IMLebanon

الأسد وطعم الوصاية.. الروسية

في ليلةٍ «ما فيها ضو قمر»، أقتيد بشار الأسد بطائرة عسكرية روسية إلى موسكو. وَصَلَها ذليلاً بلا هيبة. لم يُعامَل كرئيس دولة ولا بأي معيار. لم يحظَ بأي مراسم احتفائية ولا حتى بوفدٍ مرافق. «الرئيس المقاوم» الذي يخوض حرباً على الإرهاب ويواجه مؤامرة كونية، كما يدّعي، انتظر في الصالون الى ان دخل عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. غاب العلم السوري عن الصورة الجماعية كما غاب المؤتمر الصحفي الرسمي. أسلوبٌ أقلّ ما يُقال فيه انه ليس الأسلوب الذي يستقبل به رئيس دولة من رئيس دولة اخرى، بل هو قليل على وزير خارجية.

الدنيا دولاب. شرب بشار الأسد من كأس الوصاية الذي أذاقه للبنان. رأس النظام السوري الذي كان يسحب اللّبنانيين الى دمشق تحت جنح الظلام، سُحِبَ هو بالطريقة نفسها الى روسيا. يظهر بشار أمام الكاميرات يهزّ لبوتين برأسه مرّتين في الثانية، لا لشيء إلّا ليرضى القيصر عنه علّه يُطيل بقاءه في القصر. الاسد الذي كان يَستدعي ويَأمُر بات يُستَدعى ويؤمَر. بات يتلقى «التعليمة» من معلّمه الروسي بعد ان لعب ونظامه لسنوات دور «المعلّم» على اللبنانيين. لا أحد يمكن ان يفكّك الصورة ومعانيها ودلالاتها مثل اللبناني. كان اذا ابتسم الاسد لمسؤول لبناني وأجلسه الى يمينه يعني انه «راضٍ»، واذا أجلس ضيفه الى يساره يعني انه ممتعض.. و»الله يستر»! قد تعني صورة بوتين والاسد الكثير، هناك حيث كان ينظر القيصر باشمئزاز لحليفه التاريخي .

مشهد «الرئيس المقاوم» الذليل، متوسّطاً صُنّاع القرار الروسي (وكأنه في جلسة استجواب مُهينة)، يعرفه اللبنانيون جيّداً، حتى انه يبدو كوقت مستقطع من لقاءات الأسد مع إميل لحود ورموز الوصاية السورية في لبنان، ممّن كانوا يبتهجون لزيارة دمشق. يجلس «الزلمة» إميل لحود، كما يحلو للسيد نصرالله تسميته، الى جانب الأسد وبحضور عدد من الضُبّاط السوريين، مُصغياً الى «التعليمة»، قبل ان يهزّ برأسه وكأنه يقول «حاضر سِيدنا»! مشهدية الـ»حاضر سِيدنا» هذه، انتقلت إلى موسكو، ولكن هذه المرة مع الأسد. من كان ليُصدّق ان بشار الذي هدّد بـ»تكسير لبنان» في حال لم يُمدّد للحود، هو نفسه الأسد الذي إلتزم لبوتين بالحل السياسي في سوريا و»من تم ساكت»؟ 

بالشكل، هناك أوجه شَبَه كبيرة بين لحود والـ»نيو أسد»، ليس أقلّها أن الرجلَين «المقاومَين» يعشقان الكرسي ويفعلان كل شيء لأجلها. الأوّل حفل عهده باغتيالات رجال السياسة المناهضين للوصاية السورية في لبنان، حيث اتُّهم نظام الوصاية السوري-اللبناني بالتخطيط لها. ولا بأس إن اتّهم يومها لحود «الصهاينة» بذلك (الصهاينة الذين لا يغتالون الا معارضي المشروع السوري-الايراني)، فثمن الكرسي والولاء غاليَان. والثاني دمّر بلداً بأكمله وقتل مئات الآلاف وهجّر الملايين ، بغطاء روسي- ايراني-حزب إلهي، حفاظاً على الكرسي. حتى ان الأسد خرج من لقاء الإستجواب التاريخي مع القيادة السورية، ليشكر موسكو «على كلّ شي»! ما أشبه «شكراً روسيا» بـ»شكراً سوريا» (!) على رغم الفارق الجوهري بين الشُكرَين. فجماعة الوصاية السورية في لبنان شكروا «سوريا الأسد» وهي تخرج من لبنان، بينما شَكَر الاسد روسيا لدخولها الى سوريا! اما حديث بشار الذي جاء في نسخة مكتوبة وزّعها الكرملين، فهي تُشبه الى حد بعيد أحاديث لحود و»رفاقه» من رموز الوصاية السورية في لبنان لوكالة «سانا» السورية عقب إنهاء زياراتهم إلى «دمشق الصمود والتصدّي«.

وفي سياق الدلالة القصوى على التماهي بين التجربتين، يُشبّه العميد عبد الله الحريري، ضابط المخابرات العسكرية السورية المنشق، والذي شغل عددا من المناصب الحساسة في اجهزة النظام الامنية في سوريا ولبنان، اليوم بالأمس. ويقول ما حرفيّته، «حينما شاهدت بشار الأسد في ضيافة بوتين، تذكرت الأيام التي كان النظام السوري يهيمن فيها على لبنان، فكان إذا أراد النظام السوري تنفيذ أمر بسيط، كان يكلف أحد أركانه بزيارة إلى لبنان، وينقل الرغبة السورية إلى الرئيس اللبناني، وأحيانا يكتفي بأحد الضباط المتواجدين في لبنان لنقل هذه الرغبة «الأوامر»، ليصبح نافذاً على الفور، أما إذا كان الأمر مفصلياً في حياة لبنان، كان يستدعى رئيس لبنان إلى دمشق، ويتم إبلاغه بما يجب أن يكون من قبل الرئيس السوري شخصياً، لذلك أرى أن بوتين أبلغ بشار بقرارات حاسمة وما هو مصيريّ، وما عليه إلا التنفيذ«.

يحق للّبنانيين الذين عانوا من وصاية بشار ووالده ان يراقبوا الحكمة الإلهية للمنظر الذي ظهر فيه الاسد امام بوتين. يحق للّبنانيين الذين خُيّروا بين تنفيذ الاوامر او الموت ان يشاهدوا «أسداً» يشرب من كأس الوصاية الذي أذاقه للبنان. هكذا شق احدهم طريق القدس في سوريا للحفاظ على رئيس فشل هو بالحفاظ على صورته. وهكذا يمر اليوم طريق الحل السياسي السوري في قصر المهاجرين علّ الروس يحافظون على مصالحهم في سوريا دون الانجرار الى مستنقع افغاني جديد. وبين الطريقين، قد يحظى بشار في نهاية المطاف بما حظي به من قبله لحود ونوري المالكي.. صورة على طريق المطار!