IMLebanon

أبعد من الثأر لدماء بشير الجميّل… كواليس جلسة ما قبل الحكم على الشرتوني

الجمعة -7 -7 2017، بكلّ ما يحمله هذا التاريخ من سبعات ودلالة نصر، لم يكن فقط موعد ترافُع وكلاء الدفاع عن رئيس الجمهورية الشهيد بشير الجميّل ورفاقه الذين اغتيلوا معه في 14 أيلول 1982، إنّما جاء تأكيداً أنّ «المعركة بين الحقّ والباطل لا تطول… فالباطل زهوق». أمسِ شهدت عائلة الجميّل الصغيرة والكبيرة المرحلة ما قبل الأخيرة من صدور الحكم بحقّ المتّهمَين الفارَّين حبيب الشرتوني ونبيل العلم بتهمة الاغتيال، بعدما جرّدتهما المحكمة من حقوقهما المدنية.

وسط تدابير أمنية مشدّدة وانتشار كثيف للأجهزة في محيط قصر العدل، من التدقيق في الهويات إلى تفتيش الحقائب وأخذِ الهواتف الخلوية… إفتَتح رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد جلسة متابعة النظر في جريمة اغتيال الشهيد بشير الجميّل، يعاونه القضاة: جوزف سماحة، تراز علاوي غسان فواز وناهدة خداج، في حضور ممثّل النيابة العامة التمييزية القاضي عماد قبلان.

لوجستياً… خربانة

نظراً إلى أنّ هذه الجلسة مخصَّصة للمرافعة، قال فهد، متوجّهاً إلى المحامين: «الأساتذة الكلمة إلكن»، فتبيَّن أنّ المحامين الحميد الأحدب وإدمون رزق ونعوم فرح سيترافعون عن عائلة بشير الجميّل، فيما المحامي جان نمّور عن عائلات الشهداء. أعطى فهد الكلام بدايةً للمحامي عبد الحميد أحدب الذي تَقدّم من الميكروفون ووجَده معطّلاً، فقال متأفّفاً: «حتى الميكروفون!

على القليلي مشُّوه»، فيما بدا المحامون والصحافيون بجواره يتصبّبون عرقاً، نظراً إلى أنّ المكيّفَين في القاعة «معطّلان، بيدوروا بَس ما بِبوردو!» وفق ما أوضَحه أحد التقنيين الذي عبثاً حاوَل تسوية أمر المذياع.

اغتيال وطن

• الأحدب، وأبرز ما تضمَّنته مرافعته: «هذه الجلسة أثقلُ بكثير من حجمها التاريخي، هذا اليوم هو صلاة لأنّ الله قال «لكم في القصاص حياة». بعد 35 عاماً تاريخ، العدالة عادت وانتصرت. اسمحوا لي أن أكون عملياً بعض الشيء، لا بدّ من سرد وقائع بلسان المتّهم الشرتوني، وهذه وقائع واعترافات مزدوجة أكّدها يوم كان موقوفاً وحين صار فارّاً من وجه العدالة.

نحن أمام محاكمة تاريخية لأنّها مرحلة مهمّة وخطيرة من حياة هذا الوطن، هذه الجريمة إرهابية، قتَلت أبرياء مدنيين ورئيسَ جمهورية، لم يبحثوا عن قتلِ شخصٍ إنّما عن قتل وطن.

ما حدثَ عملُ جهات لا أفراد». وسأل: «من الذي قتَل بشير الجميّل؟ إسرائيل قتَلت بشير الجميّل، نودّ أن نقتنع ونناقش، لكن أصوات المتظاهرين في الخارج التي تدافع عن القاتل في محيط قصر العدل تُكّذب أنّ إسرائيل ارتكبَت هذه الجريمة، وتدافع عن القاتل الشرتوني».

وفي ختام مرافعته، طلب تطبيقَ المادة 549 عقوبات لتوافُر كلِّ عناصرها في الجريمة، وأبرز مذكّرة خطية بالمرافعة ضمّت إلى الملف، وقد ترَك أمر تحويل التعويضات الشخصية للمتضرّرين، لزملائه، وتحديداً للمرجع الدستوري المحامي إدمون رزق.

