IMLebanon

فلتختر الحكومة: إمّا سدّ بسري أو إبقاء الناس أحياء

 

 

يعمّق ملف سدّ بسري هوة الثقة بين اللبنانيين والسلطة. ولقد قررت الحكومة الاستمرار في تنفيذ المشروع رغم الرفض العارم له شعبياً وعلمياً وقانونياً، وفي عزّ الافلاس والجوع وأزمة «كورونا» التي تتطلّب تعبئة مالية ومعيشية واجتماعية تفوق أهمية التعبئة الصحية، فلا يُحجر المواطنون في منازلهم من دون تأمين الرعاية الغذائية والمعيشية لهم، والتي اذا ما استمرت قد تتسبّب بانفجار اجتماعي كبير.

الاستمرار في المشروع الذي تتخطّى كلفته 600 مليون دولار يشكّل فضيحة كبيرة، على ما يُجمع الخبراء الماليون والاقتصاديون وحتى السياسيين. لأنّ قرار الحكومة جاء في وقت يعاني البلد شحّاً مادياً، ولقمة عيش اللبنانيين مجبولة بذلّ المصارف وعنجهية مالكيها. وفيما تمتنع الدولة عن الايفاء بديونها، وتُشارف على الافلاس والانهيار، وفي وقت تختلس المصارف اموال اللبنانيين بوقاحة لا توصف بلا رقيب أو حسيب، مستغلّة الأزمة الصحية وعدم خروج المواطنين.

 

كيف يمكن وصف قرار الحكومة؟ وما تأثيره على البنية المعيشية والمالية للبنانيين؟

 

في السياسة، وبعد رفض الحزب «التقدمي الاشتراكي» مشروع السد بعدما اطّلع على حقيقة آثاره السلبية، يشتد النزاع في شأنه سياسياً، لذلك يسأل مصدر نيابي عبر «الجمهورية»: «هؤلاء الذين يعارضون المشروع اليوم أين كانوا يوم تمّت الموافقة في مجلس النواب منذ أكثر من 5 سنوات على تلزيمه تحت إشراف البنك الدولي؟ واليوم وصلت استملاكات سدّ بسري إلى نحو 160 مليون دولار، في حين أنّ مشروع جرّ المياه والتكرير صُرف عليه وحده أكثر من 200 مليون دولار. من هنا، فإنّ الخطأ الاساسي أنّهم تأخروا في رفض المشروع»، آملاً في «حصول تغيير في هذا الإطار لأنّ الأولوية اليوم هي للناس وليس للسدّ».

 

معيشياً، بإمكان الأموال المخصصة لمشروع السدّ إنقاذ مئات الآلاف من المواطنين من الجوع، وتجهيز كثير من المستشفيات أو شراء معدات طبية لازمة لمساعدة المواطنين في مواجهة أزمة «كورونا».

 

يعتبر رئيس «الجمعية الاقتصادية اللبنانية» والمُحاضر في «الجامعة الأميركية» في بيروت البروفسور منير راشد، أنه «بادئ ذي بدء من المهم تقييم أي مشروع والفائدة منه والتكلفة قبل الموافقة على تنفيذه، وإجراء مقارنة في ما لو وُضعت هذه الأموال المخصصة لهذا المشروع ضمن مشروع آخر، على سبيل المثال، قطاع الكهرباء الذي يحتاج إلى إصلاح فعلي».

 

امّا بالنسبة الى البنك الدولي، فيشرح راشد لـ«الجمهورية» طريقة عمل هذه المؤسسات المالية الدولية وتفكيرها، والتي يهمّها تحقيق عائدات مالية إضافية من القروض التي تقدمها للدول. وبالتالي، كل ما يهمّ «البنك الدولي» هو منح قروض للدولة، لأنه يسترد أمواله منها وليس من المشروع في حدّ ذاته. فالبنك يموّل الدولة وهي التي تردّ الدين في النهاية. مع العلم انه حتى الساعة هناك غموض لناحية الافادة التي يعكسها مشروع سدّ بسري».

 

ويقول الخبير الاقتصادي والمالي البروفسور روك أنطوان مهنا لـ»«الجمهورية»: «بغضّ النظر عن تأثير مشروع سدّ بسري بيئياً والجدل العلمي في شأنه، يجب التركيز على التأثير الاقتصادي السيئ في حال صُرفت الأموال له. البنى التحتية مهمة للانسان، لكن الأولويات اليوم تبدّلت، خصوصاً اننا ذاهبون، بعد أزمة المصارف وأزمة السيولة التي يواجهها لبنان اضافة الى ازمة كورونا، الى أيام سود».

