IMLebanon

طالما القدس محتلة… اقامة سفارة لبنان هو اعتراف بالاحتلال الاسرائيلي

 

بدا ما اقترحه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في كتاب رفعه الى الحكومة في الجلسة الأولى لها بعد عودتها الى الحياة التي تلت إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري عن استقالته من الرياض، ثمّ التريّث والعودة عنها في لبنان، عن إقامة سفارة للبنان في القدس، تحقيق حلم جميل للبنانيين فور تردّده على مسامعهم، قبل أن يُشكّل تكريساً لكون القدس عاصمة لدولة فلسطين خصوصاً بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المجحف بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، نظراً لما تحمله الأراضي المقدّسة ولا سيما من المقامات الدينية فيها من مكانة قيّمة في قلوبهم.

غير أنّ الواقع المعيوش يختلف عن الحلم، ولهذا فإنّ تحقيقه دونه عقبات كثيرة، على ما أفادت أوساط سياسية مواكبة، تتعلّق بجزء منها  بما اعترض عليه وزراء 8 آذار لجهة أنّ «القدس» لا يُمكن تقسيمها لـ شرقية وغربية (ما يُذكّرنا بالعاصمة بيروت إبان الحرب)، وبامور أخرى سياسية وإجتماعية وقانونية. وقد تصدى في مجلس الوزراء لهذا القرار وزير المالية الدكتور حسن خليل وقال ان هناك خلافاً عقائدياً ودينياً وقومياً يمنع انشاء سفارة لبنان في القدس، ولا يمكن الدخول في هذا الامر.

كما شارك وزيرا امل غازي زعيتر وعناية عز الدين رأي الوزير الخليل مشددان على موقفه.

اما الوزير علي قانصو فاعتبر ان اقامة سفارة لبنانية في القدس ستستغله اسرائيل على اساس ان الولايات المتحدة تسعى الى زيادة عدد السفارات في مدينة القدس المحتلة.

كذلك اعترض وزراء حزب الله على انشاء سفارة لبنانية في القدس لاسباب دينية وفكرية وقومية، ولا يمكن لبنان ان يكون ثاني دولة بعد اميركا يقيم سفارة لبنان في القدس المحتلة.

وبذلك سقط اقتراح الوزير باسيل بإقامة سفارة للبنان في القدس.

وبنظر مصادر ديبلوماسية خبيرة فإنه طالما ان مدينة القدس محتلة، فإن اقامة سفارة للبنان في القدس يعني الاعتراف بالاحتلال.

ولهذا فإنّ البعض يجد في هذا الإقتراح خدمة للجانب الإسرائيلي الذي صعّد وعلّى السقف بإعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، فيما هو يقبل ضمناً بالحصول على القدس الغربية عاصمة لإسرائيل، وقد هدف من خلال الإعلان الأميركي الى الحصول على تقسيم القدس لكي لا تذهب بكاملها للجانب الفلسطيني.

ولأنّ «حزب الله» لم يُوافق على مبادرة السلام العربية، كما أنّه لم يُوافق بالتالي على قرار مجلس الوزراء المعلّق والمتخذ في تشرين الثاني من العام 2008 في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، والذي نصّ على إقامة علاقات ديبلوماسية مع دولة فلسطين، على أن يتمّ تبادل السفارات وفتح سفارة لفلسطين في لبنان تحلّ مكان مكتب منظمة التحرير الفلسطينية الذي لا يزال قائماً حتى اليوم، رفض بالتالي اقتراح الوزير باسيل كونه سيُدخل لبنان في مشاكل هو بغنى عنها، فقرّر مجلس الوزراء عدم البتّ بأمر هذا الإقتراح في الجلسة. وبناء عليه، قرّر تشكيل لجنة وزارية برئاسة سعد الحريري، وعضوية كلّ من باسيل وخليل ووزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، فيما امتنع وزيرا الحزب عن المشاركة فيها، بهدف دراسة حيثيات مثل هذه الخطوة قبل اتخاذ القرار النهائي بشأنها في مجلس الوزراء.