نعرف القتلة غير المباشرين

وعند الرابعة والنصف، أعطى فهد الكلام للمحامي جان نمّور، على وقعِ تأفّفِ الحاضرين من استمرار انعدام وسائل التهوئة وعدم تمكّنِهم من سماع المرافعة لعطلٍ في الميكروفون. فتمهّلَ فهد وطلب تحسين الظروف، فتمّ الاستعانة بميكروفونه الخاص، وبعد جهدٍ جهيد وضِعت مروحة صغيرة في جانب القاعة. وبدأ نمّور الكلام:

• نمّور، وأبرز ما جاء في مرافعته: «أستعرض وقائع نصفِ الساعة الأخير من الجريمة، حين حاوَل الشرتوني إخراجَ من يخصّونه، وتحديداً شقيقته، من المبنى…». وأضاف: «نعرف قتلة الشيخ بشير المباشرين وغير المباشرين… النظام السوري يتعاون مع أفرقاء محلّيين… الحزب القومي السوري لا ينفي تورّطَه، لا بل لا يوفّر فرصةً إلّا ويتبنّى الجريمة».

ثمّ عرَض وقائع إخراج المتّهم حبيب الشرتوني وقتلة ابنةِ الشهيد بشير الجميّل مايا، من السجن. وسرَد وقائع أخرى تثبتُ تورّطَ الجيش العربي السوري في اغتيال بشير عبر الحزب القومي السوري. وعرَض لتطلّعات الوطن والشعب اللبناني وتوقّعاته من خلال انتخاب بشير الجميّل رئيساً للجمهورية، وطلبَ إنزالَ أشدّ العقوبات بالمتّهمين.

جريمة إرهابية

وعند الخامسة عصراً أعطى فهد الكلام للمحامي نعّوم فرح، وأبرزُ ما جاء في مرافعته:

• فرح: «هذه لحظة انتظرناها 35 عاماً، أقفُ لأترافعَ باسمِ كلّ مواطن شريف أحبَّ الشيخ بشير الجميّل وعوَّلَ عليه قائداً، أخيراً وصلنا إلى المرحلة الحاسمة، وأودّ أن أطرح 3 أسئلة: لماذا قُتل بشير الجميّل؟ من قتله؟ أيّ جريمة ارتكبها حتى يستحقّ الموت؟».

وأوضَح الأدلّة التي تؤكّد ضلوع المتّهمين في عملية التفجير، ففي ما خصَّ السؤالَ الأوّل، استعاد جواباً أدلى به الشرتوني أمام المحقّق، «إنّها مهمّة حزبية»، ثمّ عاد وقال «إنّها مهمة أوكلني بها نبيل العلم». وفي الحقيقة نحن أمام جريمة إرهابية منظّمة ومتعمَّدة هدفُها إرباك الدولة والقضاءُ على لبنان دولةِ الحرّيات».

وأوضَح «أنّ هناك متورّطين آخرين وراء الجريمة ويُثبت ذلك محاولات الاغتيال السابقة للرئيس بشير الجميّل واغتيال ابنتِه مايا». أمّا بالنسبة إلى هوية القاتل، فبيّن دعوى كلّ مِن حبيب الشرتوني ونبيل العلم، وذكّر بمضمون القرار الاتّهامي.

وفي ما يخصّ الجريمة التي ارتكبَها «بشير»، فاعتبَر «أنّ صموده والانتصار في وجه التنظيمات والجيوش العابرة الطامعة في لبنان، ورفضَه توقيعَ معاهدةِ السلام مع إسرائيل، وغيرها من الأمور، حتّمت التخلّصَ من الشيخ». وانتهى إلى وجوب تجريمِ المتّهمين وفق قرار الاتّهام والأحكام 549 عقوبات والمادة 6 من قانون الإرهاب.

لا نريد الثأر ولكن

وبعدها أعطى فهد الكلام للمرجع الدستوري المحامي إدمون رزق، الذي أصَرّ على الانحناء أمام سلطة القضاء، وأبرز ما جاء في مرافعته.

