IMLebanon

ثورة برّي البيضاء

في الشهرين الماضيين تعدّدت المبادرات والطروحات والاقتراحات منها ما هو داخلي وبعضها الآخر دولي، وكلها تهدف إلى إخراج لبنان من المستنقع السياسي الذي يتخبّط فيه منذ شغور سدة الرئاسة الأولى غير ان النتيجة لكل هذه المبادرات اصطدمت بالحائط المسدود واستمر مأزق الفراغ، ولم يظهر بعدها في الأفق المحلي والإقليمي، ولا حتى الدولي، أي مؤشر يدل على إمكانية إحداث خرق في الستاتيكو الحاصل، ما حدا برئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى طرح مبادرة جديدة، على أمل منه في تحريك المياه الرئاسية الراكدة، وكان عماد مبادرته لبننة الاستحقاق في عقد مؤتمر وطني على غرار مؤتمر الدوحة لا يخرج منه المؤتمرون الا بعد اتفاقهم على رئيس جمهورية، وعلى قانون إنتخابي جديد من شأن الاتفاق عليه إخراج البلد من المستنقع المزمن ودرء الأخطار التي باتت تهدّد وجوده والآتية بمعظمها من الخارج.

غير ان هذه المبادرة، قُمعت في مهدها، كسابقاتها من المبادرات الخارجية، كالمبادرة الفرنسية على سبيل المثال القائمة على انتخاب رئيس جمهورية وفق الأصول الدستورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل المكونات السياسية كافة ولا تستثني أحداً وسط توجه عربي لابراز الطاقات الشبابية والإستعانة بها لتسليمها المؤسسات والمسؤوليات بعيداً عن محاصصات الطاقم السياسي المهترئ بعدما أثبت الشباب من خلال تحرّك المجتمع المدني ورفع الصوت في وجه الطبقة الحاكمة على خلفية تحميلها مسؤولية الفشل في إدارة الحكم، وفي إيصال البلد إلى المنزلق الذي يتخبّط فيه منذ الشغور في رئاسة الجمهورية قبل أكثر من سنتين، جدارته ومهارته وجموحه إلى التغيير.

كما تقضي المبادرة الفرنسية كما تبلّغها البطريرك الماروني والرئيس سعد الحريري، وغيرهما من القيادات اللبنانية بسنّ قانون إنتخابي جديد يؤمّن صحة التمثيل لجميع الأطراف بمن فيهم المسيحيون الذين يشكون من عدم صحة قانون الستين الذي يوصل قرابة نصف عدد النواب المسيحيين عبر المحادل الإسلامية الانتخابية، ما أدّى إلى إحداث خلل كبير في الميثاق الوطني، وفي الصيغة التي كانت ميزة هذا البلد الأساسية في منطقة واسعة ذات أكثرية إسلامية.

وأمام انسداد الأفق أمام الجميع، بعد صدمة الانتخابات البلدية والاختيارية التي تلقتها الطبقة الحاكمة من المجتمع المدني، ولاحت في الأفق ملامح جديدة تنذر بجنوح هذا المجتمع نحو التغيير، باعتراف معظم مكونات هذه الطبقة، إعتقد الرئيس برّي انه حان الوقت المناسب للقيام بمحاولة جديدة، يعتقد أنها تنقذ هذه الطبقة وتطيل بقاءها ممسكة بالسلطة، فكانت مبادرته الأخيرة بإجراء انتخابات نيابية مبكرة مثل الانتخابات الرئاسية على أساس قانون إنتخابي عادل أو على أساس قانون الستين إذا تعذّر الاتفاق على قانون جديد على ان يقوم المجلس الجديد المنتخب فور انتخابه بعقد جلسة عامة بالنصف زائداً واحداً وينتخب رئيساً جديداً للبلاد يضع انتخابه حدّاً للأزمة القائمة، وتعهد رئيس المجلس بأن يحصل من كل الأطراف بالتزام خطي بهذه المبادرة، لكنها (المبادرة) كسابقاتها قوبلت بالرفض من معظم الأطراف، قبل ان يعرضها على طاولة الحوار، مما حمله إلى التراجع عنها وسحبها من التداول كحال كل مبادراته السابقة وبذلك يكون برّي أعلن افلاسه وفشله في الإنقاذ وهو ما عبّر عنه قبل يومين في  لقاء الأربعاء النيابي بكل حسرة بأن لبنان أصبح على أبواب الثورة البيضاء.