IMLebanon

بعبدا تقبل بالحريري إذا..

 

هل سيُكلّف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة الخميس المقبل، ام انّ دون ذلك عقبات سيكون من الصعب تذليلها في الأيام القليلة الفاصلة عن استحقاق الاستشارات النيابية الملزمة؟

عندما حدّد الرئيس ميشال عون موعد الاستشارات النيابية الملزمة، يوم الخميس، لم يكن في حوزة احد من اللاعبين الأساسيين حرف واحد من اسم محتمل للرئيس المكلّف. ولكن، ما الذي دفع عون حينها الى ضرب موعد مع استشارات غامضة، مجهولة النتائج؟

 

نظر عون من حوله، فوقع على المشهد الآتي:

 

– حبل الامن يهتز بقوة، من استفاقة بعض الخلايا الارهابية النائمة في الشمال، الى الأحداث الأخيرة في البقاع الشمالي.

– خطر اجتماعي داهم، مع إبلاغ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى القصر الجمهوري، بأنّ رفع الدعم عن السلع الحيوية بات قريباً، الأمر الذي يجد فيه عون شرارة محتملة لثورة شعبية أين منها انتفاضة 17 تشرين الأول.

– انقطاع تام للتواصل يين القوى الاساسية المعنية بالنقاش حول اسم الرئيس المكلّف، فلا افكار ولا اقتراحات، بل مراوحة في المكان وانتظار عبثي.

– شعور الجانب الفرنسي بالإحباط والغضب، بعد عرقلة مبادرته التي توقفت محركاتها وصارت بحاجة الى قوة دفع جديدة لتشغيلها.

– اقتراب تاريخ انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع كيان الاحتلال الاسرائيلي بعد إقرار اتفاق الإطار، من دون أن تكون هناك حكومة قادرة على مواكبة هذا التحدّي.

أمام كل هذه العوامل المتراكمة، والتي قد يهدّد الاحتكاك بينها بعواقب وخيمة، اتخذ عون قراره بإجراء الاستشارات الملزمة الخميس المقبل، مفترضاً انّ رمي هذا الحجر في المياه الراكدة والآسنة، ربما يطلق دينامية سياسية ما، من شأنها إحداث خرق في الجدار السميك.

 

ولعلّ عون اصاب في تقديراته، إذ انّّه نجح عبر تحديد تاريخ الاستشارات في «تحفيز» الرئيس سعد الحريري على الخروج من «دائرة الظلّ»، وصولاً الى اعلانه عن استعداد مشروط للعودة الى رئاسة الحكومة، وفق اجتهاده في تفسير المبادرة الفرنسية، بعدما كان قد تخصّص خلال المرحلة السابقة في ترشيح الوكلاء الى هذا الموقع.

 

ويبدو أنّ الحريري ملّ من لعبة تسمية الوكلاء او «القائمين بالأعمال»، مفترضاً انّ الظرف الخارجي واللحظة الداخلية هما مؤاتيان لتحسين شروط تفاوضه على استعادة رئاسة الحكومة، وسط ضيق الخيارات والوقت أمام الآخرين الذين لا يملك اي منهم بديلاً مكتمل المواصفات والحظوظ.

 

ولكن، ما هو موقف عون من ترشيح الحريري؟

 

ليس خافياً انّ عون يعتبر انّ تجربته مع الحريري في الحكم لم تكن جيدة، وهو لديه الكثير من المآخذ على سلوك الرجل أثناء وجوده في السلطة وعلى الطريقة التي كان يتبعها في إدارة الملفات.

 

وربطاً بهذه «الانطباعات»، معطوفة على شروط الحريري للعودة والتي لا يبدو بعضها مستساغاً في بعبدا، من غير الصعب الاستنتاج بأنّ رئيس تيار «المستقبل» ليس الخيار المفضّل لرئيس الجمهورية في هذه المرحلة، الاّ انّه في الوقت نفسه لن يكون مرفوضاً من قِبل عون، اذا استطاع انتزاع أغلبية داعمة له في الاستشارات، بعد جولة التفاوض التي سيجريها مع الجهات السياسية.

 

ويؤكّد القريبون من عون، ان ليس لديه فيتو مسبق على اي اسم، بل هو سيحتكم حصراً الى نتائج الاستشارات، وسيتعاون مع الرئيس المكلّف الذي تسمّيه اكثرية النواب، بمعزل عن هويته، وذلك تقيّداً بالاصول الدستورية والديموقراطية.

 

وبناء على هذه المعادلة، توضح اوساط بعبدا، انّ عون سيحترم ارادة الكتل النيابية، اذا توافقت غالبيتها على تسمية الحريري ليتولّى تشكيل الحكومة، وبالتالي لن تكون عنده مشكلة في التعاون معه تحت سقف المبادرة الفرنسية.

 

الفيتو الوحيد الذي يمكن أن يستخدمه عون سيكون موجّهاً ضد حكومة اللون الواحد التي يرفضها قصر بعبدا رفضاً كلياً، على قاعدة انّ هذه الصيغة جرى اختبارها عبر حكومة حسان دياب، وكانت النتيجة واضحة وظاهرة، فلماذا تجريب المجرّب مرة أخرى؟ّ

 

المطلوب بالنسبة إلى بعبدا تشكيل حكومة منتجة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات وفق مندرجات المبادرة الفرنسية، بمعزل عن الأخذ والردّ حول شكلها واسمها.

 

ويأمل القصر الجمهوري في أن يؤدي تشكيل حكومة تنال ثقة المجتمع الدولي، وتباشر فوراً في تطبيق الإصلاحات، الى ضخ جرعات أولية من الدولار في العروق الجافة للجسم اللبناني، الأمر الذي من شأنه اذا حصل، ان يسمح باستدراك خطر رفع الدعم في أواخر العام الحالي او مطلع العام المقبل، وصولاً الى تفادي وقوع كارثة اجتماعية.

 

ولكن، ماذا لو تعذّر التفاهم بين اغلب الكتل على تكليف الحريري، خلال الفترة الفاصلة عن 15 تشرين الأول، من دون أن يكون هناك بديل آخر؟

 

من غير المستبعد حينها ان يتخذ عون قراراً بإرجاء الاستشارات الملزمة، حتى لا تتسبّب في مزيد من التبعثر السياسي، الّا انّ كلفة التأجيل ستكون باهظة، لأنّ استمرار الشلل الحكومي سيفضي الى تفاقم الأزمات المتراكمة وتكاثرها، وسط العجز الداخلي والإنكفاء الخارجي عن معالجتها، ما يضع لبنان أمام مجهول معلوم. فهل تلتقط القوى السياسية فرصة 15 تشرين وتُمسك بطرف الخيط، من خلال اختيار رئيس مكلّف، ام انّ الشروط المتبادلة ستفرّط بالفرصة وستقطع الخيط الرفيع من جديد؟