IMLebanon

الحكومة تقتفي “دهاليز” مصرف لبنان: هل يريد إسقاطها؟

 

 

لم يتمالك رئيس الحكومة حسان دياب نفسه، فقالها كما هي: حاكم مصرف لبنان لا يستشير الحكومة ولا ينسّق معها في مضامين التعاميم التي يصدرها! لا بل ذهب أكثر من ذلك، ملمحاً إلى مواقف تصعيدية ستسجّلها الحكومة يوم الجمعة خلال اجتماع مجلس الوزراء إزاء سلوك “الحاكم”.

 

نبرة تحذيرية تعكس امتعاض رئيس الحكومة من مسلسل التدابير والإجراءات التي يتخذها “الحاكم” والتي تنذر بامكانية تحليق “الدولار” نتيجة “مطاردته” إلى جيوب اللبنانيين لا سيما صغار المودعين منهم، ومعه أسعار المواد الاستهلاكية، وتالياً خروج الناس عن طورهم ولجوؤهم إلى ساحات الاعتراض بعدما عرّتهم الأزمة الاقتصادية من كل مقومات الصمود.

 

يواظب رياض سلامة على تسطير التعاميم الملحقة بالتوضيحات، فيما يواصل سعر صرف الدولار مساره التصاعدي حيث اقترب أمس من عتبة الـ3300 ليرة، مهدداً بإفقار ذوي الدخل المحدود الذين أنهكهم الشلل الذي تفرضه جائحة الكورونا، فيما تواصل المصارف حصارها على ودائع اللبنانيين من دون أن تتمكن أي سلطة من وضع حدّ لسطوتها.

 

اذ في موازاة الخطة المالية التي ينتظر أن تبصر النور نهاية الأسبوع المقبل، ثمة متاهة تحاول الحكومة تلمس خطواتها داخلها، وهي حسابات مصرف لبنان. إلى تلك المتاهة، “الداخل مفقود والخارج مولود”.

 

حاول رئيس الجمهورية ميشال عون مرة واثنتين وثلاثاً مع حاكم مصرف لبنان ليفهم منه حقيقة هذه الحسابات ولكن من دون جدوى. كذلك فعل رئيس مجلس النواب حين قصده الحاكم، ولكن من دون أن يتمكن من فكّ شيفرة الفذلكات المالية التي يعرضها سلامة. أما رئيس الحكومة حسان دياب فغرق في مستنقع الأرقام التي يقدمها “سيد المركزي”. ولذا كان لا بدّ من الاستعانة بشركة تدقيق عالمية للقيام “بعملية تدقيق محاسبية مركّزة لتبيان الأرقام الدقيقة لميزانية المصرف المركزي”.

 

هذا التدقيق يستهدف بالدرجة الأولى الفجوة المالية الموجودة في مصرف لبنان، وهي فجوة موازية لتلك التي تمثّل خسائر المالية العامة، وهي تأخذ في التوسع بشكل مثير للريبة. تقول مصادر وزارية معنية، إنّ هذه الفجوة كانت مقدرة منذ شهرين بنحو 40 مليار دولار، واذ فجأة باتت تقارب الـ 44 مليار دولار، من دون أن تتمكن الحكومة من فهم حقيقة الألغاز التي تحيط بدفاتر المصرف المركزي العتيقة، ولا مسببات هذه “القفزة المشبوهة”. تجزم المصادر بأنّه ما من عقل بشري يستطيع فهم تفسيرات حاكم مصرف لبنان، ليس لأنها عصية على الفهم، بل لأنها عبارة عن طلعات ونزلات وزواريب لا يُراد منها إلا تضييع “الشنكاش”. سئل الحاكم أكثر من مرة عن حقيقة هذا الأمر، لكن إجاباته محاطة دوماً بحاجز من الغموض. لم يبلّغ إلا عن حجم السيولة التي يمكن للمركزي التصرف بها. أما غير ذلك، فمعجم من الألغاز.

