IMLebanon

«بروكسل 3» للنازحين وليس للبنان وحده

 

يعتقد بعض اللبنانيين انّ مؤتمر بروكسل الخاص بدعم مستقبل سوريا والنازحين وُجد من أجلهم. لكنّ الحقيقة هي في مكان آخر، وعلى الجميع الاقتناع بأنّ الوضع في لبنان هو ورقة في الملف الكبير. فالمؤتمر الذي انعقد بنسخته الثالثة اليوم يناقش في مصير اكثر من 11 مليون نازح في الداخل السوري وخارجه، وما على اللبنانيين سوى التعاطي معه على هذا الأساس.

 

تجمع مراجع ديبلوماسية وسياسية على الاعتقاد انّ الاهتمام اللبناني بمؤتمر «بروكسل 3» فاق كل التوقعات، إذ انه لم يرصد الأهمية عينها التي توليها الحكومات الأخرى ولاسيما منها الأردنية او التركية او تلك التي تعتبر من دول اللجوء باستثناء دول الإتحاد الأوروبي التي تعاني الأزمة بأبعادها المختلفة.

 

فالأزمة تجاوزت حدود دول الجوار السوري الى القارات، وباتت معظم الدول الأوروبية في شمال البحر المتوسط وشرقه مسرحاً للنزوح. عدا عن موجات النزوح التي تسبّبت بها الحروب الداخلية.

 

وإن بقي المجتمع الدولي مُبعداً عن مناطق النظام السوري ومحصوراً بمناطق المعارضة وتلك التي يسيطر عليها الاكراد والشريط الأمني التركي والتي تحظى بالرعاية الأميركية، فإنّ الأوضاع ستبقى على حالها من الانهيار في الداخل السوري.

 

ولذلك بقيت الأمور مُناطة بالمؤسسات الإنسانية السورية المحلية التي استجلبت نوعاً من الدعم الخارجي الروسي والإيراني وبعض دول شرق آسيا والصين وكوريا الشمالية، في ظل غياب الحضور الدولي التام على رغم من كل الجهود التي بذلتها المؤسسات الأممية العاملة في إطار مكتب المبعوث الدولي الى سوريا غير بدرسون.

 

وعليه، يعتقد خبراء شاركوا في التحضير للمؤتمر أنّ الداخل السوري سيكون الأقل عرضة لتدابير الإستجابة للأزمة التي يقاربها هذا المؤتمر. فهو، وحتى الأمس القريب، عاجز عن التفاهم مع النظام السوري لمقاربة حاجات النازحين في مناطقه بالنظر الى القيود المفروضة على حركتهم واعتبار انهم «عملاء» لدولهم.

 

فإذا كانت الجمعية تحظى بالدعم الفرنسي أو السويسري أو الكندي مثلاً، فهي بالنسبة الى النظام تُدار بإرادة الحكومة الفرنسية أو السويسرية او الكندية، وهي بالنتيجة بنظرهم من دول الحلف المناهض للنظام الذي لا يعترف بالأبعاد والأهداف الإنسانية أو الاجتماعية لهذه المنظمات او لتلك المعايير التي يمكن ان تتجاوز حدود الدول والقارات والاعراق والطوائف.

 

وعليه، وعند مقاربة ما يمكن ان يجنيه لبنان من المؤتمر، فقد بات واضحاً انّ لبنان سيطالب المؤتمر باستكمال تنفيذ البرامج السابقة التي وضعت في المؤتمرين السابقين.

 

وهو أمر يرى لبنان انه يحتاج الى نحو المليار و100 مليون دولار لتمويل البرامج والمشاريع التي تخدم المجتمعات المضيفة للنازحين، ومليار لمقاربة شؤون وحاجات النازحين أنفسهم. هذا عدا عن تلك المساعدات التي تصل مباشرة من الدول والمؤسسات المانحة مباشرة الى النازحين عبر ممثلياتهم الخاصة، او عبر منظمات إقليمية ودولية تتجاهل القنوات الرسمية والمؤسسات الحكومية.

