواب، والتحركات المطلبية والتحذيرية في الشارع تغلي بالغضب والنقمة على أصحاب القرار، والوضع المالي في العناية الفائقة بعد تعثر الإصلاحات الموعودة لمؤتمر سيدر، وتزايد احتمالات تضييع فرصة الحصول على المليارات المقررة كمساعدات وقروض ميسّرة لدعم الاقتصاد اللبناني، وتمكين الدولة من الحفاظ على التوازن المالي، والعمل على إطلاق عجلة المشاريع التنموية الملحة.

 

ويبدو أن الاختناق المالي للخزينة كان الأكثر تأثراً بالعواصف السياسية، وما تُفجّره من خلافات وصراعات بين أطراف الحكم، الأمر الذي دفع بالبنك المركزي إلى استعجال تطبيق هندسة مالية جديدة، تحمي سيولته الحالية، وتؤمن في الوقت نفسه احتياجات الدولة المالية العاجلة، ومن ضمنها تأمين تغطية استحقاقات سندات الخزينة في العام المقبل، والتي تصل قيمتها إلى خمسة مليارات دولار أميركي.

 

العودة إلى الهندسات المالية، التي جرى اعتماد مثيلاتها في مرحلة الشغور الرئاسي، يعني أن الوضع المالي ليس مريحاً ولا مستقراً، وبالتالي لا بد من حمايته من أي مفاجأة سياسية صاعقة، قد تؤدي بكل الجهود والتضحيات التي بُذلت على مدى سنوات طويلة للحفاظ على ثبات سعر صرف الليرة.

 

وأصبح معروفاً أن مثل هذا التدبير يؤدي عادة إلى ارتفاع الفوائد المصرفية، في الاتجاهين: على الودائع وعلى التسليفات، الأمر الذى سيتسبب بمزيد من الجمود في الحركة الاقتصادية والتجارية، ويُفاقم الصعوبات الخانقة التي يواجهها الاقتصاد اللبناني، في هذه المرحلة الصعبة، لأن أصحاب رؤوس الأموال يُحجمون عن الاستثمار في المشاريع الجديدة، أو حتى التوسّع في أعمالهم الحالية، إزاء إغراءات الحصول على عائدات ريعية مضمونة النتائج تصل إلى أربعين بالمئة على مدى ثلاث سنوات، فيما حالة عدم الاستقرار الراهنة لا تُشجّع على إعطاء الأولوية للاستثمار في مختلف القطاعات العقارية والصناعية والتجارية والسياحية وغيرها!

 

أما الحديث عن أن الهندسة المالية الجديدة تساعد على استعادة قسم كبير من الودائع التي خرجت من لبنان خلال الاهتزاز السياسي والمالي هذه السنة، والتي يُقدر حجمها بنسبة عشرين بالمئة من مجموع الودائع الموجودة في المصارف اللبنانية، نقول أن مثل هذه الأحاديث لا تعني المواطن اللبناني الباحث عن لقمة عيشه بعيداً عن مغارات الفساد في الدولة، بقدر ما يعنيه عودة الدولة إلى سلطتها الشرعية، وإعادة التوازن إلى المعادلة الوطنية، بعد هذا الخراب الذي سببه الاختلال الحالي في التوازنات، بسبب شبق بعض أطراف الحكم، إلى الاستئثار بالقرار والقفز فوق قواعد التمثيل النيابي والطائفي، على النحو الذي يسير عليه «التيار الوطني الحر» في تجاوز بقية القوى المسيحية، والتفرّد بالحصص المسيحية في الوظائف العامة، وتجاوز صلاحيات رئاسة الحكومة!

 

لم يعد سراً أن الوضع الاقتصادي والمالي المتردي في لبنان ناتج عن تراجع مستوى الأداء الوطني عند الأطراف السياسية، وما يؤدي إليه من عدم استقرار سياسي وأمني، ومن فقدان الثقة بقدرة الطبقة السياسية على مواجهة الصعوبات الراهنة بسبب خلافاتها المستدامة، وانعدام الرؤية الواحدة عند أهل الحكم للخروج من دوامة الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية الراهنة.

 

من المشاهد الفولكلورية والشعبوية في لبنان: أن البلد في حالة اختناق سياسي واقتصادي، ويتحمّل المواطن المسكين كلفة الحفاظ على صموده المالي المهزوز، فيما أحد أصحاب السلطة فيه يجول ويصول في المناطق وكأن الجمهورية وناسها بألف خير، متجاهلاً المعادلة الذهبية التي أثبتت نجاحاً في مختلف دول العالم ومفادها: لا استقرار مالياً من دون استقرار سياسي!

 

فهل الجولات الشعبوية قادرة على إنقاذ البلد من دوامة الأزمات التي تهدد ما بقي من الاستقرار الداخلي؟