IMLebanon

المادة 95 من الدستور في سوق القطع السياسي

 

لم يَرشح لغاية الساعة ما يوحي أنّ الإصلاحات الحكومية لمواجهة الوضع الإقتصادي المتهاوي قابلة للظهور، والأوراق الإقتصادية التي تقدّم بها عدد من الأحزاب والقوى السياسية بالرغم مما تضمنته عبّرت عن تشرذم سياسي أكثر مما عبّرت عن محاولة جدية لاقتراح رؤية إقتصادية مشتركة. الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي والتي أضحت معروفة، والهادفة إلى فك الإرتباط العضوي بين السلطة والمال العام لا تبدو متاحة، وهي لم تقارَب للبحث لا من قريب ولا من بعيد، كما إنّ جلّ ما رشح عن إعادة هيكلة أو دمج لمؤسسات وإن تمكّن من تقليص عدد المستخدمين في القطاع العام بشكل جزئي، فهو لن يقارب إطلاقاً مواطن الهدر المؤثرة في الدين العام وفي الإستنزاف المنظم للثروة الوطنية.

 

لا بدّ من التوقّف عند خطورة ما ذُكر في الإعلام عن تجميد لمقررات «سيدر» وإن لم يكن مستنداً لتقارير رسمية، لكنّه مرتقب ومحتوم ليس بسبب الإستمرار في سياسة إضاعة الوقت فقط، بل لأنّ منظومة الحوكمة في لبنان بكلّ مظاهرها فقدت مصداقيتها ليس فقط أمام أصحاب المصالح وناشدي الربح والإستثمار في الفساد اللبناني، بل أمام الأصدقاء والحلفاء في كلّ أصقاع الدنيا. وربما يكون الموقف الأميركي من «سيدر» هو بداية مرحلة من الريبة بقدرة القطاع المصرفي على الصمود بعد اعتراف مصرف لبنان بأنّه غير مسؤول عن سوق القطع الذي يخضع للعرض والطلب. هذا في الوقت الذي يدرك فيه القاصي والداني أنّ سوق القطع اللبناني يشكّل المصدر الأول لتهريب العملة الصعبة نحو الداخل السوري، وهو نتاج العلاقات المالية بين رموز السلطة في كلا البلدين وتعاظم دور أمراء الحرب فى سوريا والعقوبات الإقتصاديّة على البلاد. كل ذلك حوّل هذا الملف من ملف إقتصادي إلى عنوان لأزمة سياسية داخلية تعبّر عن تداعيات قرار إقليمي يهدف الى مواجهة القرار الدولي بتقويض آليات التمويل السورية والإيرانية.

 

قد تكون الزيارات التي يعتزم الرئيس سعد الحريري القيام بها والتي بدأها بدولة الإمارات العربية المتّحدة للمشاركة  في مؤتمر الإستثمار الإماراتي – اللبناني، وبعدها الى ألمانيا التي تعدّ مستشارتها أنجيلا ميركل لمؤتمر إستثماري مخصّص للبنان، ومنها الى الرياض ليرأس وفد لبنان للجنة المشتركة اللبنانية – السعودية، ثم موسكو فباريس، حيث ينعقد إجتماع لجنة المتابعة الاستراتيجية لمؤتمر «سيدر» في 15 تشرين الثاني المقبل، هي الترجمة  الصريحة بأنّ الحريري مقتنع بعدم إمكانية إنجاز أي اصلاح حقيقي في الداخل، لذا يستمر في محاولة إقناع المستثمرين الدوليين والإقليميين بقبول الوضع اللبناني الحالي القائم على إزدواجية السلطة وإزدواجية القرار السياسي والقرار الأمني. وليس أدلّ على ذلك من العبارات التي أوردها الحريري في حواره الحصري مع وكالة أنباء الإمارات «وام»  التي تؤكّد اعترافه الواضح بهذه الإزدواجية : «أؤكّد بصفتي رئيساً للحكومة، أنني أرفض أي تورط لبناني في النزاعات الدائرة حولنا، مضيفاً : «لقد اتّخذت الحكومة اللبنانية قراراً بعدم التدخّل في النزاعات الخارجية أو في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولكن مع الأسف يتمّ انتهاك هذا القرار، ليس من قِبل الحكومة ولكن من قِبل أحد الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة ….ينبغي توجيه الإتهام الى حزب الله بوصفه «جزءاً من النظام الإقليمي وليس بصفته أحد أطراف الحكومة اللبنانية».

 

وفي ظلّ هذا الإختناق الإقتصادي وانسداد الأفق السياسي والإنكفاء الدولي عن لبنان، يعقد مجلس النواب جلسته المقررة في السابع عشر من الشهر الجاري لقراءة رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتفسير المادة 95 من الدستور معطوفة على الفقرة «ي» من مقدّمته التي تنصّ على أنّ «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»، وتحديد المرحلة الإنتقالية التي نصّت عليها المادة المذكورة من حيث حلولها من عدمه. الرسالة المذكورة تؤشّر لبداية صدام بين رئاسة الجمهورية والسلطة التشريعية يضاف الى التقاطعات السلبية والخلاف على الصلاحيات مع رئاسة الحكومة، وقد تكون بداية لإنقسامات وإصطفافات جديدة سيغلب عليها الطابع الطائفي لأنّها تتعرض بشكل جدي لأركان وثيقة الوفاق الوطني، عبّر عنها وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي بأنّ عدم تفسير المجلس النيابي للمادة 95 قد يؤدي الى تمنّع رئيس الجمهورية على التوقيع على كلّ ما يتصل بهذه المادة وهذا بحدّ ذاته يشكّل تعارضاً مع المادة 56 من الدستور التي توجب نشر المراسيم حتى تلك التي لم يوقّع عليها الرئيس بعد انقضاء المهل المحدّدة.

 

إنّ القول أننا مقبلون على مرحلة مفتوحة على كلّ أنواع الأزمات لم يعدّ إفراطاً في التشاؤم بل أضحى من مستلزمات الواقعية السياسية. المادة 95  التي ستشكّل مادة دسمة في سوق القطع السياسي قد تكون نقطة الإنطلاق لأزمة سياسية هي إسقاط  للأزمة الإقليمية على التوازنات اللبنانية المختلّة دائماً.

 

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات