IMLebanon

برِّي يرجُم «الشيطان».. ببحصتين!

 

قبض الرئيس نبيه بري على «البحصتين» متلبّستين بالجرم المشهود، وهما تنصبان له كميناً، تُطلقان منه «نوبة» وجع لا على البال ولا على الخاطر!

 

كاد الكمين يصبح مُحكماً، لولا الهجوم الاستباقي الذي باغت فيه بري «البحصتين» ونجح في طردهما من مخبئهما، قبل أن تُشعلا فتيل الوجع، وفي النهاية «الله لطف»، فوجعُ «البحصة»، ومهما قيل عنه، فإنّ حجم ألمه لا يعرفه إلّا مَن جرّبه واكتوى به من قبل، ولبري حكاية مع هذا الوجع تعود الى مثل هذه الأيام قبل سنتين، حينما أجرى عملية بالتنظير لإزالة كمية من الحصى من القناة المرارية.

 

المهم أنّ بري أطبق على الكمين وفكك عبوة الوجع، وأخرج الضيفين الثقيلين من جسمه، والمصادفة أنّ ذلك تمّ في وقت كان وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية دايفيد هيل يصل الى بيروت في زيارة تبيّن أنها ترتدي أكثرَ من عنوان محلّي وإقليمي. وموعده محدَّد مع رئيس المجلس نهار الاثنين.

 

بالتاكيد أنّ الأجندة الاميركية التي يتحرك هيل على اساسها، معلومة لدى بري، سواءٌ بالنسبة الى لبنان، أو بالنسبة الى المنطقة بشكل عام، اضافة الى التطورات الاخيرة المرتبطة بها على الحدود الجنوبية وكذلك المشكلة المستعصية المتعلقة بالقرصنة الإسرائيلية للنفط اللبناني في البحر. ولذلك لم يترك بري البحصتين تذهبان سدى، بل قرّر أن يستثمرَ عليهما في السياسة. ويسند بهما موقفه حيال بعض النقاط الحسّاسة في البر والبحر.

 

حضر هيل الى عين التينة، ومعه السفيرة الاميركية، وبادر الى مجاملة رئيس المجلس بالاطمئنان الى صحته وتهنئته بنجاح عملية استئصال البحصتين.

ردّ رئيس المجلس على المجاملة بمثلها، إلّا أنّه بادر، على طريقة اعطِ الشيطان ما يستحقه، الى مقاربة سياسية طريفة إنما شديدة الدلالة، وأبلغ ضيفه الاميركي ما حرفيّته: «والله، شفت حدا عم يبني حيط، فقررت أن أعطيه بحصتين».

 

في كلامه هذا، رجم بري «الشيطان الاسرائيلي» ببحصتين، كان يلمح مباشرة الى الخطوة الاسرائيلية المستفزّة في معاودة بناء الجدار الاسمنتي في نقاط متنازَع عليها على الحدود، وهي خطوة شديدة الخطورة، سواءٌ من ناحية توقيتها، أو ارتباطها بعوامل داخلية إسرائيلية وأيضاً إقليمية، أو بوصفها شرارة قد تقود الوضع الى حرب، والاخطر إن كانت هذه الخطوة تحظى بتغطية أميركية لها.

 

عبّر بري عن الموقف اللبناني، وخلاصته التمسّك بحق لبنان في الحفاظ على سيادته والدفاع عنها بأيّ ثمن، وبالتالي منع إسرائيل التي تستبيح القرار 1701، من المَسّ بالتراب اللبناني واختراق حدوده الدولية. وهو الموقف نفسه الذي ينطبق على الحدود البحريّة وحماية ثروته من النفط والغاز التي تحاول إسرائيل السَّطو عليها، حيث نال هذا الموضوع القسط الأكبر من العرض الذي قدّمه بري حول الوضع من البر الى البحر.

 

موقفُ بري من موضوع النفط البحري، مرتكزٌ الى الوقائع التي أحاطت بهذا الملف قبل اشهر، وأدخلته الى حلقة تعقيد جديدة وشديدة، جراء التقلّب المريب في الموقف الاميركي وتراجع واشنطن عن مشروعِ حلٍّ لمعالجة مشكلة الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل.

 

وإذا كان ثمّة مَن يقول إنّ جعبة هيل تنطوي على توجّهٍ جديد لإعادة طرح مسألة الحدود البرية والبحرية على طاولة البحث من جديد، فإنها لو صحّت وكانت جدية، تبقى في حاجة الى أن تقترن بمصداقية في الطرح، وحيادية في مقاربته، ذلك أنّ الوقائع التي أحاطت بهذا الملف منذ بداية أزمته، أظهرت أنّ الأميركيين لم يكونوا عاملاً مساعِداً في هذا الامر، فتارة يوحون بإيجابية، وتارة اخرى يعمدون هُم الى نسف الإيجابية، فقبل اشهر طرحوا مشروع حلّ، وفوجئ لبنان الذي انتظر رداً ايجابياً من الاميركيين كما وُعدوا، فإذا بهم يتبنّون موقف إسرائيل وسعوا مراراً الى الضغط على لبنان لتغيير موقفه والقبول بالحلّ الإسرائيلي ـ الأميركي بأن يبدأ العلاج بالبر ويترك البحر أو العكس. وهو أمر رفضه لبنان، مصرّاً على سلّة حلٍّ واحدة تشمل البحرَ وكل البرّ وصولاً الى مزارع شبعا. والكرة مازالت في ملعب الأميركيين.

