IMLebanon

معركة النفط.. إلى أين؟

 

الأسبوع الأميركي الديبلوماسي الحافل الذي شهدته بيروت، خلال الأيام الماضية، كان محوره ملف النفط والغاز في البلوك التاسع، والمحاولات الإسرائيلية المستمرة للسطو على الثروة اللبنانية المتروكة في أعماق البحر.

لم يكن صعباً على المسؤولين اللبنانيين أن يستنتجوا بأن الموقف الأميركي الذي نقله وزير الخارجية تيلرسون، ومساعده لشؤون الشرق الأوسط السفير ساترفيلد، على انحيازه المعهود للدولة الإسرائيلية، لجهة الضغط على لبنان للتنازل عن نصف حقوقه النفطية تقريباً في هذه المنطقة للعدو الإسرائيلي، بحجة التسليم بخط الوسيط الأميركي السابق السفير فريدرك هوف، الذي قضى بإعطاء لبنان حق الاستثمار في ٥٥٠ كلم، والباقي، حوالى ٣٥٠ كلم يعتبر حصة إسرائيل، بحجة إخضاعها للتفاوض لاحقاً، لرسم الحدود البحرية بين الطرفين!

كان يمكن للبنان أن يفرض أمراً واقعاً لمصلحته، لو سارع إلى إطلاق ورشة الاستثمار النفطي في حينها، أي قبل ست سنوات على الأقل، إبان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وحيث كان الرئيس ميشال سليمان يمارس صلاحياته الدستورية، قبل سنة على انتهاء ولايته، ولكن خلافات أهل السياسة على الحصص، والإصرار على تعطيل إنتاج السنة الأخيرة من العهد، أضاع فرصة دخول النادي النفطي في وقتها، رغم الإسراع في تعيين أعضاء الهيئة الرسمية المعنية باستثمار الثروة النفطية.

بقي الملف النفطي في الأدراج طوال السنوات العجاف، والتي زاد من قساوتها على الوضع اللبناني الشغور الرئاسي، في وقت كانت تل أبيب تستعجل ترتيبات البدء سريعاً بدخول النادي النفطي، فأبرمت الاتفاقات مع الجارة القبرصية لتحديد الخطوط الفاصلة بين البلدين، وذلك رغم محاولة لبنان إبرام اتفاق مماثل مع قبرص، التي أعطت الأولوية لإسرائيل، على اعتبار أنها أكثر جهوزية من لبنان.

كما استطاعت تل أبيب عقد اتفاق لخط أنابيب التصدير إلى أوروبا مع تركيا، فيما أهل السياسة في لبنان يتلهون في نقاشات من نوع الملائكة ذكوراً أم أُناثاً، في خضم التنافسات المحتدمة على المحاصصات!

اليوم، وقد دقت ساعة الاستثمار النفطي، كيف سيواجه لبنان التهديدات الإسرائيلية العنترية، باستعمال القوة لوقف العمل في البلوك رقم ٩؟

المحادثات الأميركية في بيروت لم تكن مشجعة الأسبوع الماضي، كما أسلفنا، وجامعة الدول العربية أعجز من أن تتصدّى لمثل هذه القضية ومناصرة البلد المؤسس لميثاقها، أما الأمم المتحدة فلا تستطيع أكثر من اتخاذ القرارات، والتي تبقى حبراً على ورق، على اعتبار أن الفيتو الأميركي في مجلس الأمن، يعطل جدوى اللجوء إلى أعلى منبر أممي للحفاظ على الحقوق اللبنانية.

هذا الواقع المرير يفرض على لبنان الاعتماد على نفسه أولاً، في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، وحماية ثروته الوطنية، وذلك من خلال رصّ صفوف الجبهة الداخلية أولاً، والقيام بحملة ديبلوماسية واسعة، تستنفر صداقات لبنان العربية والدولية، لممارسة كل أنواع الضغوط اللازمة على الولايات المتحدة الأميركية، بهدف التدخل لدى حليفتها إسرائيل، ومنعها من القيام بأي مغامرة عدوانية جديدة، إلى جانب توفير القدرات والإمكانيات البشرية والتسليحية للجيش ثانياً وثالثاً، ولو اقتضى الأمر اللجوء إلى مصادر جديدة للتسلح، تكسر الطوق المفروض على عدم وصول الأسلحة الاستراتيجية الرادعة للجيش الوطني، إلى جانب إعادة الاعتبار لإعلان بعبدا، والذي تم التوافق عليه بين كل الأطراف السياسية، والذي ينص على وضع الاستراتيجية الدفاعية، وحصر إمرة السلاح بالقيادة العسكرية.

هذا لا يعني أن لبنان ذاهب إلى الحرب غداً، بقدر ما يعني الاستعداد لأي تطوّر مفاجئ، والمضي قدماً في اختبار عرض السيد حسن نصر الله الأخير بوضع قرار التصدي وإستعمال الصواريخ بإمرة القيادة السياسية الشرعية، وهو ما يشكل رسالة واضحة، ليس إلى الجانب الإسرائيلي وحسب، بل إلى كل مَن يعنيه الحفاظ على ما تبقى من أمن في هذا الإقليم الملتهب بشتى أنواع الفتن والحروب على المذابح النفطية!