IMLebanon

من يحمي “ضحايا بيروت الأحياء” من مساكن آيلة للسقوط؟

 

86 ألف وحدة متضررة في العاصمة

عامان على تفجير بيروت. الإنفجار قد يحدث عفواً أما التفجير فمقصود. بيروت فُجّرت. مئة مبنى هُدمت كلياً. 300 مسكن تراثي تضررت. ومنازل رُممت – في الشكل لا في الأساس- ومنازل، كثيرة كثيرة، ينتظر “مسؤولونا” أن تسقط على رؤوس من فيها! بيروت – ستّ الدنيا- أشبه بقنبلة نووية بعد عامين على تفجير أشبه بالنووي والبيارتة، ما تبقى من بيارتة، مشروع ضحايا جدد.

كثيرون إستغلوا بيروت. كثيرون تعاملوا معها كما يتعاملون مع بنات الهوى. مجرد نزوة، متعة، غاية، غير آبهين لمصيرٍ أسقطت فيه، فأصبحت بعدما كانت تتجه كل العيون نحوها: خائرة خائبة خائفة. اصبحت بيروت ضحيّة. ومرّت الأيام. وها نحن، للمرة الثانية على التوالي، نتذكر ما لم ننسه ولن ننساه: 4 آب 2020. ها نحن قد أصبحنا نعدّ الأيام بعد 4 آب وقبل 4 آب. نحن نعدّ الأيام ونتحسس جلدنا وهم يعدون مالنا وما لنا ويُقسمونه، كما لو كان لهم، ليضخّ في بقايا هيكل الدولة أياماً إضافية. وهناك من يعدّ ضحايا بيروت، فيتذكر بعض الأسماء، بعضها فقط، وينسى البقية. الضحايا، الى كثيرين، أرقام وجثث وبقايا لا أسماء ووجوه وضحكات وأحلام. هو قدرهم؟ هو قدرنا أن نولد هنا ونكبر هنا ونسمح لهم، في كل مرة، بالتضحية بنا. نعم. بيروت التي اغتيلت قبل عامين، بالتمام والكمال، تستمرّ اليوم في قمقم الموت. فماذا في التفاصيل؟

 

الترميم الصعب

 

هل تتذكرون يوم سرح السماسرة وراحوا يسألون من لم يمسحوا بعد الدماء عن أثوابهم: هل تريدون بيع البيوت؟ البيوت، كما الأوطان، وجود. بعضهم باع وبعضهم لا. ومن لم يبع هو يعيش اليوم في عقارات “مخلخلة” في خطر. فالدولة غير آبهة. لا تهتم. وبلدية بيروت عاجزة . وأصحاب البيوت أنفسهم عاجزون. فكيف لصاحب ملك مؤجر، يتقاضى أقل من مليوني ليرة سنوياً عن ملكه ان يرمم بالدولار الطازج “الفريش”؟ وفي بيروت وحدها، بحسب رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات أنديرا الزهيري، 13,158 وحدة مؤجرة سكنية قديمة. وفي لبنان كله 64,926 وحدة سكنية قديمة مؤجرة. لا، لا نفتح ملف الإيجارات القديمة اليوم لكننا نسأل الدولة ومن فيها: هل تهتمين لبيوت مخلعة، بفعل تفجير بيروت، وبمن فيها؟ لا، لن ننتظر جواباً من دولة في كوما ستقول يوم تسقط البيوت على أهلها: ما كنت أعرف!

 

في كل حال، لمن يهمه الأمر، 85,744 وحدة تضررت كلياً او جزئياً في بيروت بعد تفجير المرفأ، تقع تحديداً في الأشرفية والرميل والجعيتاوي والشحروري والصيفي والمدور والمرفأ بينها 60,818 سكنية و20,171 مؤسسة تربوية وشركات ومستشفيات ومطاعم… وبينها ايضا 1173 مبنى تراثياً.

