IMLebanon

ما بين نزوح ولجوء؟!  

 

عندما يرى وزير الخارجية جبران باسيل ان ازمة النزوح السوري تشكل اكبر ازمة في تاريخ لبنان المعاصر، فلان ازمة نزوح الفلسطينيين في الاربعينات تحولت الى كارثة لا يزال لبنان يعاني من سلبياتها السياسية والاقتصادية والامنية، واعاد معاليه الاسباب الى تقاعس المجتمع الدولي عن فهم معاناة الاطفال السوريين، لانه لم يفصل ما بين لاجئ الحرب الحقيقي واللاجئ الاقتصادي لظروف سياسية.

كما تساءل باسيل عن الاسباب التي تمنع شطب ديون لبنان الخارجية من قبل المجتمع الدولي، قاصدا بذلك ان بين الذين يريدون مساعدة النازحين من يدعم الحرب في سوريا ويمولها، ولفت بالتالي الى ان سياسة الحكومة التي هو من صلبها تجاه لجوء النازحين السوريين ادت الى تهديد السلم والتماسك الوطني، كما حض باسيل على ضرورة ان يفهم المجتمع الدولي انه لم يؤمن اكثر من نصف شهر من مصاريف كهرباء للنازحين السوريين، الى حد تحذيره تكرارا من سلبيات تحول هؤلاء الى لاجئين اسوة بالفلسطينيين!

وتجدر الاشارة في هذا السياق الى ان وزراء آخرين قد اثاروا مرارا مشكلة النازحين، لاسيما ان بعضهم قد طالب باقفال الحدود قبل ان تتطور المشكلة الى اسوأ مما هي عليه الان، قياسا على الحدود الدنيا من حاجة كل نازح سوري الى المساعدة على حساب غيره من اللبنانيين اصحاب الارض (…)

وفي هذا الصدد، كان كلام لرئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في مناسبة ذكرى الابادة الارمنية على ايدي الاتراك في مطلع القرن الفائت، ووضع الموضوع  في سياق اخر حتى وان كان الارمن اقل حاجة من الاتكال على المؤسسات الدولية والانسانية، وقد اثبتت التجارب ذلك جراء تحول قوافل النازحين الارمن الى مواطنين من دون ان يحتاجوا الى طلب العون من اية جهة  دولية او محلية، ليس تعففا بل لانه كان بوسعهم تحصيل رزقهم بطريقة لا لبس فيها؟!

كما اعاد جعجع التذكير بما يرتكب اليوم من مذابح في سوريا تعيد الى الاذهان مشاهد المجازر الارمنية السابقة فيما يقف العالم صامتا حيال ذلك، بدليل الواقع الدولي الهش، داعيا الى الالتزام ببنود الاتفاقات والمواثيق الصادرة عنه، بما في ذلك اتخاذ اجراءات رادعة وحاسمة تضع الالتزامات الدولية موضع التنفيذ.

صحيح ان كلمة جعجع جاءت في مناسبة سياسية بحتة لكن ابعادها لم تخرج عن الاطار الوطني، لاسيما ان العلاقة بين الارمن واللبنانيين لم تشهد خروجا على القانون مرة واحدة من عمر ازمة هؤلاء،  لذلك فان لبنان يؤدي اليوم دورا مميزا عبر الشهادة الوطنية لما فيه مصلحة النازحين السوريين الذين يكادون يؤثرون على النسيج الاجتماعي جراء كثافة النازحين، اضف الى ذلك ان معدل السجناء الارمن في لبنان على مضي سنين طويلة من نزوحهم بعد المذابح التي استهدفتهم هو تحت الصفر بعكس ما يشكله النزوح السوري من مشاكل امنية من الصعب تحملها (…)

والاصح من كل ما تقدم ان على اية معاناة لجزء من اللبنانيين الاخرين تفرض تضامن الاخرين معهم وان يقفوا الى جانبهم ويشعروا مع بعضهم البعض، فكيف اذا كنا نتحدث عن قضية بالغة الاهمية تشكل محور نضال جزء اساسي ومكون من المجتمع اللبناني هو الطائفة الارمنية لذا يبقى من الضروري القول عن النازحين السوريين انهم مطالبون بأن يكونوا بمستوى ما يقدمه لهم لبنان من مساعدات تشبه الى حد بعيد سحب اللقمة من افواه المحتاجين اليها من اللبنانيين اصحاب الارض؟!

كما تجدر الاشارة في هذا السياق الى ان كلام الوزير باسيل عن النازحين السوريين في محله، وهكذا كلام الدكتور سمير جعجع، لان المعروف عن الاول انه متهم بانه صديق للنظام السوري، فيما المعروف عن الثاني انه عندما يتحدث عن السوريين فمن جهة وطنية ومعرفته بان استمرار الوضع السوري في لبنان على ما هو عليه، لا بد وان يؤدي الى كوارث من ضمنها تأييد وجود النازحين وتحولهم بقدرة قادر الى لاجئين الى جانب اللجوء الفلسطيني المنتشر  في طول لبنان وعرضه؟!

رب قائل ان مثل هكذا كلام لن  يعجب بعض من يقف في الصف السياسي السوري، لكن المنطق يقول ان من الضروري التحسب للمشكلة قبل ان تتطور نحو الاسوأ بالنسبة الى جحافل الوجود السوري المرشح لان يزيد في الاعباء الملقاة على كاهل اللبنانيين؟!