IMLebanon

إحذروا القطاع العام؟!  

 

يسود اعتقاد راسخ لدى عدد من المراجع المالية والإدارية والأمنية أنّ الحكومة تخطئ ببلوغها مرحلة المَسّ بسلسلة الرتب والرواتب، وخصوصاً تلك المتصلة برواتب ذوي الدخل المحدود والمتوسط سعياً الى خفض العجز. ويعتقد كثيرون أنّ مخاوفهم في محلها إن تراجعت الحكومة عن وعود وتفاهمات قطعتها قبل الغوص في أرقام الموازنة العامة. فهل هذه المخاوف واقعية؟ وما هو المخرج؟

 

تتلاقى المراجع ومعها عدد من الخبراء الذين يواكبون الجلسات الوزارية الماراتونية المخصصة للبحث في مشروع قانون موازنة 2019 على نقاط مشتركة متعددة في اكثر من مجال قانوني ودستوري وإداري. وهو ما يسهل الوصول الى قراءة مشتركة لجملة من المخاوف والمطبات التي يمكن أن تدخل فيها الحكومة إن صحّت كل السيناريوهات والتوقعات المتداوَلة. ومنها اصرار بعض اعضائها على المضي في التخفيضات المقترحة وصولاً الى المَسّ برواتب العسكريين والمدنيين في القطاع العام ومعها بعض المخصصات والإستثناءآت التي تميز بين القطاعات الحكومية المتشعبة في اختصاصاتها وسلطاتها.

 

فالجميع يدرك أنّ لكل قطاع سلسلة رتب وراتب ومخصصات لا تتناسب وحجم الأخرى ومعها المكتسبات الإضافية المتصلة بها. وأنّ الغوص في التفاصيل يظهر التمييز الحاصل بين الأجهزة الأمنية والعسكرية وفق اوامر المهمة التي تختلف بإختلاف المهمات المتعددة التي تقوم بها.

 

ولا يخفى على أحد وجود مثل هذا التمايز مع القضاة واساتذة الجامعة اللبنانية وموظفي الإدارات والوزارات التي تختلف عن احوال المؤسسات والهيئات المستقلة التي تختلف في ما بينها بين مؤسسات استثمارية وأخرى عادية، عدا عن الأجهزة والصناديق والمؤسسات التي تتمتع باستقلالية محددة وأخرى تدار بهيئات مستقلة منها ما يحمل «صفة الموقتة» وقد مضى على تكليفها اكثر من عقدين من الزمن كحال الإدارة الموقتة للمرفأ.

 

على هذه القاعدة، وما تحمله من مفارقات قد لا تصدق في بعض الأحيان احيت المناقشات في جلسات مجلس الوزراء «جروحاً» عميقة تتحكم بالمقارنات الموضوعة بين عدد من السلطات والأجهزة والمؤسسات المختلفة تسبّبت في مرحلة من المراحل بما يشبه السباق الى نيل المكتسبات. فبعض منها ثابت وليس من السهل تعديله فقد سنّت بقوانين إستثنائية فرضت في محطات اساسية وتاريخية لا يمكن المَسّ بها في أيّ وقت من دون أن تكون لها ترددات بالغة الدقة والخطورة.

 

فالبعض منها يتصل بصناديق التعاضد المتعددة بفوارق مذهلة عندما يتصل الأمر بتقديماتها الطبية مثلاً وبالنسب الخاصة بالمنح المدرسية بين قطاع وآخر، والتي تبلغ احياناً اربعة او خمسة أضعاف بين قطاع وآخر كما هي حال المضمونين وفق قانون العمل أو من دونه، وصولاً الى ما يميّز المنتسبين الى تعاونية الموظفين عن المشمولين بخدمات الضمان الإجتماعي.

 

على هذه الخلفيات المتعددة، كان أهل الحكم قد طمأنوا العسكريين الموجودين في الخدمة أو المتقاعدين منهم الى انّ المَسّ بمكتسباتهم أمرغير وارد قبل أن تشي التسريبات من جلسات مجلس الوزراء بعكس هذا.

 

وكذلك بالنسبة الى الوضع في مصرف لبنان والقضاء والضمان الإجتماعي الذي يتمسّك باستعادة ديونه من المؤسسات الحكومية والتي ناهزت قبل نهاية السنة الجارية الـ 2800 مليار ليرة دون احتساب فوائدها، عدا عن آلاف أخرى من المليارات العائدة له المستثمرة في الدين العام.

 

وما بين هذه الملفات المفتوحة في الشوارع ومن خلال الإضرابات المستمرة في قطاعات حيوية جامعية وقضائية وامنية وعسكرية والتهديد بالعودة اليها في مؤسسات مالية، مَن يضمن بقاء الوزارات والمؤسسات العامة على الحياد؟ فالبعض منها لم يتجاوب مع ايّ تحرك وهي تعمل طبيعياً على رغم من موجة التحركات التي يقودها الإتحاد العمالي العام والنقابات المستقلة.

 

لكنّ الوصول الى رواتب ذوي الدخل المحدود والمتوسط قد لا يبقي أحداً منهم خلف مكتبه كما تقول التقديرات التي وضعتها أجهزة امنية وادارية في تقاريرها الى المسؤولين، عدا عن تلك التي تجري جردات يومية بحجم الخسائر التي مُنيت بها الدولة جراء الإضرابات واحتمال أن يتعطل العام الجامعي في ظل استمرار إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية وغيرها من مؤسسات الخدمات المتصلة بحياة الناس اليومية.

 

ثمة مَن ينصح الحكومة أن تكون اكثرَ صراحة وشفافية ممّا هي عليه اليوم. فالحديث عن بطالة في القطاع العام وآلاف الموظفين بلا عمل لا يمكن تسويقه في بعض المؤسسات التي تشكو من نقص في موظفيها. فالمتقاعدون يزدادون سنوياً وليس هناك مَن يحلّ مكانهم وفق إحصائيات غير دقيقة لا بل عشوائية.

 

فنصف موظفي ملاك مؤسسة كهرباء لبنان مفقودون إن عادوا الى هيكليتها، والضمان الإجتماعي يشكو الفراغات في الملاك ومؤسسات أخرى، ووزارات يعمل موظفوها بالتكليف والإنابة في عشرات المواقع الإدارية والمالية منها، فيما الحديث لا يتوقف عن وجود طوابير من الموظفين الذين لا يعرفون مقار عملهم. فلماذا يفتقد الرأي العام لمثل هذه الإحصائيات التي تحدّد مكامن الخطأ من دون تحميل القطاع العام بكامله مسؤولية وجود مثل هؤلاء في دوائرهم ومؤسساتهم.

 

وبناءً على ما تقدم ثمة مَن ينبّه الحكومة وينصحها على رغم من «أنّ النصيحة كانت بجمل» بضرورة «شطف الدرج من فوق» عند البحث في رواتب القطاع العام. فإن حققت ما أرادت من تخفيضات تقف على أعتاب الدرجات الدنيا وإلّا لن تكون ردات الفعل محمودة أو واضحة من اليوم. فالصورة قاتمة عند الحديث عن التوقعات المقبلة المحتملة إن وصل «الموسى الى ذقون» هذه الفئة من الموظفين في كل الأسلاك.