IMLebanon

خبز ومازوت وشيعة بوجه أميركا

هل لا يزال لبنان الكبير ممكناً بعد قرن كامل!

 

 

سؤال قد يبدو مثيراً، لكنه مشروع، في أي حال: هل دخل لبنان، المجتمع، الدولة، الشعب، منطقة البرزخ، بانتظار أن يتقرر مصيره بين الجنّة والنار؟

 

لا ترى أحداً من الناس، إلا والسؤال البديهي على لسانه: إلى أين يتجه لبنان؟ إلى حرب أهلية جديدة، إلى انتظار فتنة، لا تبقي ولا تذر؟ إلى مزيد من التآكل الاقتصادي وحتى الاجتماعي، فضلاً عن مضي الدولار في سوق القطع، داعساً على قرارات المصرف المركزي، ولجنة الأزمة والمنصة الإلكترونية، منصاعاً لأمر واحد فقط، لا غير: نقابة الصرافين الشرعيين، أي المرخص بها (السلام والطاعة للنقابة).

 

في 2 أيلول المقبل، يكون قد مرّ قرن كامل، بالتمام والكمال، على إعلان دولة لبنان الكبير في 1 أيلول 1920، عندما أعلن «فخامة الجنرال الكوميسير العالي للجمهورية الفرنساوية في سوريا وكيليكيا» دولة لبنان الكبير، الذي اعتبره «انتصاراً للحق والحرية» «…من النهر الكبير الى ابواب فلسطين وقمم لبنان الشرقي».. وأصبحت «مدينة بيروت المرفأ العظيم» مقر حكومة الدولة الجديدة.

 

من الأسئلة المؤسسة، على السؤال الأصلي: هل يبقى لبنان الكبير، دولة واحدة، بصرف النظر عن بيروت، المرفأ العظيم، والتي أهديناها ذات يوم «بدل الوردة سكينا» بلغة نزار قباني؟

 

لم يكن يدر بخلد غورو أن لبنان الشرقي، أو حتى الشمالي، إلى ابواب فلسطين (لبنان الجنوبي)، الذي نشأ في خضم تحولات ما بعد الحرب الأولى، سيكون تاريخه، تاريخ استقرار وحروب، ازدهار وانهيار، محكوم بمعادلات الصراع الإقليمي – الإقليمي، والإقليمي – الدولي، وصراع دول المركز، سواء أكانت أوروبا، أميركا، والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، أو الولايات المتحدة والصين الشعبية بقيادة حزب ماوتسي تونغ (أو الحزب الشيوعي الصيني)، الذي جاء باسم الشيوعية، وفقاً للنموذج الآسيوي، والمطبق حالياً، وفقاً لنظام رأسمالية الدولة!

 

وبصرف النظر عن الوظيفة المرتجاة، للدولة الجديدة، التي تراوحت انتقالات عاصمتها، من سويسرا الشرق، إلى هانوي، أي بين ازدهار دولة الحياد، وانفجار دولة المواجهة… منذ اللحظة التي اعترض فيها المؤتمر السوري، على ما وصفه إعلان دولة لبنان الكبير على حساب الأراضي السورية، ومنها الأقضية الأربعة (حاصبيا – راشيا- راس بعلبك – المعلقة، بصورة خاصة)، بعد شهر من مرسوم الجنرال غورو، وصولاً الى رعاية سوريا بتكليف دولي إنهاء الحرب، وإعادة بناء البلد وإعماره وتحريره منذ انتهاء تمرد العماد ميشال عون الذي أصبح في 31ت1 (2016) رئيساً للجمهورية، امتداداً إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان في آذار 2005، بعد زلزال بيروت، الذي أنهى «أسطورة الحريري»، رجل الإعمار، وشريك التحرير عام 2000، ودائماً برعاية النظام السوري في عهد الأب الرئيس حافظ الأسد.

 

بعد وعد بلفور بثلاث سنوات، إلا أيام، ولد «لبنان الكبير» بمعزل عن مجرى مسار التطورات التي ستؤدي إلى نكبة فلسطين، وقيام دولة إسرائيل في 15 أيار 1948.. وكان لبنان نال استقلاله عن الدولة المنتدبة فرنسا.

 

الوقائع التاريخية، المعروفة، تحمل في طياتها تفسيرات، لتحولات التأزمات في لبنان، باعتباره البلد الأكثر قابلية للإشتعال، وهو على خط الزلازل الاقليمية – الدولية، وحروب الشرق الأوسط.. التي أعادت ترسيم الوقائع، على نحو جديد، مع بدء انهيارات الدول الوطنية، والقومية، المستقلة.. سواء في أيام الربيع العربي، أو حتى قبله، وبالتأكيد بعده..

 

هكذا يختلط  الإزدهار بالانفجار، تلازماً وحتى تساكناً، لدرجة بات يصعب معها، معرفة كيف تتحرك التحولات، أو التطورات، وبحسابات أية مصالح، محلية، أو إقليمية، أو حتى دولية..

