IMLebanon

معركة الباب بين دحر «داعش» وإعادة التموضع

معركة الباب بين دحر «داعش» وإعادة التموضع

د. جيرار ديب

مُعقّدة هي جبهة الشمال السورية، حيث تتصارع فيها قوى مختلفة، تعمل على بسط سيطرتها، لقطع الطريق أمام الأطراف الآخرين. منذ أن أعلن درعُ الفرات بدءَ معركة السيطرة على مدينة الباب السورية، والأحداث تتوالى لتكشف عن أهمية المدينة الإستراتيجية.

يمثّل موقع المدينة، الواقعة حالياً تحت سيطرة تنظيم «داعش»، بوابةً للسيطرة على المناطق المتبقّية في الشرق السوري، وهي محافظة الرقة، ومعظم مناطق محافظة دير الزور.

تشهد المدينة هجوماً من قبل أطراف عدّة، قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً، وقوات درع الفرات المدعومة تركياً، وقوات الجيش السوري. تقع المدينة على بعد 40 كم شمال شرق حلب، أهميتها في موقعها الاستراتيجي، ودورها في ربط المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية لسوريا.

أمام السباق الكبير للقوى المتقاتلة نحو المدينة، تستشرس الدولة الإسلامية في الدفاع عن أبرز معاقلها. لكن يبقى السوأل عن: أهمية أسباب هذا السباق نحوها؟

– بالنسبة إلى الجيش السوري، يرى في الباب نقطة حيوية للغاية. ففي الوقت الحالي، وبعد الهجوم الذي كان قد أطلقه في اتجاه مطار منغ العسكري، ومعبر أعزاز شمال حلب، بهدف عزل الحدود التركية – السورية، أصبحت هذه المدينة القريبة من الحدود التركية، مرتكزاً يمكن الاعتماد عليه، لإنشاء خط لعزل باقي مناطق سوريا عن هذه الحدود، بالإضافة إلى تأمين خاصرة القوات السورية شمالي حلب.

– قوات درع الفرات المدعومة من تركيا، ترى في السيطرة على المدينة فرصة ذهبية لتحقيق أهداف استراتيجية عدة، أوّلها إكمال «المنطقة العازلة» التي تريدها. كما تحاول تركيا، عبر درع الفرات، الوصول إلى منبج، بهدف فرض نفسها شريكاً وحيداً على إدارة الرئيس ترامب، في حربه ضدّ داعش من جهة، وقطع الطريق أمام حلم الأكراد ببناء إقليمهم، مع إبعاد خطر الصواريخ الداعشية على حدودهم.

– قوات سوريا الديمقراطية المكوّنة من فصائل مختلفة، التي تظهر تبعيّتها إلى القوات الكردية، المدعومة من قوى التحالف على رأسها الولايات المتحدة، فإنّها ترى في المدينة بوابةً قد تسمح لها أن تكون الرقم الصعب في العملية المرتقبة لتحرير محافظة الرقة، وهي العملية التي أعلنت انطلاقها، تحت حملة «غضب الفرات»، بهدف إنشاء سورية ديمقراطية وعلمانية.

تداخلت المصالح، بين الأفرقاء المتصارِعة على مدينة الباب السورية، ما بات ينذر بخروقات عديدة لإتفاقية الأستانة، التي نصّت على وقف إطلاق النار بين النظام والمعارضة المعتدلة. إلّا أنّ احتدام المعارك في هذه المدينة، يُنذر بوقف العمل في المعاهدة.

فقد تناولت التقارير الميدانية المعركة، فـ«سكاي نيوز» تحدثت عن «اشتباكات للمرة الأولى بين الجيش الحر وقوات النظام شرق مدينة الباب في شمال سوريا».

إنّ التغيير الذي طرأ على السياسة الأميركية، مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة، وفي ظلّ ما يطلقه من تصاريح عدائية تجاه إيران، والدولة الإسلامية التي يسعى لإزالتها، أعاد خلط الأوراق من جديد في المنطقة، ما دفع احتمالات التصادم بين الأطراف الثلاثة قائمة من جهة، ومن جهة أخرى، وضع مصير إتفاقية الأستانة على المحكّ، خصوصاً أنّ أميركا كانت فيها ضيف شرف.

أخيراً، بات من المعلوم، أنّ النيّة واضحة لدى جميع الأطراف، القضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق، لكنّ لكلّ طرف حساباته الخاصة، وأجندته للمنطقة. لذلك، ستشهد المنطقة، أكثر من صراع عسكري وديبلوماسي، مع عودة اللاعب الأميركي عسكرياً الى المنطقة، بعد أن تغيّب في ظلّ إدارة الرئيس السابق أوباما. إنّ مصير المنطقة سيظلّ مُبهماً، إلى حين تتبلور التحالفات الجديدة، والرؤية المتّفق عليها من الجميع لتقسيم المنطقة.