IMLebanon

بين الحوار والحراك

عملياً إنتهى الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى الفشل، كما كان متوقعاً له، لأن الظروف الخارجية التي تتحكّم باستمرار الأزمة لم تنضج بعد، ولن تنضج في المستقبل المنظور بعد الدخول الروسي العسكري على الخط بذهنية صليبية بناء على ما وصفه بطريرك روسيا بالحرب المقدّسة.

وإذا كان الرئيس برّي وعد بالعودة إلى هذا الحوار في السادس والعشرين من الجاري، أي بعد عودته من جولة خارجية، فذلك من باب رفع العتب لا أكثر ولا أقل لأنه أكثر العارفين بخفايا الأمور وخباياها، ويعرف بالتالي أن الحلول التي يبحث عنها لإنقاذ البلد من المخاطر المحدقة به، أو على أقل تقدير إبعاد حريق المنطقة عنه ليست في متناول المتحاورين، بل في يد خارجية بحتة تتحكّم بمسارها وتستخدمها وفقاً لمصالحها وبما يخدم هذه المصالح، وعندما دعا إلى هذا الحوار كان يعرف أيضاً أنه سينتهي إلى ما انتهى إليه مهما تعدّدت الجلسات ومهما تفلسف المتحاورون في طروحاتهم ومجادلاتهم لإطالة الوقت وبانتظار وصول كلمة السر من الجهات الخارجية التي وحدها تملك القرار، وبات الآن السؤال الكبير المطروح على الجميع ماذا بعد هذا الفشل الذريع في الحوار وهل تخلّت الطبقة السياسية عن كل مسؤولياتها الوطنية وتركت البلد تتقاذفه العواصف والمصالح الخارجية كما يتم تداوله في العديد من تلك الدوائر، أم أنه لا يزال هناك ثمّة بصيص أمل باستفاقة الضمير عند هذه الطبقة، والإنكباب على إنقاذ ما يمكن إنقاذه في الوقت الضائع المتبقي؟

ليس إفتقار هذه الطبقة إلى حسّ المسؤولية الوطنية وحده المسؤول عما آلت إليه الأمور، وإن كان يشكّل قاسماً مشتركاً بين مكوّناتها، بل أن المسؤولية الأساسية تقع على الشعب اللبناني الذي ما زال يثق بهذه الطبقة ويلتزم بتوجيهاتها، وإذا كان بعض اللبنانيين إمتلكوا شجاعة الإنتفاض ونزلوا إلى الشارع يطالبون بسقوط هذه الطبقة إلا أنهم لم يتمكّنوا من أن يحافظوا على طهارة ونقاوة تحركهم، ما أفسح الفرصة أمام بعض الجماعات المستلحقة باستغلال الحراك الشعبي وحرفه عن أهدافه النبيلة خدمة لهذه الطبقة أو من أجل إجهاض الحراك ومنعه من تحقيق هذه الأهداف، وبات ملحّاً على القيّمين على هذا الحراك، اليوم قبل الغد، إعادة تقييم الأمور للإستفادة من الأخطاء التي ارتكبت خلال تحركاتهم السابقة، وإعادة تنظيم حراكهم وفق خطة تحرّك وبرنامج مطلبي موحّد يكون قابل التحقيق ومقبولاً من أكثرية الشعب اللبناني الساحقة وأن يعمدوا فوراً إلى إبعاد المندسين ومستغلّي حراكهم لتحقيق أهداف واستراتيجيات لا تمتّ إلى أهداف اللبنانيين بصلة، من خلال كشفهم أمام الرأي العام وتعريتهم حتى لا يبقوا متسترين بقضايا ومطالب وأوجاع هذا الشعب، وينفذوا إلى أهدافهم الحقيقية.