IMLebanon

بشرّي في عين الـ”كورونا”… “دقّ الخطر ع البواب”

 

يبدو أن فيروس كورونا مصرّ على استكمال غزوته للكرة الأرضية مواصلاً الهجوم الأعنف على البشريّة ومسقطاً كل التحصينات التي ترتفع في وجهه، حتى عُدّت الدول التي وصلت إلى القمر والمريخ عاجزة أمام مواجهة هذا العدو الفتّاك.

 

عندما تقرأ كتب التاريخ وتتعمّق بها، تعلم جيداً أن منطقة بشري كانت رمز المقاومة والصمود، وشكّل وادي قنوبين برمزيته التاريخية الحصن الحصين للموارنة الهاربين من الظلم والإضطهاد والذي لم تستطع أقوى الإمبراطوريات اختراقه.

 

يقف أهالي بشرّي والجبة اليوم في مواجهة عدو جديد من نوع آخر، ليس هذا العدو من صنف المماليك الذين دمّروا الجبة، وليس شبيهاً بالإحتلال العثماني الذي فرض الحصار على المنطقة وجوّع أهلها، ولا يشبه الإحتلال السوري الذي حاول تركيع موطن الأرز، إنه الكورونا عدو البشرية جمعاء من دون استثناء.

 

كان أهالي بشرّي يشعرون بقلق عندما يسمعون نشرات الأخبار التي تُحصي الإصابات في الأقضية، إذ كان عدّاد الكورونا في هذا القضاء الشمالي صفر في ظاهرة فريدة، في حين أن الأخبار كانت تتوالى في الأقضية المجاورة إن كان في البترون أو الكورة أو زغرتا أو الضنية، حيث تُسجّل الإصابات المتتالية، إلى أن نزل الخبر كالصاعقة على البشرانيين أمس الأول ومفاده إصابة الدكتور يوسف طوق، الطبيب في مستشفى مار يوحنا الحكومي في بشرّي بـ”كورونا”.

 

يتحدّث الجميع في بشري عن مزايا الطبيب الذي يبلغ من العمر 65 عاماً وهو طبيب صحة عامة، وقف إلى جانب أبناء منطقته في الأزمات وقريب جداً من الناس، وقد تكون هذه الصفة خطيرة في زمن “كورونا”، ما يعني الإحتكاك بأكبر عدد من المرضى والمواطنين. لا يوجد حتى الساعة أي معلومة رسمية تؤكّد من أين وصل “كورونا” إلى الطبيب، منهم من يقول إنه التقطها عبر عسكري في ثكنة الأرز كان يُطبّبه، وآخرون يشيرون إلى أنه وصل إليه من أحد المرضى، في حين أن طوق لا يُطبب خارج قضاء بشري، وهنا تكمن الخطورة ما يرجح نقلها عبر أحد المرضى من داخل البلدة.

 

كل تلك الروايات بحاجة إلى تأكيدات رسمية، فالدكتور طوق أجرى فحص “كورونا” في مستشفى هيكل في الكورة فأتت النتيجة إيجابية، من ثم انتقل إلى مستشفى رفيق الحريري لأنّ النتائج هناك دقيقة، وقد اوضح طوق عبر صفحته على “فايسبوك”: “أجريت على سبيل الإحتياط إختبار الكورونا وجاءت النتيجة الأولية إيجابية، وفي ظل غياب أي عوارض قررت إجراء اختبار ثان في مستشفى رفيق الحريري وأنا بانتظار النتيجة النهائية السبت 28 آذار (اليوم)”.

 

تنتظر بشري أيام عصيبة لمعرفة ما إذا كان الكورونا متفشياً داخل البلدة وعدد الناس الذين طاولتهم العدوى إذا تأكّدت الإصابة نهائياً، وفي السياق، يشير رئيس بلدية بشري فريدي كيروز لـ”نداء الوطن” إلى أن “البلدية متأهبة وتتابع كل ما يحصل، وقد اتُخذ القرار بإقفال المستشفى ووضع الطاقم الطبي والتمريضي والعاملين في المستشفى في الحجر، ونجري تحرياتنا لنعرف بمن احتك الطبيب لنطلب منهم الحجر أيضاً”. ويلفت كيروز إلى أن “المستشفى كان قدّ اتخذ تدابيره الإحتياطية، وبالتالي فإن الخوف إذا كانت هناك إصابات خارج المستشفى، من هنا يدعو كيروز جميع اهالي بشري إلى تنفيذ الحجر وعدم الإختلاط لتمرير هذه المرحلة الصعبة”.

 

منذ اليوم الأول لوقوع كارثة كورونا كان رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع أكثر من نبّه إلى خطورة الوضع ودعا الى اتخاذ التدابير الصارمة، كذلك اتّخذت بلديات بشري ونائباها ستريدا جعجع وجوزف إسحاق وحزب “القوات اللبنانية” والفعاليات تدابير صارمة، من أجل عدم تمدد “كورونا” إلى القضاء، حتى وصل الامر إلى الطلب من أهالي البلدات البشرانية القاطنين خارج القضاء عدم زيارة بلداتهم في هذه الفترة، كما أقيمت الحواجز على مداخل البلدات لفحص حرارة الداخلين إليها إضافة إلى التعقيم، لكن كل هذه التدابير والإجراءات لم تحصّن بشري من “كورونا”، في حين أن هذا القضاء مثل بقية الأقضية يطلب مساعدة وزارة الصحة لمواجهة هذه الكارثة التي تضرب الجميع ولا تفرّق بين شخص وآخر، وقد زادت المعاناة الصحية الآن بعد إقفال مستشفاها الحكومي.

 

يبدو أن الخطر المتمثّل بـ”كورونا” دقّ أبواب بشرّي والخوف من أن يكون دخل المنازل، من هنا ترتفع الدعوات لإلتزام الحجر خوفاً من تضخّم الكارثة، في حين أنه يُعرف عن البشرانيين أنهم يختلفون داخل بلدتهم وعندما يخرجون منها يتوحّدون ولا يعرف الغريب بخلافاتهم، وقد يكون هذا الخطر فرصة لتوحّد المجتمع البشراني داخل بلدته مثلما يفعل خارجها متناسياً خلافاته السياسيّة والعائلية، ويقف صفاً واحداً لمواجهة ما هو آت.