IMLebanon

بلدية بيروت: «المستقبل» لا يريد الصلاحيات

انتهت «الغربية» و«الشرقية» في بيروت مع إقرار اتفاق الطائف، إلّا أنها عادت مع الانتخابات البلدية هذه المرّة. في «الشرقية»، الأمر متروك للقوى «المسيحية»، فيما يحاول تيار المستقبل استعادة تجربة التوافق مع حلفائه وخصومه، ليؤكد أن «بيروت حريريّة»

رغم أن بلدية بيروت موحدة، في انتخاباتها ومجلسها، إلا أن الأداء الانتخابي للقوى السياسية فيه هو «تقسيميّ» بامتياز. في «الشرقية»، المعركة مستقلة عن «الغربية». لا تُقال الأمور بهذه الطريقة الفجة. لكن الواقع العملي هو كذلك. في الأشرفية والصيفي والرميل والمدوّر، العملية متروكة للقوى المسيحية.

أما في المصيطبة والمزرعة ورأس بيروت والباشورة، فيرغب تيار المستقبل في استعادة تجربة التوافق مع حلفائه وخصومه، ليؤكد مرة جديدة، في ظل قانون انتخابي متخلّف، أن «بيروت حريريّة».

قناعة الغالبية في العاصمة أن غطاء التوافق السياسي سيُطيح أي لائحة «معارضة». مع ذلك، شكّل عدد من الناشطين حملة «بيروت مدينتي»، مصمّمين على إيصال مرشحين منهم، في الانتخابات المُقرر إجراؤها في أيار المقبل. فيما اختار آخرون ممن يستطيعون جمع صوت من هنا أو هناك الركون جانباً، مسلّمين بعدم قدرتهم على حسم المعركة بأوزانهم الضعيفة.

بيروت تعني الرئيس سعد الحريري. يُحاول تيار المستقبل دائماً تصويرها على هذا النحو. لذا يتمنّع خصومه عن إطلاق «عدّة الشغل» لتقاسم المقاعد «المخصصة» عُرفاً للطائفة السنية في بلدية بيروت. عام 2010 «تجرأ» البعض على مواجهته، وتأليف لائحة مضادة. لم يكُن الهدف آنذاك دخول المجلس البلدي، بقدر ما كان محاولة لإثبات الذات، والقول إن هناك أصواتاً بيروتية تصب لغير مصلحة آل الحريري. هذه الحالة تكاد تكون شبه معدومة حالياً. أما بالنسبة إلى حزب الله وحركة أمل والنائب وليد جنبلاط فيعرفون أن الأمور محسومة لمصلحتهم في المقاعد المخصصة لهم (3 مقاعد)، وهم ليسوا بحاجة إلى التجييش والعراضات. عام 2010 «تُرست» المدينة بالصور واللافتات، وغزتها المهرجانات واللقاءات والندوات، أما اليوم فلا حركة سياسية ولا حركة شعبية يُمكن رصدها، علماً بأن لا شيء محسوماً حتى الآن، لا ترشيحاً ولا تحالفاً.

في تيار المستقبل، ثمّة سببان لهذه البرودة، تتحدّث عنهما مصادر التيار. برأيها أن «طبيعة المعركة في المدينة يحددها التوافق». ويبدو أن «المستقبل» يميل إلى «تحالف طبيعي» مع كل الأطراف الممثلة حالياً في المجلس، أو التي ستنضم إليه نتيجة للتحالفات المسيحية الجديدة، وهو «متمسك بالعرف التوافقي». مصادر المستقبل متفائلة. بالنسبة إليها، فإن «اللائحة الائتلافية في ظل معركة محسومة نتائجها أفضل من أي سيناريو آخر يفتح الأبواب على نتائج سلبية». يعني ذلك «تأمين أكثرية الأصوات لفرض الشروط داخل المجلس البلدي». تقول هذه المصادر «إن العمل بصمت أسلوب يتبعه الرئيس الحريري، لإعلان لائحة ائتلافية، في وقت لا يستطيع معه آخرون الالتحاق بالعملية الانتخابية». وثانياً «طبخ المرشحين للرئاسة والعضوية من تحت الطاولة»، وخصوصاً أن «الطامحين كُثر». على صعيد المرشحين المستقبليين لرئاسة المجلس البلدي «تختصر المنافسة بين نقيب المهندسين خالد شهاب ومنسق التيار في بيروت بشير عيتاني، ووليد كبّي، وبلال العلايلي وجمال عيتاني». أما على صعيد العضوية «فعشرات لا تسعهم المقاعد المُتاحة» (سبعة من المقاعد المخصصة للطائفة السنية ستكون من حصة المستقبل).