 

ماذا لدى أنديرا الزهيري، الناشطة الحقوقية الإجتماعية التي تعنى بسلامة المباني، لتزيد؟ تجيب “شركات عقارية كثيرة جرّبت ان تستغلّ بيروت والمناطق التي تضررت في بيروت، خصوصا ان غالبية تلك المساحة، تتشكل من مالكين قدامى وجدوا أنفسهم عاجزين أكثر من أي يوم آخر عن ترميم مبانيهم وبيوتهم. وهبّت تلك الشركات العقارية لتقديم “نجدة”، فيها مصالح بحت شخصية، وشراء العقارات بمبالغ زهيدة من أناسٍ باتوا يقبلون بأي شيء، بكل شيء، قد يُخرجهم من عاصمة مخطوفة. فدخلت المدينة بمرحلة هي اليوم بين الركود الشديد والنمو البطيء، الميسور فيها قادر ان يشتري بالملاليم والفقير، الموجوع، فيها يبيع بالملاليم. هي عاصمة تحيا بأوكسيجين إصطناعي. إنها في كوما. إنها في نوم عميق كما الأميرة النائمة في القصص والروايات”.

 

قنابل موقوتة

في هذا المستنقع القبيح يبرز سؤال: ماذا عن سلامة كثير من المباني البيروتية اليوم؟ تجيب الزهيري: “ستلاحظون في المدى القريب والمتوسط إرتفاعاً في عدد القنابل الموقوتة في العاصمة، التي كان عدد الآيل منها للسقوط، قبل الرابع من آب 2020 اكثر من 1046 مبنى. بعد حصول التفجير، وبحسب مسح جزئي، تبين وجود 86 الف وحدة سكنية وغير سكنية متضررة. وكلنا يعلم غلاء المواد الأولية اللازمة للتدعيم والترميم، ما دفع كثيرين الى استخدام مواد لذلك منتهية الصلاحية، في ظلِّ إستنزاف غالبية المساعدات التي وصلت لذلك بطرق ملتوية. فالمسح الذي جرى جزئي وعمر الباطون خمسون عاماً وسنوياً يفقد خمسة في المئة من جودته، فكيف إذا كانت هناك مبان قديمة جدا، عانت من ظروف الحرب و”خلخلها” تفجير هائل. هذا كله في ظروف إقتصادية ومالية صعبة جداً اليوم وكلفة باهظة جداً جداً للمواد الأولية”.

 

لا إحصاءات دقيقة اليوم، أو حتى تقريبية، عن عدد البيوعات التي جرت في بيروت. “لكن الوضع العام، بحسب الزهيري، يعطي تصوّراً ان النسبة قد تكون عالية. فابن العاصمة يحتاج ان يبيع ليعيش او ليسافر ويقضي ما تبقى من العمر بأمان او ليحصل على بعض السيولة، على بعض الفتات، ويعيش. الحاجة دفعت المواطنين الى البيع بعشوائية في ظل وجود من سارعوا الى استغلالهم بطريقة إحتيالية في غياب الرقابة والتوعية واستحالة الصمود”.

 

سارعت رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، بالتواصل مع الجيش اللبناني، الى تقديم مساعدات توعوية “لحماية حقوق الناس والمالكين من خلال رفع المسؤولية عنهم جراء اي سقوط لمبانٍ آيلة لذلك” تضيف “هناك جمعيات كبيرة استغلت المساعدات وأجرت تصليحات مغشوشة، فبنت جدرانا جديدة، كما البسكويت، تتفتت بسهولة وسريعة العطب، عشوائية وغير مدروسة ولا آمنة للسكان”.

 

بيروت كما تراها الزهيري “مخطوفة، مهمشة، تشرد ثلاثة ارباع ناسها، وبيوت كثيرة فيها مخلخلة، وهواء بحرها يؤذي بنيانها، والمياه تتغلغل في أساساتها، وهي مقبلة على كوارث. إنها أشبه بقنابل نووية، والمولدات الكثيرة التي بين بيوتها المتلاصقة تؤذيها اكثر فأكثر. و16 الف مبنى (تضم 86 ألف وحدة سكنية وغير سكنية)، بحسب الإحصاءات الرسمية، قد تقع في اي وقت. فهل ينتظرون سقوطها ليتحركوا؟ وهل ينفع الندم؟ ودور البلدية هنا الإخلاء ولو بواسطة قوى الأمن، فالبلدية هي الدولة المصغرة. والمالكون القدامى يطالبون اليوم مجلس النواب بإصدار مشروع قانون يحميهم من مسؤوليات سقوط مبانيهم على من فيها. إنهم يطالبون برفع المسؤولية عنهم وهم يرون تداعيات التشققات بالعين المجردة”.

 

كلهم يريدون التنصل من المسؤوليات وما تبقى من بشر يبقون مشاريع موتى وضحايا جدد. فهل من يحسب حسابهم، أو سيحسب حسابهم، ونحن نحيا ذكرى تفجير بيروت الثانية؟