IMLebanon

السلطة تُمهِّد للقمع في 4 آب

 

 

مثيرةٌ المعلومات التي تكشفها الأوساط القريبة من بعض أحزاب السلطة، والتي تتحدث عن استنفار غير عادي تعتمده هذه السلطة، استعداداً لمواجهة «الانتفاضة» أو «الثورة» المتوقَّع انفجارها قريباً، وعلى الأرجح في الذكرى الأولى لكارثة المرفأ، في 4 آب المقبل. والأكثر إثارة للقلق هو أنّ هذه السلطة تتعاطى مع «الثورة» بصفتها مؤامرة يجب ضربها، بالمفهوم السياسي… وبالمفهوم الأمني إذا اقتضت الحاجة ذلك!

 

في المعلومات التي يجري تسريبها منذ أيام، أنّ السلطة أوعزت إلى الأجهزة العسكرية والأمنية أن تحتسب لأعمال مشبوهةٍ قد تقع خلال الحراك الاعتراضي الجاري، والذي يُتوقّع أن يزداد تصعيداً في الفترة المقبلة.

 

وعمَّمت السلطة تحذيرات من أعمال تخريب قد تتعرّض لها مؤسسات عامة أو خاصة، ومن احتكاكاتٍ قد يجري افتعالها في الشارع بين المتظاهرين والقوى الأمنية لزعزعة الاستقرار أو بين المتظاهرين وجماعات أخرى، ذات انتماءات حزبية أو طائفية أو مذهبية معينة، وفي مناطق يمكن وصفها بـ«الحسّاسة».

 

وثمة حديث عن توصيات تمّ تزويد الأجهزة بها، تقضي بعدم التهاون في مواجهة إقفال الطرق، خصوصاً في مناطق معينة محسوبة على فئات طائفية معينة لكنها «حيوية» لفئات طائفية أخرى، كالأوتوستراد الساحلي المؤدّي إلى الجنوب. وهذه التدابير لطالما جرى اعتمادها، لكنها ستزداد حزماً في الأيام المقبلة، إذ سيتمّ نشر مزيد من القوى للرصد والمتابعة على امتداد الأوتوستراد.

 

وهنا تبدو المواجهة الأمنية التي جرت أخيراً في طرابلس، بين مدنيين وعسكريين، ذات مغزى شديد الحساسية، خصوصاً أنّ ساحتها بعل محسن، بطابعها المعروف مذهبياً وسياسياً.

 

وفي العامين الفائتين، حصلت احتكاكات بين مدنيين وعسكريين في مناطق طرابلسية أخرى ذات طابع مختلف، في سياق انتفاضة 17 تشرين وخارجه. وثمة مَن يعتقد أنّ مواجهات بعل محسن الأخيرة ربما تكون مفتعلة، بهدف استثارة مناخات فتنوية في المدينة.

 

هل هذه المخاوف الأمنية في محلّها فعلاً؟ وهل صحيح أنّ على السلطة أن تخشى وجود ثغرات أمنية في عدد من المناطق اللبنانية، قد يستغلها «الطابور الخامس» لدفع الحراك الشعبي عن مساره المطلبي والاجتماعي وإغراقه في مواجهات غير محسوبة، ذات طابع فئوي، وتهدّد البلد بفتنة؟

 

أوساط الانتفاضة لا تعتقد أنّ هذه المخاوف في مكانها، أو على الأقل هناك تضخيم كبير ومتعمّد لها. وتقول: تجربة 17 تشرين الأول 2019 أظهرت مستوى عالياً جداً من النضج الوطني لدى الذين نزلوا إلى الشارع. فقد حافظ هؤلاء بنحو غير مسبوق على الطابع السلمي في الشارع، وعلى سلوك حضاري نادر في التعبير، حتى عندما تعرَّضوا لقمع القوى الأمنية. وفي المقابل، جاءت ممارسة العنف من جهة بعض أجهزة السلطة.

 

ولكن، الأخطر هو أنّ السلطة دفعت أحزابها وجماعاتها، أي مدنيين، إلى الشارع مزوَّدة أدوات التعنيف التي تمّ استخدامها ضدّ المتظاهرين المسالمين، أي مدنيين آخرين.

 

وفيما شارع الانتفاضة متنوع طائفياً ومذهبياً في شكل انصهاري ما اعتاده اللبنانيون، فإنّ الجماعات التي تصدّت له كانت أحادية الانتماء الطائفي والمذهبي عموماً. ولذلك، ليس منطقياً أن تقوم السلطة نفسها بالكلام عن الفتنة الطائفية والمذهبية، فيما هي التي تستثيرها، لا الآخرين.

 

وكذلك، وفيما ناسُ الانتفاضة يتوزّعون مناصفةً، تقريباً، بين الجنسين، فإنّ الجماعات التي تصدّت لهم كانت حكراً على الرجال. وهذا يعني أنّ المطلوب من هؤلاء استخدام العضلات، إضافة إلى «الموتوسيكلات» طبعاً.

 

وبحسب الأوساط، هناك خشية من تكرار هذه التجربة المريرة في الأيام المقبلة. وفي هذه الحال، ستكون السلطة هي التي تفتعل الفتنة لا «الطابور الخامس» المزعوم، في موازاة ممارستها القمع ببعض أدواتها الأمنية. وقوى السلطة وحدها تملك أدوات العنف، فيما أدوات الانتفاضة معروفة: الحراك في الشارع ورفعُ الصوت.

 

توحي السلطة أنّها بدأت تُجهّز العدّة لإحباط الحراك المنتظر، والذي سيبلغ ذروته في ذكرى كارثة المرفأ، خوفاً من أن يؤدي هذا الحراك إلى إطاحتها في الشارع. ولذلك، لن تتورّع السلطة عن استخدام أي أسلوب لإسكات الحراك، بما في ذلك المخادعة السياسية والوعود السرابية بالخطوات المالية والاقتصادية، وطبعاً بالعنف في نهاية الأمر.

 

وتضيف الأوساط: «نحن لا نخشى دخول الطوابير في صفوفنا وارتكاب أعمال التخريب أو افتعال فتنة طائفية أو مذهبية. فنحن نعرف تماماً سلوك مجموعاتنا التي تتحرك في الشارع، وهي قادرة على فرز أي دخيل وكشفه وطرده. وأما الطوابير والدخلاء الحقيقيون فليسوا في الواقع سوى عملاء قوى السلطة الذين يندسّون في الشارع، ويقومون بأعمال تُخرِج الحراك عن هدوئه وسلميته وحضاريته. وبعد «شيطنة» الحراك أمام الرأي العام، يصبح مبرَّراً قمعُه. وهذا السيناريو هو الذي تعمل قوى السلطة لتنفيذه مجدداً».

 

هل ستنجح قوى الاعتراض في فضح هذا المخطَّط أمام الرأي العام المحلي والدولي وإسقاطه، أم ستنجح قوى السلطة مجدداً في إسقاط «ثورة 4 آب» كما أسقطت «ثورة 17 تشرين»؟