IMLebanon

الحكومة والمصارف: نحو المرحلة الثانية بعد تجاوز الأرقام؟

 

لا تفسير علمياً لانخفاض سعر الدولار. هكذا فجأة ومن دون مقدمات قرر النزول عن عتبة العشرة آلاف دولار التي حلّق نحوها بين ليلة وضحاها. حتى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم يعط رئيس الحكومة حسان دياب خلال اجتماع يوم الجمعة المسائي، جواباً شافياً عن أسباب الهبوط. بدا الأمر بالنسبة له غير مفهوم. هو بالأساس سبق له أن غسل يديه من قدرته على السيطرة على السوق السوداء أو التدخل فيها، رغم تقليله من أهمية هذه السوق التي لا تتجاوز نسبتها الـ10% من سوق حركة الدولار، كما أوضح امام مجلس الوزراء في الجلسة الأخيرة. وفق المتابعين، ثمة أكثر من سبب قد ساهمت في ضبط الارتفاع الجنوني في سعر الدولار، ومنها اعادة فتح المطار وعودة بعض اللبنانيين ممن وضعوا في جيوبهم بعض الدولار “الكاش” الذي سيحتاجون إلى صرفه في السوق، خصوصاً وأنّ الكثير منهم امتنع عن تحويل هذه الدولارات عبر الشركات الالكترونية، ما سيؤدي حكماً إلى توفره في السوق وبالتالي انخفاضه، وقد تكون لعبة مالية تهدف إلى خفض كلفة شرائه لجمعه من جديد وبيعه وفق معدلات أعلى. لكن ما يخشاه البعض هو أن تكون لعبة سياسية تهدف إلى استخدام الدولار في مضاربات مالية ستؤدي حكماً إلى تحليق سعره من جديد واستخدامه كوسيلة ضغط سياسية. ومع ذلك، لم يكن سعر الدولار هو الطبق الأساس في الاجتماع الذي عقد يوم الجمعة في السراي وترأسه دياب بمشاركة سلامة ووفد من جمعية المصارف، لا بل كانت خطة التعافي الاقتصادي وأرقام الخسائر التي نُشر غسيلها على حبل صندوق النقد الدولي، هي موضوع النقاش المشترك.

 

عملياً، فتح رئيس الحكومة باب النقاش مع جمعية المصارف بعد تأكيده أنّ الحكومة ليست في وارد افلاس القطاع المصرفي وهي “الفزاعة” التي رفعتها جمعية المصارف لكي تطعن بخطة الحكومة المالية – الاقتصادية من باب التشكيك بالأرقام الورادة ضمنها، ولو أنّ صندوق النقد لم يتردد في القول علانية إنّ أرقام الحكومة هي الأقرب إلى الواقع، ولو أنّ الرأي العام غير مقتنع أصلاً بالجدل حول جنس ملائكة الأرقام وخلفيته، وكل ما يهمه هو منحه بصيص أمل يقنعه أنّ مدخرات عمره لم تتبخر فعلاً وثمة امكانية في استعادتها ولو بعد حين.

 

المهم، أنّ المياه عادت إلى قنوات التواصل بين الفريقين على أمل ردم الهوة التي فرضتها الخطة الحكومية، والتوصل إلى مقاربة مشتركة تحفظ ماء وجه السلطة اللبنانية أمام صندوق النقد، الذي يكاد يستسلم وينفض يديه من الملف اللبناني.

 

وفق المطلعين على أجواء اللقاء، فإنّ رئيس الحكومة لم يسلّم أرقام خطة حكومته على مذبح التفاهم مع مصرف لبنان وجمعية المصارف، لا بل دعاهم إلى تجاوز هذه المسألة، لأنها ليست فعلياً العقدة في المنشار، وإنما هي الشماعة التي يعلق عليها معارضو الخطة حججهم لرفض ما تضمنته من رؤية اصلاحية لمعالجة الخسائر الثلاثية الأبعاد: خسائر الخزينة العامة، خسائر مصرف لبنان وخسائر القطاع المصرفي.

 

ويشير هؤلاء إلى أنّ وفد جمعية المصارف بدا متفهماً للطرح الذي تقدّم به رئيس الحكومة لأنهم يعرفون جيداً أنّ العقدة الجوهرية تكمن في مسألتين: أولاً كيفية توزيع الخسائر، وثانياً كيفية تعويضها. ولهذا لم يسجلوا تحفظهم على ما أدلى به دياب أمامهم، وبدوا متفهمين لفكرة الانتقال إلى المرحلة الثانية التي هي أكثر أهمية من الجدل العقيم حول الأرقام ومقارباتها. وفي هذا السياق تلفت مصادر رئيس الحكومة إلى أنّ النقاش مع جمعية المصارف بنّاء وايجابي وهو ضروري لتعزيز موقف لبنان أمام صندوق النقد الدولي، نافية كل الأجواء السلبية التي تتحدث عن نية الصندوق وقف المفاوضات مع لبنان، مشيرة إلى أنّ هذه المفاوضات قد تحتاج أكثر من ستة أشهر وقد تمر بتعقيدات كثيرة ولذا من غير المقبول نعيها في أول شهرين من النقاش.