IMLebanon

مصلحة الدولة العُليا

بالرغم من إقرار حكومة التناقضات بعد أكثر من خمسة أشهر من النقاشات والمناورات والأخذ والردّ بمبدأ المقايضة مع خاطفي العسكريين، ما زالت تناور حول حدود هذه المقايضة، وما زالت تشترط عدم المساس بهيبة الدولة، الأمر الذي أبقى المشكلة تراوح مكانها، بل تتراجع الى الوراء، والبعض يقول بأنها عادت الى نقطة الصفر، أي أن باب الاحتمالات على الأسواء ما زال مفتوحاً، وهذا ما يزيد من قلق ذوي المخطوفين على مصير أبنائهم، وجعلهم يتحركون في كل الاتجاهات داعين الى مساعدتهم على الحكومة لعلها تقتنع بضرورة إقفال هذا الملف، وتقدم على تقديم تنازلات موجعة لكنها يمكن أن تكون ليست كذلك، إذا ما انطلقت الحكومة من اعتبارها تدخل ضمن مصلحة الدولة العليا كونها فوق أي اعتبارات أخرى بما فيها تلك المتعلقة بحرمة القضاء وأحكامه ومنع أي تجاوز لها، ونقصد بذلك أولئك الذين صدرت أحكام قضائية بحكم وتطلب الجهات الخاطفة للعسكريين بالإفراج عنهم في مقابل الإفراج عن المخطوفين.

فالمعلوم أن الجهات الخاطفة تقدّمت من الحكومة بأسماء الأشخاص الذين تريد الإفراج عنهم مقابل الإفراج عن المخطوفين، وبعضهم أو معظمهم صدرت أحكام قضائية بحقهم، لكن الحكومة رفضت هذا الشرط، لأن الدستور اللبناني يمنع الافراج عنهم إلا بموجب عفو خاص يصدر عن رئيس الجمهورية أو بعفو عام يصدر عن مجلس النواب، ولأن كِلا الأمرين غير متوفّر نظراً لعدم وجود رئيس جمهورية من جهة، ولاستحالة موافقة مجلس النواب على إصدار عفو عام، لذلك لم يعد بإمكان الحكومة أن تتجاوز الدستور والقوانين المرعية الاجراء وتقدم على الافراج عنهم لمقايضتهم بالعسكريين المخطوفين وإعادتهم الى أهاليهم سالمين، وبذلك تكون الحكومة تراجعت عن موافقتها على المقايضة ذلك لأنها لم تأخذ في الاعتبار نظرية مصلحة الدولة العليا التي تعطيها الحق في تجاوز كل الاعتبارات القانونية والدستورية إذا كانت مصلحة الدولة العليا تقضي أو تحتّم ذلك، وكم من دولة في هذا العالم جعلت مصلحتها العليا فوق كل اعتبار وأقدمت على خطوات مماثلة أو أصعب من الخطوة التي ما زالت الحكومة اللبنانية تتردد حتى الآن في اتخاذها بينما يواجه عدد من أبنائها خطر الموت ذبحاً أو قتلاً بالرصاص وفي الوقت نفسه لا يزال هناك أمامها فرصة متاحة لاستعادتهم أحياء وبصحة جيدة وهذه الفرصة تكمن في قبول الحكومة بمقايضتهم بأشخاص تابعين للجهات الخاطفة صدرت أحكام قضائية بحقهم.

وما دامت الطريق ما زالت مفتوحة أمام الحكومة لإخراج البلاد من هذه المحنة التي باتت همّاً ثقيلاً على لبنان، فلماذا ما زالت تناور وتداور، وتخترع الأعذار والمبررات بدلاً من أن تستعمل حقها المشروع في هذه القضية وهو مصلحة الدولة العليا، وتقفل هذا الملف الذي طال أمده من دون أي مبرر.