IMLebanon

الجيش في مواجهة «ذئب» آخر!

 

مع إنتقال البحث في مشروع موازنة 2019 الى لجنة المال النيابية، تراقب قيادة الجيش المسار الذي سيسلكه النقاش، خصوصاً لجهة طريقة مقاربة موازنة المؤسسة العسكرية. ويراهن الجيش على خط دفاع أول في اللجنة، ثم على خط الدفاع الأخير في الهيئة العامة إذا اقتضى الامر، لإعادة تصويب الأرقام التي تمّ العبث فيها على طاولة مجلس الوزراء.

 

معروف عن الجيش أنّه «الصامت الاكبر» في معظم الأحيان، حيث انه يميل عموماً الى قضاء حوائجه بالكتمان. لكن وصول مقصّ التقشف العشوائي الى عقر داره، فرض عليه تغيير نمط سلوكه دفاعاً عن حقوقه من جهة وعن قدرته على الإيفاء بواجباته من جهة أخرى.

 

لم يكن أمراً عادياً ان يرفع العماد جوزف عون الصوت عالياً، وان يحذّر من خطورة استباحة موازنة الجيش، التي يكاد يؤخذ بآراء الجميع فيها، إلّا الجيش نفسه. وعلى رغم من محاولة بعض السياسيين التخفيف من وطأة التخفيضات التي شملت نفقات المؤسسة العسكرية، إلاّ انّ التدقيق في الأرقام يبيّن انّ نسبة الحسومات في مجالات الإنشاءات والتغذية والصيانة والتجهيزات بلغت وحدها نحو 103 مليارات ليرة، من دون احتساب ما يمكن ان يصيب الرواتب والمخصصات التقاعدية من تقليص ايضاً، إذا تجرأ مجلس النواب على الخوض في هذا المضمار الدقيق.

 

كذلك، فإنّ من بين المقترحات، وقف التطويع في الجيش لثلاث سنوات وتصفير التسليح، ما يعني في الإجمال انّ المؤسسة العسكرية ستصاب بالانكماش والترهل، في مرحلة لا تتحمّل أي خطأ في الحسابات.

 

والمفارقة، أنّ وصفة الـ»دايت» التي يُراد للجيش ان يطبّقها تترافق مع استمرار تهديد الإرهاب التكفيري بأشكاله المختلفة التي كان عبد الرحمن مبسوط أحدها، واستمرار الخطر الاسرائيلي الذي يشمل البر والجو والبحر وصولاً الى الداخل اللبناني المعرّض للاختراقات الاستخباراتية. وبهذا المعنى، صار المطلوب من المؤسسة العسكرية ان تعتمد «الريجيم»، في وقت يزداد وزن المخاطر الداهمة.

 

والغريب أيضاً، انّ من ينادي بإنهاء دور المقاومة وحصر حمل السلاح بالدولة هو نفسه يستسهل تقليص قدرات الجيش الى حدود «تصريف الأعمال»، الامر الذي من شأنه أن يُضعف جهوزيته في مواجهة التحدّيات المدعو الى التصدّي لها.

 

ولئن كان الخروج من المأزق الاقتصادي – المالي الذي يواجه لبنان يتطلب تقديم التضحيات وخفض الأعباء الملقاة على عاتق الخزينة، إلّا ان هناك من يعتبر انّ الجيش يجب أن يكون استثناء لهذه القاعدة، لأنّ الاستثمار فيه هو مربح ومضمون، في اعتبار انّ كل قرش يُصرف عليه، سيكون له مردود إيجابي على الاستقرار والمناعة الوطنية، بينما أي قرش يُسحب منه سيترك ثغرة في مكان ما.

 

ويعوّل الجيش على ان يكون له «أنصار» في مجلس النواب، يأخذون بملاحظاته ويدفعون نحو الغاء أو تعديل بنود الموازنة التي تصيبه بنحو او بآخر، وإلاّ فإنّ الكلام المعسول الذي يُغدق عليه في كل المناسبات يُصبح بلا أي قيمة عملياً.

 

ولكن الجيش المنزعج من محاولات التضييق المالي عليه، يحاذر في الوقت نفسه من الإنزلاق الى ردود فعل تتخطّى الهامش الممنوح له أو تعلو فوق سقف القوانين المرعية الإجراء، وبالتالي هو سيسعى بكل الوسائل المشروعة الى الدفاع عن حقوقه، إنما من غير أن يُسجّل على نفسه انه ارتكب تجاوزاً يتنافى مع مناقبيته.

 

ولئن كان بعض المتحمسين للمؤسسة العسكرية والغاضبين مما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية والمالية والسياسية والبيئية في لبنان، يتمنون همساً أو جهاراً، لو انّ الجيش ينتزع المبادرة من الطبقة السياسية وينفذ انقلاباً عسكرياً عليها، إلاّ انّ القيادة في اليرزة تعلم استحالة هذا الخيار الذي ليس له أي حيّز في حساباتها، مع تفهمها لمشاعر «المنفعلين».

 

ويؤكّد مصدر عسكري لـ»الجمهورية»، انّ كل كلام عن إنقلاب او ما شابه، ليس سوى طرح عاطفي وانفعالي، يفتقر الى الواقعية ولا مكان له في الإعراب. لافتاً الى أنّ الجيش يدرك جيداً طبيعة التوازنات اللبنانية ودقتها، ومشيراً الى انّ تحريضه على الإمساك بالسلطة تحت شعار «الأمر لي» لا يدغدغ عواطفه، بل هو يؤذي الجيش في معرض مدحه.

 

ويشدّد المصدر على «انّ الجيش حريص على احترام الديموقراطية والحرّيات في لبنان وحمايتهما، وهو حتى في سعيه الى وقف الظلامة المالية والمعنوية في حقه يتحرّك ضمن الأُطر الدستورية والقانونية ويتجنّب القفز فوق الاصول، مع أنه يشعر بالمرارة جرّاء محاولة استهدافه.

 

وإزاء هذا الترسيم الدقيق لحدود تحرّك الجيش في مواجهة «ذئب» من نوع مختلف، يبدو انّ الضباط والعسكريين المتقاعدين أخذوا على عاتقهم المهمة، وهم أرسلوا من الإشارات ما يفيد أنّهم مستعدون لتنفيذ «ميني انقلاب»، ما لم تتراجع السلطة السياسية عن استهداف حقوقهم المكتسبة.