 

وتحت هذا العنوان وبهذه الحجة، يدير سلامة مطبخاً من التعاميم التي تنبت كالفطر. يبلغ سلامة سائليه إنّ هذه التعاميم تحاول ترقيع الإفلاس بالعملات الأجنبية الذي يصيب المصارف، لتحول دون إعلان انهيارها بشكل علني. لكن الجالسين الى طاولة مجلس الوزراء، ينظرون بعين الريبة إلى ما يفعله الحاكم، لأنّ تدابيره ستؤدي حكماً إلى رفع سعر صرف الدولار بفعل الشحّ الذي يصيبه. ولذا يطرح هؤلاء سلسلة تساؤلات: ماذا يدور في رأس الحاكم؟ ماذا يخبّئ؟ كيف بات بين ليلة وضحاها عاجزاً عن التدخل للجم السوق؟ قبل 17 تشرين الأول كان ضابطاً لسعر الدولار وفجأة باتت صناديقه فارغة وعاجزة عن مدّ السوق بالدولار للتحكم بسعره. هو نفسه يقول إنّ حجم سوق التداول المحلي محدود نسبياً لا يتعدى الـ 5 ملايين دولار وقد تقلّص هذا الحجم أكثر بفعل التعبئة العامة، فلماذا بات تدخّل مصرف لبنان مستحيلاً؟

 

بتقدير المصادر الوزارية، “لا يزال لدى المصرف المركزي القدرة على لجم الارتفاع الجنوني لسعر الدولار والسيطرة عليه، لكنه لا يفعلها. ولذا لم تعد لعبة الدولار بريئة، وقد تكون مسبباتها، اعتبارات سياسية تملي هذا السلوك”. ويسألون: “لماذا يلعب من جديد لعبة الدولار الحارقة؟ هل هي محاولة لإشعال الشارع من جديد بغية إسقاط الحكومة؟”

 

يتحصّن حاكم المصرف بقانون النقد والتسليف الذي يمنحه استقلالية في سلوكه وفي اجراءاته، وهذا ما يبرر قول المصادر الوزارية إنّ الحكومة لا تتحمل وزر القرارات التي يتخذها الحاكم. تنحصر الإجابات التي يقدمها الحاكم في أنّ تركيزه المالي هو على الحاجيات الأساسية من قمح ونفط وأدوية ويخشى التفريط بما تبقى من سيولة، ولذا يحاول اصلاح الخلل الحاصل في السوق من خلال التعاميم التي يصدرها والتي تهدف إلى اعادة تجميع الدولارات من السوق للسماح له بالتدخل من جديد.

 

ما اكتفى رئيس الحكومة ببوحه بعد خروجه من قاعة الاونيسكو بعد انتهاء الجلسة التشريعية، كان كافياً للتأكيد، وفق المصادر الوزارية، أنّه متنبّه لهذا المسار، ويتحضّر للتصدي له، حيث تؤكد المصادر أنّ هذه السياسات سترتد على أصحابها ولن يكون بمقدورهم تحمّل تبعاتها.

 

في الموازاة، يفترض أن تكون الخطة المالية على طاولة مجلس الوزراء الأسبوع المقبل، وهي لا تزال مسودة تناقش بعيداً من الاعلام مع مختلف القطاعات المعنية، الرسمية وغير الرسمية، لوضع الملاحظات قبل تسييلها في تعديلات يفترض أن تطال النسخة النهائية لوضعها بين يدي شركة “لازار” لكي تتمكن الأخيرة من الانطلاق في ماراتونها التفاوضي مع الدائنين الأجانب. ستكون المهمة الأولى للخطة، الإجابة على طبيعة الاقتراحات التي سيؤخذ بها لسدّ الفجوة المالية في الخزينة العامة، على أن تقدم طلباً لصندوق النقد الدولي طالبة مساعدته، مع العلم أنّ الانطباعات الأولية التي وردت الى الحكومة من مسؤولين في صندوق النقد تشي بشيء من الارتياح لهذه الانطلاقة.

 

أما بالنسبة للاقتراحات التي ستطال الـ2% من المودعين، فلا تزال قيد النقاش، فيما الطرح الأكثر قبولاً إلى الآن هو اقتطاع الفوائد المرتفعة المحققة خلال السنوات الأخيرة.