IMLebanon

جبران باسيل لم يعد “فعلاً”… مرشحاً للرئاسة

 

أكثر من ساعة أمضاها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يوم السبت الماضي أمام الكاميرا يتلو بيانه المكتوب. لم يُفهم توقيت تلك المواقف ومضامينها إلا من زاوية إعلان استسلامه السريع لقانون “قيصر”. أقله هكذا رأى حلفاؤه.

 

حتى في الشكل، لم تفهم الطريقة التي بات يتوجه فيها باسيل إلى الرأي العام. فلا هو مؤتمر صحافي يفتح فيه صدره لأسئلة الإعلام واستيضاحاته، ولا هو خطاب جماهيري. لعلها محاولة، غير موفقة لتقليد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، الذي لاعتبارات أمنية فقط يترك تلك المسافة بينه وبين ناسه.

 

أما في التوقيت فلم يُنظر إلى رزمة المواقف التي أطلقها إلا بكونها جاءت في سياق الرد على خطاب نصر الله الأخير. سارع باسيل إلى التحذير من عدم قدرة “التياريين على التحمّل أكثر!”. قالها من دون مواربة: “يسألنا التياريون، بقلق او زعل، لماذا نُترك وحدنا ولا يقفون معنا بالملفات الأساسية كالكهرباء والنفط والفيول وسوكلين، ومرفأ بيروت والاتصالات والموازنة والجمارك والحدود، وكنّا نجيب بضرورة تفهّم أسباب حلفائنا، ولكن اليوم مع اشتداد الظروف “ما عاد فينا” نطلب من الناس أن تتفهم اكثر”.

 

تلك العبارة لا تزال حتى اللحظة تطنّ في آذان مسؤولين في “حزب الله”، يحاولون التدقيق فيها لقراءة ما بين سطور الكلمة المتلفزة لاستخلاص الرسائل التي يحاول باسيل توجيهها، وتحديد الأهداف التي يعمل على تحقيقها.

 

طبعاً، لن يكون “حزب الله” في وارد إثارة أزمة مع حليف السنوات الـ 15، بسبب تصويبه على طابة تخلي حلفائه عنه في معركة مكافحة الفساد، ليصيب طابة قانون “قيصر” والعقوبات الأميركية، على طريقة لعبة البلياردو. سبق لـ”الحزب” أن واجه الكثير من المحطات الخلافية مع حلفائه، ولم تصل به الأمور إلى حدّ تحويلها أزمات تصيب صميم العلاقة. ما يثير انتباهه وانزعاج قيادييه، هو المسار الذي قرر جبران باسيل سلوكه منذ الانتخابات النيابية وحتى اليوم. تلك هي المسألة الواجب التدقيق بها لأنها قد تؤدي، اذا ما استمرت في وتيرتها التصاعدية، إلى الخروج من تفاهم مار مخايل.

 

مجموعة عوامل تلعب دورها في تكوين الخطاب الباسيلي في هذه المرحلة الدقيقة. يسردها الحلفاء على الشكل الآتي:

 

أولاً، شعور باسيل أنّ عهد الرئيس ميشال عون يكاد ينتهي على انفجار اجتماعي غير مسبوق وعلى هجرة مسيحية قد تدخل التاريخ، لما سيكون لها من آثار سلبية على موقع المسيحيين في التركيبة. ولذا يمارس هذا الفريق نوعاً من النهم في “قش” التعيينات الادارية والمالية، كونه مقتنعاً أنّ من سيزرعهم في الإدارة سيكونون الانجاز الوحيد الذي سيتحقق في هذا العهد، ولو أن ولاء هؤلاء غير مضمون أبداً.

 

ثانياً، بات محسوماً وجلياً أنّ “حزب الله” لن يكرر تجربة تبني مرشح لرئاسة الجمهورية قبل الأوان، كما حصل مع الوعد الذي قطعه لميشال عون. لا بل أكثر من ذلك. قال نائب الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم في اطلالته الاعلامية الأخيرة رداً على سؤال حول امكانية تكرار تجربة عون في الرئاسة، إنّ لكل استحقاق ظروفه، بمعنى أن نظرية الأقوى في طائفته لم تعد صالحة، وفق قواعد “حزب الله” لاستحقاق العام 2022.