• رزق: «مدينٌ بهذه الوقفة للقضاء إحتراماً، وأبدأ بالانحناء أمام القضاء مستذكراً قول «تشرشل» حين قال: مادام القضاء بخير بريطانيا بخير»، ولن يعود الخير إلى لبنان ما لم يصمد القضاء ليس في إعطاء هذا أو ذاك مطالب إنّما في إحقاق الحق.

وعندما أتطلّع بعد هذه المسيرة الطويلة من الوقوف أمام الاقواس أتنوّر خلال وجودكم… لا بدّ من استعادة كرامة لبنان من خلال القضاء أنتم المؤسسة الباقية». وأضاف: «مدينٌ لبشير الجميّل ورفاقه وكلّهم عزيز علينا… سنتين من التفكير في تدمير البناء، وقتلِ الناس، والبحث عن وضع مكانٍ للمتفجّرات… أنا لا أواجه شخصاً ولا حزباً إنّما أقول كيف يمكن لأمّةٍ أن تنهض وفيها مثلُ هذه الثقافة، ثقافة الاغتيال، إستعمال الحرام».

وتابَع: «لا يقوم البلد على جريمة الثأر والاستغلال ولا بوجود سلاح إلّا بيدِ الدولة. لم أكن من المقرّبين من بشير الجميّل ولكن توسّمتُ فيه، رأيتُ فيه الكفَّ النظيف. فبَعد انتخابه زارني في منزلي قائلاً: «بدّي أعمل دستور أنا ويّاك»، عرفتُه بأيام أكثر ممّا عرفته بسنوات».

وأضاف: «أشهد أنّ هذا رَجلٌ حلمٌ من الأحلام، لا تفكير له إطلاقاً خارج حدود لبنان، فلتسقُط الأبواق والذين يزايدون ويتّهمون». وتابَع: «لا أطالب بتعويض مادّي، ولا بالثأر لبشير ورفاقه… نحن نريد فقط توظيفَ دماءِ مَن رَحلوا لإحياء البلد. … في الحقيقة هناك من تربّصَ بالشيخ قبل أن يُنتخب رئيساً للجمهورية وقبل أن تأتيَ إسرائيل». وخَتم مؤكّداً ثقتَه بالقضاء وأنّه المرجع الأوّل والأخير، وتبنّى القرار الظنّي وطلباتِ زملائه وطلباتِ النيابة العامة.

النيابة العامة

بعدها كانت المرافعة لممثّل النيابة العامة القاضي عماد قبلان الذي استعاد بشكلٍ سريع السنوات 1975 وما تلاها من سنوات، وتوقّفَ عند تاريخ 23/8/1982 يوم أقسَم الرئيس بشير الجميّل اليمين واحترامه الدستور، وأوضَح أنّ اغتيال الشيخ بشير الجميّل كان بالتالي اغتيالاً للوطن وأنّ إفادة الشرتوني امتدّت على 336 صفحة اعترَف فيها صراحةً بارتكابه الجريمة بالاشتراك مع العَلم، وعرَض تفاصيل العملية والتحضيرَ لها.

وأضاف: «إنّ القرار الاتّهامي توسّعَ في استعراض الوقائع التي سُجّلت للشرتوني أمام قاضي التحقيق العدلي، وبتطابق البصمات وبالتقارير الطبّية وبمحضر الكشف الحسّي وبجهاز التفجير والقنبلة اليدوية المضبوطة». إنتهى إلى وجوب تجريم المتّهمين الشرتوني والعلم بالجرائم المبينة في القرار الاتهامي، وطلبَ لهما الإعدام.

ختاماً تبنّى المحامون وكلاء جهة الدفاع الذين لم يترافعوا أقوالَ وطلبات زملائهم الذين ترافعوا، وأرجَأت المحكمة الجلسة إلى 20 تشرين الأوّل 2017 لاصدار الحكم.

وتزامُناً مع الجلسة، قطَع «أصدقاء الشرتوني» الطريق الممتدّ من مستديرة العدلية باتّجاه تقاطع سامي الصلح أمام قصر العدل.