المنافسة بين خالد شهاب وبشير عيتاني ووليد كبّي وبلال العلايلي وجمال عيتاني

تؤكّد مصادر التيار أن «الحريري لم يناقش الأمر مع أي شخص، لا في ما يتعلق بالرئاسة ولا بالعضوية». وهو يدرس «مشكلة تمثيل العائلات التي يُمكن أن يُختار منها شخص لا يحظى بإجماع ضمن عائلته». فيما اتفق مع الجماعة الإسلامية على المقعد المخصص لها، وترك لها حريّة اختيار ممثلّها. فهو الآن» بحاجة إلى رضاها، تحسباً لأي معارك انتخابية مقبلة في الإقليم وصيدا والشمال».

في ما يتعلّق بحزب الله وحركة أمل، يراقب الاثنان المشهد بلا صخب. تقول مصادر في 8 آذار إن «الحزب لا يزال يدرس خيار المشاركة هذا العام ترشيحاً وانتخاباً»، مع أنه لم يباشر بعد حراكه السياسي مع أي من الأطراف، تؤكّد المصادر أن «اللجان الانتخابية وُضعت، والعمل اللوجستي بدأ وإن كان بطيئاً». لكن «لا أسماء محسومة حتى الآن». عام 2010، رفض الحزب المشاركة نتيجة إبعاد التيار الوطني الحرّ عن اللائحة الاتئلافية. لكن، وبحسب المصادر، فإن «تعهّد رئيس القوات سمير جعجع بأخذ الموضوع على عاتقه في ما يتعلّق بمشاركة العونيين، وطبخ التسوية مع الرئيس الحريري يسهّل الأمر على حزب الله، ويدفعه إلى الانضمام إلى اللائحة في حال تشكّلت».

وتلفت المصادر إلى وجود تنسيق بين حزب الله وحركة أمل، علماً بأن الرئيس نبيه بري «يواجه المشكلة ذاتها التي تواجه الرئيس الحريري، ألا وهي وجود طامحين كُثر». لذا، هو «يتبع أسلوب الحريري ويعمل بصمت». من المعروف أن رئيس مجلس النواب عادة ما يتجه نحو «اختيار شخص يتمتع بتمثيل عائلي أو مناطقي يُعتدّ به، كعضو المجلس البلدي الحالي عصام شحرور». والسؤال: هل سيبقي الرئيس برّي عليه وهو عضو في البلدية منذ ثلاث دورات أم سيتجه نحو تغييره؟

ورغم أن الترشيحات والتحالفات لا تزال مبهمة، يجزم متابعو الانتخابات بأن الموقف في الشارع البيروتي غاضب على المجلس البلدي. وهذه مشكلة أخرى يواجهها الحريري. هذا الشارع، بحسب هؤلاء، يعتبر أن البلدية ليست له. فهي على خلاف كل البلديات في لبنان، لا يتمتّع رئيسها بصلاحيات تنفيذية. بل أعطيت كلّها إلى المُحافظ. وبالتالي يمتعض هذا الشارع بحجة أن «المحافظ، أيّ محافظ، يتعامل مع القرارات التي يُصدرها رئيس البلدية بشكل استنسابي». وهذه النقمة ناجمة كون «الصوت السنّي هو الذي يرجح كفّة النجاح في الانتخابات البلدية، حيث هناك 250 ألف صوت سنّي، مقابل 130 ألف صوت مسيحي، و65 ألف صوت شيعي». لكن يغيب عن الممتعضين أن قادة بيروت السياسيين كانوا دائماً حريصين على أن تكون البلدية منزوعة الصلاحيات التنفيذية لمصلحة المحافظ الذي تعيّنه القوى السياسية. وهذا الحرص مردّه إلى الخشية الدائمة من تحوّل رئيس بلدية منتخَب، و»كامل الصلاحيات»، وبميزانية كبيرة، وقدرة هائلة على توفير الخدمات مباشرة للمواطنين، إلى زعيم بيروتي ينافس رؤساء الحكومات ونواب العاصمة. وبناءً على ذلك، لن يرفع أحد في تيار المستقبل شعار «استعادة صلاحيات المجلس البلدي».