IMLebanon

الأميركيون والرئاسة: أعطونا برنامجاً ولكم منّا موقف

 

 

ستكون مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربرا ليف في بيروت في إطار جولة لها في المنطقة، لمتابعة نتائج الاجتماع الخماسي الذي عقد في باريس والذي خصص للملف الرئاسي والذي تلاه اجتماع ثنائي فرنسي- سعودي… وسط ترقّب حذر لمندرجات الاتفاق السعودي – الإيراني الذي لا يزال في مربّع اختباره الأول.

 

فهل من جديد في جعبة الإدارة الأميركية؟

 

لا يبدو الجواب، وفق بعض اللبنانيين الذين يلتقون مسؤولين أميركيين في واشنطن، فيه الكثير من المتغيّرات المتحركة على وقع الاتفاق السعودي – الإيراني. ويشيرون إلى أنّ تأكيدات مسؤولي البيت الأبيض لا تشي بأنّ تغييراً نوعياً طرأ على سياسة الولايات المتحدة التي لا تزال وفق هؤلاء، قائمة على رزمة من العوامل، أبرزها:

 

– ترفض الولايات المتحدة الانخراط في لعبة الأسماء والتركيبات والمقايضات والمعادلات التي تهندسها الإدارة الفرنسية. أكثر من ذلك، يبدي المسؤولون الأميركيون عدم رضاهم أو حماستهم لتلك المقاربة المثقلة بالتفاصيل التي تقودها باريس ازاء الملف الرئاسي اللبناني، ويتحفّظون على هذه السياسة.

 

– يعتبر المسؤولون الأميركيون أنّ ثمة مساراً لبنانياً داخلياً يجب أن يؤدي إلى انتخاب رئيس وتأليف حكومة منتجة وفاعلة ومصممة على توقيع برنامج صندوق النقد الدولي. بهذا المعنى يُفهم من هؤلاء أنّ الأولوية ليست للقضايا الخلافية المتصلة بـ»حزب الله» وسلاحه، وإنما للحؤول دون انهيار البلد بشكل كامل وتحوّله إلى دولة فاشلة. من هنا التركيز على الشق الاصلاحي والاقتصادي. اذاً، ما يهم الإدارة الأميركية، وفق المطلعين على مواقف المسؤولين فيها، هو برنامج الرئيس المقبل كما رؤية حكومته.

 

– يقتصر دور المسؤولين الأميركيين على تشجيع اللبنانيين على انتخاب رئيس ضمن الأطر الدستورية، ولا يبدون أي رغبة في ممارسة الضغوط على المسؤولين اللبنانيين والمعنيين، لتكون سمة دورهم تحفيرية لا أكثر، وذلك بشكل يتناسب مع نتائج اللقاء الخماسي. اذ يؤكد المطلعون أنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تكترث كثيراً لطبيعة الأسماء، وهي المتأكدة أنّه مهما كان انتماء الرئيس المقبل أو خياراته، فهو لن يكون بطبيعة الحال في موقع الخصومة معها. فضلاً عن كونها غير متحمسة بالأساس لكي يُنسب إليها أي رئيس سيواجه أصعب كارثة اجتماعية واقتصادية تواجه لبنان.

 

– ما يهمّ الإدارة الأميركية هو انتخاب رئيس «بمقدورها أن تتعامل معه»، كما يقول مسؤولون أميركيون بالحرف الواحد، وبمقدوره أن يتواصل مع المجتمع الدولي والدول العربية، والسعودية تحديداً بغية ضمان مشاركة المملكة في المشروع الإنقاذي.

 

بهذا المعنى توضع زيارة ليف إلى بيروت، وهي تأتي وفق المطلعين في سياق سياسة «التبريد» النسبية التي تعتمدها الولايات المتحدة منذ فترة مع لبنان، مشيرين إلى أنّها لا تحمل أي مبادرة أو آلية للاتفاق على اسم الرئيس العتيد، لا بل ستعود لتكرر على مسامع من ستلتقيهم أنّ اختيار الرئيس هو مهمة القوى اللبنانية ومسؤوليتها. ويؤكدون أنّ الإدارة الأميركية لا تزال تفضّل النأي بنفسها عن مستنقع التفاصيل، وتعتبر أنّ دورها سيكون بعد قيام العهد الجديد وحكومته الأولى من خلال مراقبة سلوكها في ما خصّ الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي.

 

ولهذا يقول المطلعون إنّ واشنطن تتعاطى مع لعبة الأسماء والتركيبات والمعادلات بمنطق المسافة الفاصلة، لكونها تهتم ببرنامج الحكومة المقبلة وبكيفية تعاطيها مع الإصلاحات، وما يهمها من الاستحقاق الرئاسي هو انتخاب رئيس مقبول دولياً وعربياً وتحديداً من المملكة السعودية لكي تكون الأخيرة شريكة في دعم المرحلة الإصلاحية.

 

إلى الآن تتصرّف الرياض بكثير من الحذر تجاه الملف اللبناني: خطوة للأمام وعشرة إلى الوراء. ترفض المبادرة بأي اتجاه أو تقديم اسم أو مرشح أو حتى تبني شخصية سنيّة لرئاسة الحكومة. تتسلّح بالفيتو لا أكثر. ولعل التخبّط الذي يصيب الساحة السنية وتشرذمها، وغياب شخصية قد تعيد تكرار تجربة توكيلها الملف اللبناني إلى رفيق الحريري، كلها عوامل تحول دون دخولها شريكة رسمية في هذا الملف. ولهذا تتأنى في مواقفها، وتترك للآخرين مهمة تقديم العروض فيما هي تتولى الرفض. بهذا المعنى لا تزال تتصدى لكل المعادلات التي هندستها باريس، ولو أنّ البعض يؤكد أنّ الرياض ترفض مطلقاً العودة إلى الملف اللبناني، ولهذا تطلق الفيتوات الواحد تلو الآخر، وفي بالها عدم الانجرار من جديد إلى المستنقع اللبناني لصرف المزيد من الاستثمارات في «مُنخل» المنظومة.

 

بالتوازي، يقول بعض المراقبين إنّ تمنع المسؤولين الأميركيين عن «التورّط» في وحول الملف اللبناني من خلال الابتعاد عن خوض تفاصيله، يعود إلى تَوَخيهم أمرَين رئيسييَن مختلِفَيْن لكنهما مرتبطان جوهرياً وهما:

 

أولاً، أن ترسوَ الأمور «على برّ» بينهم وبين الايرانيين على «الخطوط» الجغرافية المتعلقة بمشروع «الحِزام والطريق» الصيني، حيث يقع لبنان على واحد مِن أهمّ تفرعاته المؤدِّية الى الشاطئ الوحيد المتاح للصين على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.

 

وثانياً، فصل «الخيط الأسود عن الأبيض» بما يخصّ النظام السياسي الجديد في لبنان الذي سيتمخض، لا محالة، من رحَم الإنهيار المستمِّر فصولاً متسارعة على كل الصُعُد.