IMLebanon

مشروع موازنة القضاء على الإدارة العامة وسحق التقديمات الاجتماعية

 

ربما هي الظروف التي حوّلت الانظار عنها أو أن وزارة المالية حاولت التكتم على مشروع الموازنة العامة للعام 2021 لتلافي ردة الفعل من مختلف الاسلاك التربوية والقضائية والادارية، بسبب ما تضمنته من الغاء الضمانات الاجتماعية والوظيفية والصحية والتربوية المكرسة لهم بموجب انظمتهم الخاصة. أكثر ما يلفت في مشروع الموازنة تلك ما تضمنته من مواد تحاول ضمناً القضاء على الوظيفة العامة والغاء نسبة 60 بالمئة من المعاش التقاعدي لورثة المتقاعد وفي بعض الحالات ينتهي التقاعد مع وفاة المتقاعد واستفادة موظفي الفئة الثالثة وما دون من العناية الطبية بالدرجة الثانية وفق تعرفة الضمان.

 

لا يخفي مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2021 الذي ارسله وزير المال غازي وزني الى رئاسة مجلس الوزراء ببعض مواده الادارية ولا سيما المواد 105 (تخفيض درجة الاستشفاء للفئة الثالثة وما دون من الدرجة الاولى الى الدرجة الثانية) و106 (الغاء المعاش التقاعدي والتعاونية لكل الموظفين الجدد بعد هذا القانون وإعطاؤهم تعويض صرف والحق بالضمان الاجتماعي) و107 (تعديل جذري لنظام الاستفادة لورثة المتقاعد المتوفي ومنها الاستفادة فقط بـ40 بالمئة للذين يحق لهم)، النوايا المبيتة تجاه القطاع العام والاقتصاص من موظفي الادارات العامة بصيغة تفقدهم الشروط التفاضلية الوحيدة التي تميزهم عن المتعاقدين، والمختصرة بالمعاش التقاعدي وتخفيض مستوى التصنيف الصحي لاساتذة التعليم الثانوي والضباط من رتبة نقيب وما دون، وحرمان الموظف الجديد من المعاش التقاعدي وتخفيض اعطاء نسبة المعاش للورثة “المستحقين” الى اربعين بالمئة. وكل ذلك يتم تحت جناح قانون الموازنة وليس في قوانين اصلاحية تحتاجها الادارة.

 

ويشكل ما تنص عليه المواد المشار اليها عملية إنقضاض على القطاع العام، واول تداعيات هذا المشروع انه ينزع من الموظف عنصر الانتماء للدولة والمواطنة، ويحيله في احسن الاحوال متعاقداً عادياً مع فوارق تجميلية تحمل صفة الوظيفة العامة. ويتبين أن القضم التدريجي لحقوق الموظف كما هو وارد في الموازنة شبيه بكل المعطيات لواقع المودع في المصرف الذي يعيش قلقاً كبيراً من المستقبل الغامض، وقد ألحق مشروع وزني الموظف بالمودع من دون المقدرة على اعادة الطمأنينة الى الاثنين.

 

ويوسع مشروع وزني من “صوابية” تدخل السياسة في الادارة حيث سيصبح الموظف اكثر حضوراً والتصاقاً بطوائفه واحزابه لحاجته الى ظهر يحميه وحضن وملجأ.

 

واذا كان البنك الدولي وضع شروطاً للاصلاح الاداري وللادارة الرشيقة تماثلاً مع ما فعلته اليونان وقبلها ايطاليا، فان الامر مختلف تماماً إذ إن حضور الدولة هناك جلي وقوي في السيطرة على الانتظام العام والاستقرار الاقتصادي والتقديمات الاجتماعية والرعاية الصحية، وهذه أمور مأخوذة بالحسبان وموجودة وحاضرة بقوة وليس الامر متروكاً للقطاع الخاص الذي اثبت بعضه في لبنان على الاقل تفلته من الضوابط الاخلاقية، ولذا يتبين من خلال مشروع موازنة 2021 على المستوى الاداري وضمانات التقاعد أن القطاع العام سيلحق بركب القطاع الخاص على الطريقة اللبنانية.

 

واذا كان مشروع الموازنة اشترط لمن يريد من الموظفين ان يستقيل خلال السنوات الثلاث، فهل حدد القيمون عليه كيفية الحصول على تعويض نهاية الخدمة، وهل سيحصل الموظف على تعويض جنى العمر من المصارف وما ضمانة ذلك؟ وكم هو عدد الذين تقدموا باستقالاتهم، خلال السنوات الثلاث، من الموظفين الذين لم يبلغوا حينها سن التقاعد؟ وما هي الجدوى المالية والاقتصادية من هذا التدبير الذي لا يعدّ بأحسن الاحوال إلا انتقاماً من موظفي الادارة العامة او اقله ترويضهم للذهاب الى مسالك التعاقد واساليبه الملتوية التي تجعل المتعاقد قلقاً خائفاً من الغد.