 

جال الحديث بين بري وهيل على مواضيع مختلفة، لبنانية وإقليمية، وخرج من دون أن يترك ما يمكن اعتبارُه تعديلاً ولو طفيفاً في الأجندة الاميركية حيال لبنان والمنطقة، والتي كما هو معلوم، لا ترى الامور سوى بالعين الإسرائيلية.

 

وكما أطبق بري على كمين «البحصتين»، كان له ما أراده في ما خصّ حضور وفد النظام الليبي الى لبنان للمشاركة في القمة الاقتصادية. وفي هذا الموضوع يؤكد «أنّ الموضوع الليبي وحضور الوفد الى لبنان، انتهى، وما اردته قد حصل، ونقطة على السطر، وبالتالي لم يعد ثمّة داعٍ للخوض فيه. ولكن ما يجب أن يكون معلوماً هو أننا لسنا موافقين ابداً على المَسّ بعلم أيِّ دولة عربية، وما حصل بالنسبة الى العلم الليبي أنا شخصياً لا أقبل به، وبالتالي هو أمر لم يتم بإيعاز من قبل حركة أمل، بل جاء بمبادارات عفوية وفردية من قبل بعض الناس.

وفي الوقت ذاته، يضيف بري، لا بدّ من التذكير مرة جديدة بأننا لسنا ابداً ضد الشعب الليبي ولم نكن يوماً في موقع العداء له، فالشعب الليبي شعب عربي شقيق، وبادرنا كحركة «أمل» الى تقديم المساعدة المباشرة له، في معركة تحرّرِه من معمر القذافي ونظامه، ومشكلتنا ليست معه ابداً، بل هي مع النظام الذي ارتكب جريمة اختطاف الإمام موسى الصدر، والمؤسف أنّ النظامَ الليبي الحالي، هو نظامٌ مكمِّل للنظام السابق، وأثبت ذلك بتعاطيه المريب مع قضية الإمام الصدر، وسدّ كل المنافذ والأبواب التي يمكن أن تؤدّي الى كشف مصير الإمام.

 

وعلى مقربة من هذه المسالة تقع القمة الاقتصادية المقرَّرة في بيروت أواخر الأسبوع، لم يضف بري جديداً على موقفه منها: «موقفي سبق أن عبّرتُ عنه، وقدّمتُ النصائح، وفي أيِّ حال ما أتمّناه هو ألّا تأتي هذه القمة هزيلة». واضح هنا أنّ بري هو ما زال عند خشيته أن يأتي حضور القمة باهتاً وبمستوى تمثيل منخفض ودون مستوى هذه القمة، ثم أيّ قرارات ستصدر عنها في هذا الجوّ، وأيُّ اقتصاد للمنطقة ستبحث فيه وفي مقدّمها سوريا وإعادة إعمارها، في تغييب سوريا عن هذه القمة؟ حيث كان في الإمكان التاجيل أو الانتظار حتى انعقاد القمة العربية في تونس في آذار المقبل، ومعلومات بري تؤكد أنّ الرئيسَ التونسي سيوجّه الدعوة الى سوريا لحضور قمة آذار.

 

عندما يُسأل بري عن الملف الحكومي، يأخذك فوراً الى نقطة الفعل الماضي الناقص. وعلى رغم السلبية التي تحيط هذا الملف، فإنه يرفض أن يسلّم لمقولة «الحائط المسدود»، ذلك أنّ تشكيل الحكومة ما زال ممكناً، هناك مخرج وحيد لا غير، سبق أن عبّرنا عنه وأكدنا عليه (تنازُل رئيس الجمهورية عن الوزير السنّي من الحصة الرئاسية لشخصية تمثل حصراً اللقاءَ التشاوري)، فإن اتّبع هذا المخرج اليوم فالحكومة غداً).

 

في رأي بري أنّ الموضوع الحكومي، ليس وحده الذي يتطلّب جهداً وشغلا لتبديد تعقيداته، بل إنّ الشغل الكبير والجهد الأكبر تتطلبهما الدولة، لكي تصبح دولةً بما لهذه الكلمة من معنى.

 

فلبنان، يقول بري، لا يقوم إلّا إذا أصبح دولة قانون، وليصبح لبنان دولة قانون يجب أن يكون فيها قانون ويطبَق هذا القانون بكل مندرجاته واحكامه بلا استنسابية أو انتقائية، ولكي يطبَق القانون يجب أن يتوفر مخلصون ونزيهون يحترمون القانون، ولكي يطبَق القانون يجب أن تنتفي الإرادات السياسية التي تعطل تطبيق القانون وتعتبر نفسَها فوق القانون.

 

ويؤكد بري «أنّ مرض لبنان، سببه عدم تطبيق القانون، وكذلك مخالفة القانون التي تشكل الولّادة للفساد، والحاضنة له ولمحمياته المعشّشة في كل المفاصل، عندما يطبَق القانون وتحاسَب، يرتدع الفاسد والمفسد ويذوب الفساد، فهل الدولة تطبِّق القانون، الجواب هو لا، هناك أكثر من 30 قانوناً نافذة لكنها مجمّدة ومعطلة عن سابق تصوّر وتصميم من دون أيّ مبرر، وكلّها تنطوي على فائدة كبرى للبنان، وأما مَن يجمّدها فهو الدولة، المبدأ يقول إنّ مَن يخالف القانون هو فاسد، والدولة هنا تخالف القانون، ما يعني أنّ الدولة هي الفاسد الأكبر، الذي يشجّع على مخالفة القانون واستباحته وبالتالي استشراء الفساد».