IMLebanon

مبادرة بري: الإنتظار المنتج

حَيويّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ولاعب سياسي من الطراز الرفيع. يقبض على اللحظة السياسية الداخلية، والخارجية، ويحيلها مبادرة حوارية إنقاذية للصيغة والمؤسسات.

موقعه السياسي والوطني أتاح له ويتيح أن يلعب دائماً دور المبادِر الذي يلتقط الاشارات والوقائع ويبني عليها بحرفة وذكاء. وهذه المرة يبدو أنه أدرك قبل غيره «تاريخية الاتفاق النووي وأهميته الذي لا بدّ من ان يعيد صَوغ نظام المنطقة العام»، على ما جاء في خطابه أمس الأول في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه.

تقول مصادر سياسية في قوى 8 آذار إنّ مبادرة الرئيس نبيه بري تهدف أساساً الى نقل الأزمة من الحكومة ومن الشارع الى طاولة الحوار، وبالتالي الحفاظ على الأمن والاستقرار من جهة، وعلى عمل المؤسسات التنفيذية والتشريعية من جهة ثانية.

بنود المبادرة تأخذ في الاعتبار هواجس الجميع ومطالبهم، وبالتالي من الطبيعي والمنطقي أن تتعامل معها القوى السياسية بإيجابية. والأهمّ أنها تضع فريقي 8 و 14 آذار أمام حقيقة الوضع السياسي والاجتماعي في البلد، ومدى خطورة الوضع الذي كشفت عنه تحرّكات الشارع الغاضب والفاقد للثقة بالجميع.

وظيفة الحوار مفتوحة وجدول الاعمال يلحظ الملفات المولدة للأزمات. أمّا تشديد بري على دعم الجيش وتطويره وتجهيزه دائماً، فيستند الى اقتناعه بأنّ الجيش القويّ هو ضمان للاستقرار ومصدر طمأنة للجميع. وطالما أنّ ظروف الحل على المستوى الاقليمي لم تنضج بعد، لا بدّ من جعل «الانتظار مُنتجاً».

تَحاوُر اللبنانيين على العناوين الخلافية المتصلة بالأزمة لا يعني بالضرورة التوصّل السريع الى الحل. هنالك نقاط يمكن تجاوزها سريعاً كالعودة الى التشريع وإعادة تفعيل الحكومة. أمّا ملفات الرئاسة وقانون الانتخاب ومشروع اللامركزية الادارية فستحتاج الى ارادة سياسية قوية ومتحررة من المداخلات الخارجية حتى يبتّ اللبنانيون بأمرها.

من شأن الحوار إعطاء الغطاء الوطني والسياسي الضروري لعمل الجيش والاجهزة الامنية في الحفاظ على الأمن. القرار السياسي متوافر، ولكنّ الحكومة مضطربة، وهذه ثغرة قد تنفذ منها الشرور. الأمن نعمة لبنانية في منطقة متفجرة، والحفاظ عليه وعلى الاستقرار هو الأمر الوحيد الذي في وسع اللبنانيين القيام به حالياً، في انتظار أن يحين أوان التفاهمات والتسويات.

وتعبّر المصادر عن اعتقادها أنّ بري يلمس حدوث تواصل بين السعودية وإيران في مسقط في سلطنة عمان، وأنّ هذا التواصل قد يؤدي الى تفاهمات تبدأ بالملفات السهلة، وأزمة لبنان على رغم من صعوبتها تبقى من «الملفّات السهلة» اذا توافرت إرادة إقليمية للحلّ والتصالح.

وبدل تضييع الوقت وتَرك البلد والمؤسسات للفراغ والشغور والعطالة وانكشاف الامور على مزيد من الازمات، يرمّم الحوار بين الكتل النيابية الحياة السياسية الداخلية، ويعطي زخماً للمؤسسات ويُظهّر صورة مشجعة تعطي الناس أملاً يحتاجونه في ظل اليأس المُطبق على كل جوانب الحياة. وبدلاً من ان تتفاقم الاوضاع وتؤثر على الاستقرار، لا بدّ من خطوة تُنقذ البلد وتُجنّبه الفوضى والانفجار.

إنطلاقاً من اقتناعه الذي عَبّر عنه في خطابه، يرى بري «انّ السجادة الايرانية تُحاكيها فقط سجادة عربية حاكَتها مصر والسعودية وسوريا، فسوريا دائماً في قلب كل معادلة»، وهذا يعني أنه يراهن على تقارب إقليمي «يُطفىء الحروب الصغيرة» ويؤدي الى تسويات تُنقذ المنطقة وتضع دوَلها ومجتمعاتها على طريق «التفاهمات والتنمية» بدل الحروب.

هي دعوة الى تقارب عربي ـ إسلامي يضع حداً لآلة القتل والارهاب وتدمير الاوطان. وهذا طموح لبناني بالدرجة الاولى لأنه يستند الى حجم تأثير الحروب الدائرة ومخاطر استمرارها على لبنان الوطن والدولة والصيغة والكيان.