 

فلبنان الذي سيصرّ على مطالبه، سيوضح للمؤتمر انه التزم مقتضيات مقررات «بروكسل 2» ونجح في السنوات الماضية في تحقيق ما طلب منه. فهو سعى الى التخفيف من حالات الفقر التي يعانيها 70 % من النازحين عامَي 2017 و2018 فانخفضت النسبة بدرجة واضحة، كذلك تجاوب مع مقتضيات توفير التعليم لأكثر من 200 الف طالب سوري استوعبتهم المدارس الرسمية ببرامج خاصة في فترات بعد الظهر والمسائية منها.

 

ونجح لبنان أيضاً في تلبية المطالب الخاصة بتسهيل الإقامة في لبنان، فأعاد النظر في المهل لتسوية اوضاعهم من النواحي القانونية والإدارية والشخصية، وأعفاهم من رسوم الإقامة لتتحول مجانية وباتت معظم المعاملات تجري بلا رسوم ولا ضرائب فتوفّر الحماية القانونية لنسبة كبيرة من النازحين الذين لا يمتلكون أي وثيقة، بالإضافة الى تسوية أوضاع اكثر من 170 ألف نازح انتقلوا الى بلدهم العام الماضي وفق برامج العودة الطوعية التي تنسّقها المديرية العامة للأمن العام مع المنظمات الدولية والمحلية. كذلك استمر في عدم تطبيق قرارات الإبعاد الى سوريا التي طاوَلت المجرمين والمخالفين منهم.

 

وما عدا هذه الخطوات التي نفّذها لبنان، بَقي جزء كبير من السوريين متخفياً مفتقداً الأوراق القانونية ويمارس أعمالاً لا تسمح بها القوانين اللبنانية بتواطؤ لبناني في معظم الأحيان.

 

ولذلك اضطرت المراجع المعنية الى ضبط ما يمكن ضبطه من المخالفات التي انعكست سلباً على اليد العاملة اللبنانية والحركة الإقتصادية عموماً، ولكن ذلك لم يحل دون بقاء عدد منهم خارج كل قوانين العمل والإقامة، وهو ما حال دون تسجيل كثيرٍ من الولادات على رغم الإجراءات التي وضعتها وزارة الداخلية بالتعاون مع المنظمات الأممية، ولاسيما منها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

 

والى هذه المعطيات وغيرها يُصرّ بعض اللبنانيين على تجاهل المجتمع الدولي، ويسعون الى تسويق خطط وبرامج تدعو الى التعاون مع النظام السوري خارج الأطر القانونية والدولية، لكنها بقيت قاصرة عن تحقيق اي ممّا يجب القيام به لتسهيل العودة سواء كانت آمنة أو طوعية، وهو ما دفع بالجدل القائم الى الذروة بما رافقه من خلافات واتهامات خالية من أي مبرر طالما انّ الوضع في سوريا باق على ما هو عليه.

 

فلبنان الذي نجح في تأجيل التحاق العائدين من الشبّان السوريين الى الخدمة العسكرية لستة أشهر بعد العودة، لم يتمكن من إلغاء هذا القانون الذي يطبّق على السوريين أينما وجدوا، فهو قرار سيادي سوري لا يستطيع أحد مهما علا شأنه ان يغيّره.

 

والدليل انّ المبادرات الروسية والدولية الأخرى التي قاربت هذا الموضوع تمكنت فقط من تمديد المهل التي حددها القانون الرقم 10 الذي يُجبر السوريين على مراجعة دوائر الأمن والمخابرات قبل الدوائر العقارية لتثبيت ملكيتهم الى مطلع العام 2012، بدلاً من مهلة أولى قالت بـ3 اشهر انتهت في نيسان الماضي وأخرى قالت حتى نهاية العام المنصرم.

 

وبناء على ما تقدّم، وجب على اللبنانيين ان يتناولوا الموضوع من زوايا مختلفة، فالخصومة مع المجتمع الدولي مُضرة ولا تفيد في شيء ليبقى المخرج الوحيد بالترتيبات التي يمكن النظام السوري ان يتخذها لاستعادة أبنائه اذا أراد، الأمر الذي يحوط به الشك والغموض الى درجة كبيرة.