IMLebanon

صحوة متأخرة أو مخاوف من “الهجرة الموسمية”.. مؤتمر بروكسيل للمعارضين

 

 

كما في كل قضية في لبنان، تحوّلت قضية النازحين السوريين منذ فترة الى بازار سياسي يكاد ان يقضي على المساعي الجدّية القائمة بهدوء لترتيب آليّات عودتهم الى سوريا، والتي تستلزم عدة مراحل، تبدأ بترتيب البيت اللبناني الداخلي أولاً لتحديد ما هو المطلوب وما هي الامكانات المتاحة سياسياً ولوجستياً، ثم التنسيق التام مع سوريا بلا خجل او خوف ممّا يُسمّى المجتمع الدولي الغافِل تماماً عن مخاطر النزوح، والتواصل مع الدول العربية المانحة لدعم خطة العودة، واخيراً إبلاغ – وليس التنسيق – المجتمع الدولي بما نفّذه لبنان وليس ما ينوي تنفيذه.

في الآونة الأخيرة، بَدا كأنّ قضية إعادة النازحين السوريين هي قضية مسيحية، وتبارَت القوى المسيحية في تسجيل المواقف وطرح الحلول متأخرة بذلك نحو 15 سنة إن لم يكن اكثر، بعدما تفاقمت الاحداث الامنية التي يرتكبها سوريون في مناطق تواجد هذه القوى وبالتواطؤ مع عصابات لبنانية، علماً انّ بعض هذه القوى مع قوى اخرى متحالفة معها، كانت ترفض حتى مجرد إعادة مسجون سوري الى بلاده بعد قضاء مدة محكوميته وفق ما تنص القوانين، بحجّة «انّ النظام السوري سيقتَصّ منه»، خصوصاً اذا كان من معارضي النظام أو له ملف أمني في سوريا.

 

هكذا احتفظ لبنان «بما هَبّ ودبّ» من سوريين، الصالح منهم والطالح، الشرعي وغير الشرعي، المضطر فعلاً للنزوح والهارب من الجندية او المرتكب جرماً او الساعي الى الرزق أو للاستفادة من تقديمات مفوضية اللاجئين الدولية، حتى تجاوز عددهم اكثر من مليوني نسمة، فصارت قدرة لبنان على استيعابهم مستحيلة، لا سيما بعد تقليص المساعدات الدولية للبنان الى بضعة ملايين لا تذهب لدعم الدولة في استيعابهم بل تذهب امّا للنازحين مباشرة عن طريق المنظمات الدولية وإمّا للجمعيات المجهولة المشبوهة الممولة من بعض السفارات الاوربية.

 

وما يثير الانتباه حالياً في «الصحوة المتأخرة» هو توحيد موقف القوى المسيحية من قرار الاتحاد الاوروبي دعم لبنان ونازحيه بمليار يورو مقسّطة على اربع سنوات، والأهم قرار فتح باب «الهجرة الموسمية» امام اللبنانيين وطبعاً من اصحاب الكفاءات العلمية واليد العاملة الفنية الرخيصة، وهو قرار يثير بالدرجة الاولى مخاوف المسيحيين في لبنان قبل غيرهم، لأنهم أكثر توقاً للهجرة الى اوروبا، لكن هذا الأمر يعني مزيداً من تفريغ الساحة المسيحية من شبابها. وهو ربما سبب حرب المزايدات بين القوى المسيحية السياسية التي كانت على خصومة شديدة في ملفات داخلية اخرى، فباتت على تقارب حول موضوع حماية الوجود المسيحي ووقف هجرة الشباب.

 

ومهما يكن من أمر، فإنّ اسباب هذه المزايدات والمواقف الحاسمة برفض الاقتراحات الاوروبية، والتي ستتجلى بموقف واحد اليوم بالجلسة النيابية العامة عبر توصية مُلزمة للحكومة، فإنّ انعكاسها سيكون إيجابياً ويترك تأثيره على الموقف الاوروبي خلال مؤتمر بروكسيل الاوروبي الثامن في 27 الشهر الحالي الذي سيعقد تحت عنوان «دعم مستقبل سوريا والمنطقة»، لكن لن تكون فيه الكلمة للسلطات السورية المعنية قبل غيرها بموضوع النازحين.

 

فبحسب ما أعلن موقع الاتحاد الاوروبي «شهد المؤتمر يوماً للحوار بمشاركة المجتمع المدني السوري، في 30 نيسان في مقر البرلمان الأوروبي في بروكسل؛ ويشهد جزءاً وزارياً يوم 27 أيار في مقر مجلس الاتحاد الأوروبي؛ بالإضافة إلى عدد من الفعاليات الجانبية وبرنامج ثقافي مخصص. ومع حضور ما يقرب من 800 مشارك، أصبح مؤتمر بروكسل على مر السنين فرصة لا تقدّر بثمن للمشاركة وتعميق الحوار مع المجتمع المدني السوري (من سوريا والدول المجاورة والشتات)، والجهات المعنية الرئيسية في الأمم المتحدة ووكالاتها، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وممثلين لدول طرف ثالث، وكذلك المنظمات غير الحكومية الدولية. كما يهدف المؤتمر الوزاري أيضًا إلى حشد الدعم المالي الحيوي للتخفيف من وطأة أزمة الاحتياجات الأساسية للسوريين والمجتمعات المضيفة لهم في البلدان المجاورة، وخاصة الأردن ولبنان وتركيا، وكذلك مصر والعراق».

 

هذا الكلام يعني انّ الموقف الاوروبي ما زال متصلباً برفض اعادة النازحين. بل هو كما قال وزير خارجية سوريا فاروق الشرع، في رسالته الى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، «سيكون منصّة للهجوم على سوريا» عبر حشد كل هذه الجهات المناوئة للسلطات السورية. حيث تفيد اوساط المعارضة السورية عبر منصاتها الخارجية «ان هدف المؤتمر السياسي هو الضغط نحو إشراك المجتمع المدني في العملية السياسية بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. ومعلوم مَن كان وراء طبخ هذا القرار ولمصلحة مَنْ وضد مَنْ؟ وهذا يعني انّ المؤتمر مخصّص لسماع مواقف المعارضين السوريين فقط وليس السلطات الرسمية ايضاً!

 

فماذا سيقدّم لبنان فيه؟

مصادر نيابية متابعة للموضوع قالت لـ«الجمهورية»: ان التوصية النيابية التي ستصدر عن جلسة اليوم ستكون ملزمة للحكومة، وستعرضها امام مؤتمر بروكسل على انها تمثّل الموقف اللبناني الرسمي، وملخّصها «انّ لبنان بلد عبور لا لجوء، وان ظروف لبنان الاقتصادية والخدماتية والمعيشية والامنية لم تعد تحتمل مزيداً من الاعباء الناجمة عن وجود نحو مليوني نازح سوري. وان الوضع تجاوز الخطوط الحمراء. وعلى الحكومة ان تضع خطة عملية مبرمجة وفق مراحل زمنية لإعادة النازحين». امّا الهبة المالية الاوروبية فلم تعد موضوع بحث.