 

أيا كانت مقدمات، تنامي المديونية العامة في لبنان، وأيا كانت مقدمات، التخلي العربي التدريجي، أو القاطع عن البلد، لا سيما في الحقبة التي تلت إخراج سوريا نظام بشار الأسد من جامعة الدول العربية، وأيا كانت اعتبارات تطيير مقررات مؤتمر «سيدر» (11 مليار دولار ومئات آلاف فرص العمل للشباب والطلاب المتخرجين، والطالبات أيضاً، فضلاً عن الشابات)، فإنها جاءت في سياق التحضير لانفجار اجتماعي، وسياسي، وربما جغرافي في «دولة لبنان الكبير»، تحت حسابات واعتبارات كثيرة..

 

هكذا، صحت الطوائف اللبنانية، سواء ذات الامتداد التاريخي المذهبي، (الشيعة) أو ذات الامتداد التاريخي الاندماجي، العربي (السنَّة) أو ذات الكيانية الوجودية، التي تستمد حيويتها ودورها، من فلسفة لبنان الصغير (جبل لبنان) مسيحيون ودروز، وموارنة بشكل خاص.

 

هنا، يصير الانهيار المالي، ورقة، في أجندة الأوراق، المستخدمة في «حرب المصالح»، و«ليّ الأذرع»، وهنا، يكون «بنك جمّال»، ذهب ضحية «المهادنة»، في وجع الحرب النقدية، على جغرافية «لبنان الجنوبي» من على أبواب فلسطين، وما وراء فلسطين (الولايات المتحدة الأميركية)، التي أوكلت إلى سفيرتها في بيروتي دوروثي شيّا، وإلى فريق ادارة الحرب على «حزب الله»، سواء في وزارة الخزانة الأميركية، أو البنتاعون، أو حتى وزارة الخارجية، وقناة الحرّة أيضاً، تنظيم وقائع المواجهة، حتى إذا اختفى المازوت، والخبز، وصار الدولار، محلقاً كالنسر في «السماوات اللبنانية» غير عابئ بشيء، حتى بلغ به الاستخفاف، حدّ عدم الاهتمام لمسيرات حزب الله، التي يمكن ان تخترق الجليل الأعلى وما وراء الجليل، رداً على الحرب العدوانية، لدولة الاحتلال، ضد مواقع الحزب، والنفوذ الإيراني في سوريا..

 

لا بأس، تنتقل الأزمات، من وضع إلى وضع، لا خبز في الأفران، ولا الحوانيت، ولا في سيّارات الباعة الموزعين أو المتجولين.. ماذا عساك ان تقول بعد يا حبّ الله (وزير الصناعة عماد حبّ الله) حول «المهزلة الجديدة» مخاطباً زميله وزير الاقتصاد.. «ناسنا بالبلد ما فيها تكون حقل تجارب…»..

 

ولا مازوت، بدأت البلديات الصغيرة، وحتى الكبيرة، تفرض نظام تقنين، فوق تقنين وزارة الطاقة، الذي صار يفوق (21 ساعة تقنين يومياً).

 

بطالة، إقفال مؤسسات، تسكير ملاحم، إفلاس مطاعم، دولار من سابع المستحيلات، مصارف متعجرفة، بمجالس إدارتها وموظفيها، صغاراً كانوا أو كباراً، يسرقون أموال النّاس، مع «تربيح جميلة».

 

مجلس القضاء الأعلى، يستدعي قاضي الأمور المستعجلة في صور محمّد مازح، ليسأله كيف يتخذ قراراً يمنع بموجبه السفيرة شيّا من الإدلاء بتصريحات، ويمنع وسائل الإعلام من استضافتها، أو حتى نقل كلامها (بعد مقابلة «العربية الحدث» الأخيرة)، إذ اتهمت السفيرة حزب الله بالمسؤولية عن الأزمة الاقتصادية والمالية لجهة انه لم يسمح بوصول الدولارات إلى خزينة الدولة، وذهبت إلى مسؤوليه وقياداته.

 

لم ينتظر مازح، ان يكرر وزير الخارجية ناصيف حتي، ما فعله وزير الخارجية عام 2011 د. علي الشامي، عندما استدعى إلى قصر بسترس السفيرة الأميركية آنذاك مورا كونيللي، على خلفية زيارتها إلى النائب نقولا فتوش، في ما اعتبر تدخلاً بالشؤون اللبنانية، دعماً لقوى 14 آذار، ولتسمية الرئيس سعد الحريري ترؤس الحكومة قبل يومين من الاستشارات النيابية الملزمة، واعتبار ذلك تدخلاً بالشؤون اللبنانية، وخرق للاعراف الدبلوماسية واتفاقية فيينا.. ليستخلص الرئيس نبيه برّي حينها ان «المعركة مع أميركا».

 

في بلد المواجهة، أو بلد «المعركة مع أميركا»، يتدخل القضاء بدل الدبلوماسية، وتحدّد نقابة الصرافين سعر صرف الدولار، ولا تحترمه، بحجة السوق السوداء، أو «الأسواق السوداء»، التي بات المواطن اللبناني رهينة لها بتعبير برّي نفسه، ولكن عام 2020.

 

في بلد يخرج النظام عن سكة النظام.. وتتحول فيه القوانين إلى «شاهد ما شافشي حاجة».. يعود السؤال القديم- الجديد: لبنان الكبير هل ما زال ممكنا؟!