IMLebanon

ما بين طاولة عين التينة… وكنيسة سيدة الدرّ

ما بين طاولة عين التينة… وكنيسة سيدة الدرّ

بقلم العميد الركن خالد حمادة

في عين التينة لم تنجح ثلاثية الحوار في تسويق اتّفاق دوحة محلي. التجاوزات المطروحة لاتّفاق الطائف ضمن السلة التأسيسية أكبر من أن تُستوعب. تعيين رئيس للجمهورية والإتّفاق على قانون جديد للإنتخابات وعلى رئيس الحكومة وتشكيلتها المقبلة هو انتقال واضح وغير معلن إلى «الجمهورية الثالثة»، وبآلية من خارج المؤسسات الدستورية، وهو تنازل أحادي الجانب على حساب صلاحيات مؤسستيّ رئاسة الجمهورية والحكومة. لم تفلح كلّ محاولات التسويق بضرورة إجراء التعديل قبل هبوب العاصفة، في غياب أي اهتمام إقليمي أو دولي بلبنان إلى جانب الثقة المفقودة التي تجذّرت بين المتحاورين منذ الإنقلاب على إتّفاق الدوحة وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. مأزق طاولة الحوار ليس في الإختلاف على تقاسم مغانم الحكم، بل في الإسقاط النصي لاتّفاق الطائف بعد أن تمّ تعطيله عملياً، بحيث لم تتمكن المواضيع الجذابة التي تمّ تداولها من كسر حدة الفشل.

 ما جرى على طاولة الحوار أو في جلسات انتخاب الرئيس هو تعبير عن الغموض الذي يحيط باستراتيجيات القوى الإقليمية الذي يُلقي بثقله على لبنان بانتظار نتائج المواجهات أو التوافقات أو التسويات. نحن في مشهد يشبه ما حدث في بدايات القرن العشرين قبيل إنهاء المسألة الشرقية وتأسيس الشرق الأوسط الحديث. طاولة الحوار اللبنانية ستبقى بانتظار ما يجري في حلب ودمشق والرقة والموصل وصنعاء لحسم مسألة الهوية الجديدة والإنتماء والحدود. أجل نحن في مرحلة ما قبل الطائف ننتظر سيرورة سياسية تُفرض من الخارج لتحدّد إلى أيّ أمة سننتمي وما هو مفهوم الدولة التي ستُفرض علينا.

 في المختارة، يجمع وليد جنبلاط جزئيات الوطن التي أسست للصيغة اللبنانية، ويلملم أشلاء الجمهورية الثانية بافتتاح كنيسة «سيدة الدّر» التي شُيّدت لآل الخازن. يبدو المشهد، بعيداً عن الشكليات الإحتفالية، وكأنّه صرخة استغاثة أو محاولة للإحتماء بـفكرة «الجبل الملجأ» والتشديد على «اللبنانية»، في محاولة لإنهاء «المسألة الشرقية الجديدة» في حيّز جغرافي له تاريخه، وتثبيت نوع من الإستقلال حيال القوى الإقليمية. ربما هي محاولة للفت النظر إلى إمكانية البناء على ما أنجزته مجموعات لبنانية عبر تاريخها وعلى ما أثبت إستمراريته برغم كلّ الأزمات التي مرّت بها العلاقات بين مكوّنات أساسية في جبل لبنان من ضمن ما سُمي بالفكرة اللبنانية.

إسقاط فكرة «الجبل الملجأ» على المساحة اللبنانية، في أعقاب الفشل في تحقيق أيّ اتفاق على طاولة الحوار، يعني مواجهة الموجة الدينية التي تحظى باهتمام كبير في المنطقة العربية بعد عجز وقصور الحركات الوطنية عن أن تكون بديلاً أو تقدّم حلولاً لمرحلة ما بعد الإستقلال. فكرة لبنان الملجأ يمكن أن تتسع لتشمل الساحة العربية المشرقية بمعنى حماية نقاط القوة الوطنية كي لا يصبح زمن التحوّلات العربية مدخلاً جديداً لاكتساب قدرة أكبر في الصراع على العالم، بعد تجربة سايكس بيكو وتجربة الحرب الباردة. اليوم يتمّ إدراج المنطقة في النظام السياسي الدولي بعدما أُدرجت في النظام الإقتصادي العالمي، فوراء الحرب التي تجري الآن بأطرافها وبالوحشية التي نشهدها وبالنتائج التي ستتمخض عنها أسباباً ودوافع شديدة الخطورة يُراد منها أن تكون الحدّ الفاصل بين عصرين وبين عالمين.

ما بين طاولة عين التينة وكنيسة سيدة الدرّ…. يتجاوز بكثير ما بين لبنان الملجأ ومعركة حلب!!!!