 

ويضيف: «بعد الانتهاء من وباء «كورونا»، إنّ الخطة الاقتصادية والمالية وإعادة هيكلة الدين والمصارف وهيكلة مصرف لبنان والمالية العامة، كلّها أمور سيكون لها تأثير مباشر على الحياة الاقتصادية والحياتية اليومية للمواطن وستدخلنا في النفق المظلم. من هنا، يجب ان تتركز أولويات الحكومة اليوم على تأمين غذاء المواطنين والعناية بصحتهم، وهما عاملان تدور حولهما علامات استفهام في شأن قدرة السلطة على الاستمرار فيهما على المَديين المتوسط والقصير».

 

لذا، المطلوب قبل الحديث عن مشروع سدّ بسري أمور أساسية أبرزها:

 

• ضبط الحكومة للاحتكار الاقتصادي وللأسعار، التي ترتفع جنونيّاً في ظل غيبوبة كاملة لوزارة الاقتصاد.

• إقفال مزاريب الهدر في القطاع العام، أي الصناديق والإدارات الرديفة والمؤسسات الوهمية.

• إصلاح الكهرباء وتغيير الخطة الحالية.

• تنظيم فاتورة الاستيراد.

• العمل على إعلان الخطة المالية والاقتصادية في ظل التفاوض مع الدائنين، والاصلاح في القطاع المصرفي، وتأمين سيولة الدولار، ولو بسقف مُتدن.

 

ما بعد كورونا

 

ويحذّر مهنّا من ان «لا رؤية واضحة لدى الحكومة لمعرفة سبل مواجهة مرحلة ما بعد أزمة كورونا، من كافة النواحي. لذا، يجب ان توضع نقاط علمية لتفادي الانهيار الكامل، تبدأ بالاستفادة من موجودات الدولة، وإنشاء صندوق سيادي لأصول الدولة التي يمكن استثمارها والاستفادة منها وتساعد في إعادة هيكلة النظام المالي».

 

ويسأل الخبير الاقتصادي والمالي جهاد حكيّم، عبر «الجمهورية»: «أيّهما أهم، إقامة سدّ وصرف مئات ملايين الدولارات عليه، أم إطعام الناس؟». ويجيب مشدداً على انّ «اي صرف لأموال يجب أن يتركّز على إبقاء الناس أحياء وبكرامتهم. هناك صغار مودعين، وهناك من تركوا أعمالهم، وهناك من صُرفوا من وظائفهم، لذا يجب التركيز على الملف المعيشي».

 

ويضيف حكيّم: «في كثير من البلدان الأخرى، هناك تقديمات وتعويضات تُعطى للمواطنين، حتى أنّ بعض الدول تصرف اموالاً لمواطنيها في هذه الأزمة العالمية التي نمرّ بها. وبالتالي، من غير الجائز التركيز حالياً على مشاريع بنى تحتية، بغضّ النظر عن أحقية إنشاء السدّ من عدمه، وإهمال المشاريع المعيشية والاجتماعية والاقتصادية. فالدورة الاقتصادية لن تُحلّ الأزمة وحدها اذا لم تُحَل أزمة المصارف والمودعين، الذين يجب ان يُعطوا حقوقهم الكاملة، وعلى المسؤولين السياسيين أن يفتشوا عمّن تقاضوا فوائد خيالية تشبه الرِبى الفاحش أقله طوال السنوات الخمس السابقة، فيترتب عليهم ضريبة استثنائية يمكن ان تصل الى 60% على الفوائد التي تقاضوها مع مفعول رجعي يُطاول حتى من حَوّل أمواله الى الخارج».

 

ويذكّر حكيّم «انّ المشاريع المعيشية لا تعني فقط إطعام المواطنين، بل انّ الطبابة هي جزء أساسي من الخطة، وعلى الحكومة الانصراف اليوم أكثر من أي مرحلة لإعطاء الأولوية للأمن الصحي للمواطن اللبناني، كذلك عليها تحديد سلّم الأولويات، والاختيار بين سدّ بسري وإبقاء الناس على قيد الحياة».

 

وفي السياق نفسه، يقول مصدر سياسي لـ«الجمهورية»: «إنّ الفجوة المالية كبيرة اليوم، ويجب أن يدفعها فريقان – وبطريقة إيجابية وليس انتقامية – الدولة والمصارف وليس المودعين».

 

بيئياً، تؤكد «الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري» أنّ السدّ، وبحسب الدراسات العلمية، لن يمتلئ بكميّات المياه المزعومة، وسيفشل كما فشل سدّ بريصا في الضنيّة، وسيشكّل خطراً على سلامة المناطق المجاورة في الشوف وجزين وصيدا. وسيجرّ المياه المُسرطنة إلى بيروت. وسوف يقضي السدّ على مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة التي يجب زرعها لدعم الأمن الغذائي في لبنان في ظل ارتفاع اسعار المواد الغذائية».