 

وها هو حسان دياب غير الممثل للطائفة السنية على المستوى الشعبي، رئيس للحكومة. وبالتالي لا يبدو “حزب الله” ممانعاً أو معارضاً لاستنساخ التجربة الحكومية في رئاسة الجمهورية. لا بل الأرجح هو يحاول تحضير الجمهور المسيحي نفسياً لخطوة من هذا القبيل. وبالتالي لم يعد الأقوى في طائفته هو المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية. والا لما طرح سليمان فرنجية نفسه مرشحاً جدياً لو أنه متيقن أن هذه المعادلة لا تزال سارية المفعول عند “الحزب”.

 

الأكيد أن انكفاء “الحزب” عن حسم خياره الرئاسي يربك رئيس “التيار الوطني الحر” ولو أنه لم يفاتح أبداً السيد حسن نصر الله بهذا الموضوع لادراكه، ربما، أنه لن يحصل على إجابة شافية.

 

وهذا ما يفسّر الارباك الظاهر بقوة على سلوك جبران باسيل ما دفعه إلى التمهيد لخطوة خروجه من السباق الرئاسي عبر قوله: “لا أريد أن أصبح رئيساً للجمهورية”. هو يعلم جيداً أنّ بينه وبين الرئاسة باتت المسافة بعيدة جداً، لأسباب كثيرة.

 

وفق المعلومات وجّه “حزب الله” الكثير من الرسائل “التصويبية” لباسيل، ومفادها: لا يمكنك أن تضع الحزب والأميركيين في جيب واحد. إلتقاؤهما بشكل متساوٍ مستحيل. ولو أن “الحزب” مقتنع انه لا يمكن انتخاب رئيس معادٍ للغرب وتحديداً لواشنطن. ولكن في المقابل لا يمكن قياس العلاقة بالميزان نفسه.

 

اذاً، هو ذلك الغموض الذي يلف علاقة باسيل بالأميركيين، ببعض تفاصيلها غير الواضحة، هو الذي يثير علامات استفهام كبيرة لدى قياديي “حزب الله”، ما يدفعهم إلى التدقيق في مسار صار عمره أكثر من سنتين، بدأ حين رفض باسيل تبني ترشيح حسين زعيتر على لائحة “التيار” في دائرة كسروان جبيل بحجة أنّ القواعد البرتقالية لن تقبل هذا الترشيح، ليمر على سبيل المثال باطلالة السفيرة الأميركية دوروثي شيا على محطة الـOTV، والتي أثارت انزعاج مسؤولين في “الحزب”، تزامناً مع عدم اخفاء النواب العونيين دعوتهم لمراجعة التفاهم… وليتوّج بالكلمة التي ألقاها باسيل والتي هدفت بشكل مختصر إلى مخاطبة الأميركيين قولاً: أعفوني من “قيصر” وخذوا ما يدهشكم!

 

أكثر ما يتم التوقف عنده هو تحذيره من أنه لم يعد بمقدوره لجم تياره. بمعنى آخر، استثمر باسيل كل امتيازات تفاهم مار مخايل منذ ولادته وحين صار عبئاً عليه راح يشتكي منه. كل ذلك بسبب العقوبات الأميركية. ولذا هناك من يسأل: كيف سيكون مرشح “حزب الله” للرئاسة اذا بات على ضفة الشكوى من التفاهم؟!

 

هناك من يعتقد أنه اذا أُبلغ باسيل رسمياً من جانب “حزب الله” انه لن يكون مرشح “الحزب” لرئاسة الجمهورية، فسيمزق باسيل ورقة التفاهم في اللحظة ذاتها. والعكس صحيح.

 

ومع ذلك، يتصرف “حزب الله” على أساس تمسكه بالتفاهم وتفهّمه لحلفائه على الرغم من المطبات التي تصيب العلاقة. أما باسيل فمقتنع أنّ “الحزب” يحتاج الى “التيار” نظراً لحاجته للقاعدة المسيحية وبسبب الضغط الخارجي، ولاعتقاده أن وضعه الاقليمي إلى تراجع أكثر.

 

أما أولويات “حزب الله” فهي سلاحه أولاً، ومن ثمّ وحدة الصف الداخلي وفي مقدمها الوحدة الشيعية، ومن بعدها حماية الانجازات في تركيبة السلطة، وبالتالي هو لن يخاطر بها عن طريق الاختلاف مع أي حليف. ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها “الحزب” لطلقات صديقة ولن تكون الأخيرة. وبالتالي لن تؤدي الى شرخ في العمق ولو أنّ التشققات صارت بادية للعيان، وستظهر تداعياتها مع الوقت.