IMLebanon

“المثالثة”… مشروع “أمونيوم” سياسي

 

قلَّما سرت “بدعة” شبيهة بتلك التي تتحدث عن اتفاق تمَّ في مؤتمر الطائف على توقيع شيعي ثالث على المراسيم. “أرانب” الرئيس بري تتوالد بلا انقطاع، لكن قصة هذا التوقيع مفاجأة بوزن فيل.

 

“الخبرية” تُعرف من كبرها، لذا صار واجباً سؤال ساكن عين التينة المالك سعيداً منذ نحو ثلاثة عقود: بالله عليك هاتِ الدليل يا ابا مصطفى. إئتنا بشهود عُدول يقوم كلامُهم مقام النص. ولأنه “لا يُفتى ومالِك في المدينة”، فإن الرئيس الحسيني “أبا الطائف” وحارس اسراره ومَحاضره على بعد أمتار من مقرّك، وما عليك إلا قطع الطريق لقطع الشك باليقين.

 

لندَع المحاججة غير المفضية الى نتيجة. التوقيع الشيعي الذي استجدت المطالبة به ربما ورد في مداولات لكن لا أثر له في اتفاق مكتوب، وليس سوى جزء من محاولة “الثنائي الشيعي” ترجمة فائض القوة وامتلاك “الفيتو” على مستوى السلطة التنفيذية، بعدما استوى الرئيس بري على عرش السلطة التشريعية وصارت رئاسة الجمهورية في صحن “البيت الشيعي”. وإذا كانت الأعراف لا تبرر التمسك بهذا التوقيع، فإن ميزان القوى والقدرة على التعطيل باتا منذ “اتفاق الدوحة” خصوصاً “المرجعَ الصالحَ” للممارسة السياسية التي كرسها “الثنائي” وأصابت بعدواها الرئيس وتياره السياسي ولو من موقع المحاكاة والكاريكاتور.

 

ليس فرض التوقيع الشيعي على المراسيم إلا “مثالثة” مقنَّعة لا يريد “الثنائي” الاعتراف الصريح بسعيه اليها بما تعنيه من انقلاب جوهري على دستور الطائف، الذي توافق عليه اللبنانيون بعد مئة ألف قتيل، والذي أعطى ضمانة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وفتحَ الباب امام اقامة دولة تجيب عن الهواجس الأساسية لمعظم أبنائها ومكوناتها، شرط أن يحظى بتطبيق فعلي وأن ترعاه نوايا حسنة لتطويره وليس لتزويره كما حصل في عهد الوصاية السورية، او اعتباره منصة للقفز على ثوابته عبر الابتزاز و”شقلبة” الأولويات كما حالُه اليوم مع “الثنائي” وتابعِه البرتقالي.

 

سيكون من السذاجة اعتبار موقف “الثنائي” مجرد رغبة في “مثالثة” تكبّر حصة الطائفة على حساب حصص الآخرين، أو اتجاهاً محلياً لفرض النفوذ عبر نهج المُغالبة الذي يضرب كل ممارسة ديموقراطية، فرأس “الثنائي” يعلن بصراحة انه جزء من محور اقليمي ومشروع ولاية الفقيه، وهو بحكم طبيعته غير قابل للجمع بل للهيمنة الكاملة او التقسيم. و”المثالثة” ليست فكرة وهمية ما دامت تتغذى من جذر قلق الأقليات وتشهد اضطراب الاقليم وانفتاح “سوريا الساحة” على مشاريع أضعفُها بقاء الدولة السورية موحدةً، وأبرزُها تحالفات أقلوية تأخذ المنطقة الى الدويلات والحمايات وتجعل “العالم العربي” ألعوبة في يد الجوار الجغرافي الثلاثي.

 

ليست “المثالثة” مجرد طمع لدى طائفة أو فريق. هي أخطر مشروع يمكن ان يتهدّد الكيان اللبناني لأنه يلعب على عناصر القوة العارية والأكثرية العددية والمشاعر الأقلوية، وهي التركيبة الجاهزة لـ”أمونيوم” سياسي يمكن التمهيد له بدخان كثيف بدأت انبعاثاته السامة في “الدوحة” وتتلوّن اليوم من “التوقيع الثالث”، الى التهديد بمشروع انتخابات على اساس لبنان دائرة واحدة، الى خديعة الدولة المدنية، أما عصبُه وعضده فظاهران في السلاح والايديولوجيا والحلف الاقليمي.