 

بناء لتقييم المعنيين بشؤون الادارة فإن هذا المشروع سيقضي على القطاع العام وعلى مفهوم الوظيفة العامة ويسمح بتدخل السياسة والساسة في الادارة، وسيحول القاعدة الى استثناء والاستثناء الى قاعدة، فبدلاً من تعزيز واقع الضمان الاجتماعي من خلال ايجاد معاش تقاعدي للعاملين، سيلحق الموظف بالاجير وتلحق الدولة بالطوائف والاحزاب وسيتسع حكماً باب الهجرة واللاعودة، ويبقى المبعد الاول والشاهد الصامت الذي لا حول ولا قوة له مجلس الخدمة المدنية.

 

تسعيرتان للدولار

 

ومن اعجوبة وزارة المالية أن تقوم ارقام الموازنة واعتماداتها ونفقاتها وكذلك وارداتها على اساس سعر الصرف الرسمي للدولار الاميركي اي 1507، فيما جباية الضرائب تتمّ على اساس سعر الصرف الرسمي فيما تعاميم وزير المالية أجازت احتساب الضرائب والرسوم على اساس سعر السوق، وبذلك تكون جباية الواردات مخالفة لارقام الموازنة، وتقديراتها مختلفة عن الواردات الفعلية ما يرتب جباية غير قانونية. وقد برزت تعاميم لوزير المال تكرس السوق السوداء في التكاليف الضريبية من خلال القرارات التالية:

 

– أصول تسجيل العمليات التجارية وعناصر الأصول والخصوم التي تتأثر قيمتها بتقلبات أسعار العملات الأجنبية في السجلات المحاسبية، ونص على ضرورة تسجيل تلك الاصول في سجلات المؤسسة بتكلفة الحصول عليها بالليرة اللبنانية وفقاً للقيمة الفعلية للعملية بتاريخ الحصول على تلك الاصول، ونص كذلك على استهلاكها على هذا الاساس.

 

– الرأي الاستشاري لديوان المحاسبة الذي كرس سعر صرف الدولار في السوق الموازية اي في السوق السوداء في اجراء تخمين العقار للسعر البيعي للعقارات من قبل البلديات، سواء تناول عمليات البيع او الشراء او تسوية مخالفات البناء.

 

– استيفاء الضرائب والرسوم على سعر دولار السوق السوداء بموجب التعميم رقم 114، المتعلق بإصدار الفواتير والمستندات المماثلة لها، واستيفاء الضرائب والرسوم بالليرة اللبنانية ووفق سعر صرف الدولار بالسوق السوداء.

 

وفي ما يتعلق ببنود الموازنة إستغربت جهات اقتصادية ما تضمنته لجهة الزام الجيش بتقديم المحروقات للدفاع المدني، وأحكام سيطرة وزير المالية وتحكمه منفرداً في صرف وانفاق اعتمادات الاسر الاكثر حاجة و”كورونا” وتعويضات المرفأ. كما نصت على اعفاءات ضريبية اعتباطية وعشوائية لكبار المكلفين. وعلى فرض ضريبة على القيمة المضافة على انشطة اشخاص القانون العام والتي ستنعكس على المكلفين، عن الانشطة المنافسة للاشخاص الخاضعة للضريبة لتشمل معظم خدمات القطاع العام المشابهة لخدمات القطاع الخاص غير المعفاة من الضريبة. وفرض رسوم مرفئية وملاحة لتصبح تعرفات مرفأ بيروت والموانئ اللبنانية الاغلى في الشرق الاوسط وتلغي الدور التنافسي لها امام مرفأي حيفا وطرطوس.

 

ومن البنود المستغربة من جهات اقتصادية تلك المتعلقة بانهاء التقديمات الاجتماعية للاسلاك المختلفة ومنح التعليم، وتوحيد العطاءات بين مختلف الاسلاك لا سيما السلطة القضائية. هذا بالاضافة الى فرض ضريبة على الودائع المحتجزة وتعديل سن للتعيين في وظائف الفئة الاولى من 39 الى 44 سنة والغاء الحق لمن امضى 15 عاماً في الخدمة بالحق في المعاش التقاعدي والمعني الاكبر بالبند الاخير اساتذة الجامعة.