وأشارت المعلومات الى أنّه من الصعب تنفيذ هذا الإقتراح، حتى وإن قامت اللجنة بدراسته من جميع النواحي لا سيما في الظروف الحالية بالذات التي تفتّش فيها إسرائيل عن أمر ما يثير استفزازها لتتخذ منه ذريعة للإنقضاض على لبنان بشنّ حرب جديدة عليه. فهذه المحاذير يخشاها الحزب ولهذا يُفضّل رفض الإقتراح وعدم الدخول في أمر ليس مضموناً لا سيما من قبل العدو. أمّا اللجنة المشكّلة فستبدأ بدراسة الإقتراح، على ما ذكرت الاوساط، وستُقدّم كلّ ما يتوافر من تقارير وقرارات دولية تتعلّق بهذه المسألة بهدف أن تحوز على موافقة مجلس الوزراء عليه.

غير أنّ المراقبين يؤكّدون على أنّه رغم أهمية الإقتراح، فإنّ الأمور الإجرائية من الصعب القيام بها في ظلّ الظروف الحالية، فالكلّ يعلم بأّنّ الجيش الإسرائيلي يسيطر على القدس ولا مجال لإقامة سفارة لبنانية على أراضٍ خاضعة لسلطة العدو. كما أنّ إقامة سفارة تتطلّب تعيين سفير لها وموظّفين وديبلوماسيين، في الوقت الذي يُحظّر فيه زيارة المواطنين اللبنانيين الى الأراضي المقدّسة الخاضعة للإحتلال، ولا يمكن بالتالي القيام بأي معاملات أو خدمات ديبلوماسية هناك إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه اليوم. إلاّ إذا كان الإقتراح يتضمّن فكرة تعيين سفير معتمد في القدس ومقيم في بلد عربي آخر قريب من مكان السفارة في حال أزيلت كلّ العقبات أمام افتتاحها هناك. كما أنّ الدراسة لا بدّ وأن تُقدّم بعض المعلومات عن عدد اللبنانيين الذين سيستفيدون من الخدمات الديبلوماسية في القدس، وإذا ما كانت الحاجة ملحّة لإجراء المعاملات لهم. ولا يغفل عن أحد المانع الأهمّ وهو القانون اللبناني الذي يمنع أي مواطن لبناني من زيارة إسرائيل والتواصل أو الاتصال معها باعتبارها دولة معادية، وإلاّ فإنّه يُتهم بالعمالة، باستثناء الإكليروس المسيحي من مطارنة وكهنة وراهبات ورهبان، الذي يسمح له القانون بزيارة الرعايا المقيمين في الأراضي المقدّسة من الطوائف اللبنانية كافة، كما بالإقامة فيها لأسباب راعوية، فضلاً عن دواعٍ دينية تتعلّق بالأراضي المقدّسة كونها مهمّة جدّاً بالنسبة لرجال الدين ويحقّ لهم بالتالي زيارتها.. مع الإشارة الى أنّ قرار المنع هذا اتُخذ بعد العام 1967 أي بعد الإحتلال الإسرائيلي للقدس. أمّا قبل هذا التاريخ فقد كان مسموحاً للبنانيين بزيارة الأراضي المقدّسة، لا سيما وأنّ القدس الشرقية كانت تحت سلطة الأردن.

لكن يبقى القول إنّ اقتراح وجود سفارة للبنان في القدس هي مسألة رمزية ومهمّة جدّاً تُقابل فكرة ترامب بنقل سفارة بلاده من تلّ أبيب الى القدس،على ما أوضحت الاوساط، علماً أنّ لا هذا القرار ولا ذاك، يجعل من القدس فعلياً عاصمة لفلسطين أو لإسرائيل، من دون قرارات دولية موافق عليها من قبل مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن.